وتضمنت الوثيقة تقديراً للموقف بشأن الأزمة، والتوصيات بشأن كيفية إدارة هذه الأزمة. وتشير إلى جنوح الجانب الإماراتي إلى التهدئة وربح الوقت في انتظار أن تمر العاصفة، وكذا حدة الموقف التونسي من كل ما يتعلق بالقرار السيادي، وهو ما يدفع إلى التساؤل حول إمكانية التأثير فيه كما يرغب المسؤولون الإماراتيون من خلال ما يسمونه تحريك الجمعيات والمواقع الإعلامية التونسية.
ولكن ما تؤكده الوثيقة، هو أن الأزمة التونسية الإماراتية وبرود العلاقات المستمر منذ سنوات، يعود أساساً إلى موضوع حزب "النهضة" الذي لم تغفره الإمارات لتونس وللرئيس الباجي قائد السبسي.
ويبدو غريباً أن تركز الوثيقة على "توظيف إخوان النهضة للأزمة"، على الرغم من أن المواقف الأولى والأقوى لم تصدر عن "النهضة"، وإنما عن أطياف سياسية ومدنية وحقوقية معروفة بعلمانيتها وليبراليتها، بالإضافة إلى المواقف الرسمية التونسية التي لا تميل عادة إلى التصعيد وتفضل حلّ الأمور عن طريق الحوار. ولكنها لم تكن كذلك هذه المرة لإحساس وطني عام بأن التونسيين خدشوا في كرامتهم.
وفي هذا السياق، يؤكد القيادي بالنهضة، النائب عبد اللطيف المكي، أن الاتهام الإماراتي لحركة "النهضة" لا يستقيم لأن موقف الحركة من الأزمة كان مسبوقاً بعشرات المواقف الأخرى لمنظمات وأحزاب. ويضيف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الأزمة ليست بين الدوائر الحزبية بل هي بين دولتين وحكومتين، وينبغي أن تبقى في هذا الإطار".
ويقول المكي، إنه لا يستغرب هذه المواقف، ولكن الموضوع حساس للغاية وينبغي أن يُدار في الأطر الرسمية، والنهضة لم تخرج عن موقف الدولة التونسية الرسمي.
وعلى ما يبدو، فإن الإمارات لم تفهم بعد كل هذه السنوات أنها غير قادرة على التأثير في مجريات الأمور في تونس، وأن أفضل الطرق لذلك هو التعاون معها واحترام قراراتها، لكن يبدو أن الخيار هو المراهنة على القادم ومحاولة إضعاف حركة "النهضة" من خلال تحميلها المسؤولية، وتقوية "نداء تونس" كمنافس لها، ولكنه فهم محدود لطبيعة العلاقات السياسية وموازين القوى في تونس، في هذه المرحلة على الأقل.
ويمثل قرار الإمارات بعدم الاعتذار لتونس، جنوحاً لإطالة عمر الأزمة، لأن موقف تونس من ذلك كان صريحاً وواضحاً وقوياً، ولا يمكن أن يعود الطيران الإماراتي لتونس إلا بعد نزع فتيلها، ولكن الوقت لا يخدم الجانب الإماراتي.
ونشر الوثيقة موقع "عربي 21" في أربع صفحات، وذكر أنها تعود إلى 27 ديسمبر/ كانون الأول 2017، وأنها صادرة عن "إدارة تخطيط السياسات" في وزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات، وموجهة بشكل حصري وسري إلى خمس مسؤولين كبار فقط، من بينهم وزير الخارجية، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، ووزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش.
وتتضمن الوثيقة ثماني توصيات، أولها "استبعاد فرضية الاعتذار لتونس؛ كون الاعتذار يُسيء لصورة دولة الإمارات؛ لأن الأمر يتعلق بقرار أمني سيادي يجب التمسك به، وعدم الالتفات إلى مطالب الاعتذار"، و "ضرورة الانتباه إلى الطريقة التي يُوظف بها إخوان النهضة هذه الأزمة، وكيف يهاجمون دولة الإمارات".
وتشير الوثيقة إلى أن "السبسي وحكومته لا ينتبهون إلى أن طلب اعتذار من دولة الإمارات يخدم مصلحة حركة النهضة، التي ستوظف تصعيد الأزمة لإعادة الانتشار داخلياً قبل الانتخابات المقبلة".
وتؤكد الوثيقة في التوصية الثالثة أنه "من المهم لوزارة الخارجية الإماراتية أن تربط بين قرارها وفكرة التدخل الأمني الوقائي والاستباقي، وأن تعتبر أن القرار يدخل ضمن الإجراءات الزمنية الاحترازية المؤقتة، التي قد تُرفع بعد زوال الخطر".
وتلفت التوصية الرابعة إلى ضرورة "الانتباه إلى أن الإضرار بموقف حزب نداء تونس سيصب في مصلحة حركة النهضة؛ لذلك يوصى بعدم إضعاف موقف الرئيس السبسي وحزبه، ومن هنا ضرورة ابتعاد الخطاب السياسي والإعلامي الإماراتي عن أي تهديد مباشر أو غير مباشر لمصالح التونسيين المقيمين في الإمارات، الذين يُقدر عددهم بنحو 28 ألفاً".
وتدعو الوثيقة إلى "الاستمرار في تكرار التوضيح الإماراتي الهادئ بخصوص أن دولة الإمارات تقدر عالياً أواصر الصداقة والأخوة مع أشقائها في تونس، وأنها تُكنّ بالغ الاحترام لمكانة المرأة التونسية في بلدها، ودورها الريادي والتقدمي في جميع المجالات، وأنها حريصة على أن تظل تونس بلداً صديقاً لدولة الإمارات".
ودعت الوثيقة أيضاً، إلى "استمرار الترحيب الإماراتي بتصريحات الناطقة باسم الرئاسة التونسية سعيدة قراش، التي قالت فيها، إن ما يحدث بين تونس والإمارات لا يرقى إلى حدود الأزمة الدبلوماسية، وإن الأمور بينهما لا تُدار بروح عدائية".
ونبهت الوثيقة إلى "الابتعاد الإعلامي عن مهاجمة زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى تونس"؛ "لأن الحكومة التونسية سترد، أن هذا قرار سيادي"، مشيرة إلى أنه من "الممكن تحريك جمعيات ومواقع إعلامية داخل تونس لقلب النقاش ضد "النهضة"".