انتهت أزمة إغلاق المؤسسات الحكومية الأميركية مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الإثنين، قانون تمويل الحكومة الفدرالية، بعد تصديق الكونغرس على ميزانية مؤقتة مدتها سبعة عشر يوماً، إثر تراجع الحزب الديمقراطي عن مطلب إيجاد حل قانوني للمهاجرين غير الشرعيين الشباب المعروفين بـ"الحالمين"، مقابل تعهد من الجمهوريين بأن يصدق الكونغرس على قانون جديد للهجرة خلال الأيام القليلة المقبلة، يتضمن حلاً قانونياً لوضع "الحالمين"، ويتعامل مع قضايا الهجرة الأخرى ومنها الحماية الأمنية للحدود.
وتجاهل البيت الأبيض حقيقة أن صفقة إعادة تشغيل الحكومة توصَّل إليها زعيما "الاستبلشمنت" الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس، تشاك شومر ومتش ماكونويل، وكان الرئيس ترامب الغائب الأكبر عنها.
وقالت ساره ساندرز إن "الصفقة تثبت صوابية موقف الرئيس"، فيما رأى زعيم الأقلية الديمقراطية في كلمة له في الكابيتول هيل، أن "أزمة إغلاق الحكومة والاتفاق الذي تم مع الجمهوريين في الكونغرس من أجل إعادة تشغيلها، أثبتت عدم قدرة الرئيس على عقد الصفقات".
واعتبر العديد من أعضاء الكونغرس أن نجاح الأقلية الديمقراطية والغالبية الجمهورية في التوصل إلى اتفاق لإعادة تشغيل الحكومة يعيد الاعتبار لدور الكونغرس في صناعة القرار السياسي في واشنطن. في إشارة إلى الصراع التقليدي على الصلاحيات في واشنطن بين البيت الأبيض والكونغرس.
لكن القراءة الأولية لمجريات تطور أزمة إغلاق الحكومة الأميركية الفدرالية، وإعادة تشغيلها لا تشير إلى أنها حققت مطلب حماية أبناء المهاجرين غير الشرعيين المشمولين بقانون "داكا" الذي رفعه الحزب الديمقراطي. وقد تعالت أصواتٌ معترضة في الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، وكذلك في أوساط الكتلة اللاتينية الوازنة، انتقدت قرار شومر بالتراجع عن مطلب "داكا".
ومن هؤلاء، السيناتور بيرني ساندرز الذي صوت ضد صفقة إعادة تشغيل الحكومة، التي نالت تأييد 81 عضواً في مجلس الشيوخ مقابل اعتراض 18 عضواً. وبحسب وجهة نظر الناشطين اليساريين، فإن قيادة الحزب الديمقراطي تقاعست عن الدور الذي تعهدت القيام به في قضية حماية الحالمين المهددين بالترحيل من الولايات المتحدة، اعتباراً من شهر مارس/آذار المقبل.
ويرى هؤلاء أنه لا يمكن الثقة بتعهد زعيم الأغلبية الجمهورية متش ماكونويل بايجاد حماية قانونية، لنحو 800 ألفٍ من أولاد المهاجرين المهددين بالترحيل في الأسابيع القليلة القادمة.
ويشيرون إلى استمرار أنصار ترامب والجناح المحافظ في الحزب الجمهوري في تمويل الحملات الدعائية العنصرية ضد المهاجرين غير القانونيين، وضد عدد من قوانين الهجرة الحالية كقانون لمّ الشمل، الذي يسمح للمهاجر باستقدام أقاربه إلى الولايات المتحدة، ما يعتبره المتطرفون البيض تهديداً لأمن المجتمع الأميركي وتركيبته الديموغرافية ووسيلة لدخول المجرمين وتجار المخدرات والإرهابيين إلى الولايات المتحدة، حسب واحدة من الرسائل التلفزيونية المدفوعة التي تبثها المحطات الأميركية حالياً.
ما يعني أنه من المستبعد أن يغير ترامب موقفه خلال الأيام القليلة المقبلة في ظل الحقن العنصري الإعلاني لقاعدته، لا بل أن ذلك يجعل من احتمال تشبثه بالشعارات الانتخابية التي رفعها ضد المهاجرين وضد المسلمين خلال حملته الانتخابية أكثر احتمالاً، خصوصاً أن عام 2018 هو عام الانتخابات النصفية للكونغرس، وترامب يدرك عن تجربة ملموسة أن توتير الأجواء العنصرية يخدم أهدافه الانتخابية.
ويأتي ذلك، في وقتٍ يُتَّهم ترامب من قبل قيادات الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأنه تراجع عن التزامات كان قطعها مباشرة أمام شاشات التلفزة بتوقيع أي قانون يحمي "الحالمين" يتفق عليه أعضاء الكونغرس، بعدما تدخل مستشاروه المتشددون من أمثال ستيفن ميلر وجون كيلي مدير الموظفين في البيت الأبيض. والأرجح أن المعادلة السياسية في واشنطن لن تكون أبداً لصالح ترامب في حال التزم الجمهوريون المعتدلون بتعهداتهم، ووضعوا مع الديمقراطيين قانونَ هجرة جديداً، لا يتفق مع أجندته السياسية ومع رغبات قاعدته الشعبية.
وقد يكون ذلك الضربة القاضية التي توجه لرئاسة ترامب التي باتت بمهب الريح، فاللجوء إلى إغلاق الحكومة قد يتكرر في المستقبل، في ظل الحرب المفتوحة على رئاسة ترامب.