وأكثر المناطق التي شهدت صدامات حادة بين المواطنين والشرطة، كانت المناطق الأكثر فقراً، مثل القصرين (وسط)، وسيدي بوزيد، المدينة الأخرى الواقعة في وسط البلاد والتي انطلقت منها ثورة 2010، والضواحي الفقيرة في العاصمة تونس. وقال الناطقان باسم وزراتي الصحة والداخلية إنه سيجري تشريح جثة الرجل (43 عاماً)، الذي قتل في طبربة لتحديد أسباب وفاته، بينما نفت وزارة الداخلية ما تم تداوله بأن الرجل قتل على أيدي الشرطة، مؤكدة عدم وجود آثار عنف عليه. وقال الناطق باسمها العميد خليفة الشيباني، إن الرجل كان يعاني من مشاكل "ضيق تنفس".
في هذا الوقت، كان الشاهد يخاطب التونسيين، من أقصى نقطة في الجنوب التونسي، داعياً إلى الصبر عاماً آخر فقط، للخروج من نفق الصعوبات الاقتصادية. ودعا الشاهد خلال زيارة تفقد للقوات الحدوديّة في رمادة (محافظة تطاوين)، لعدم تهويل الأمور بخصوص مسألة غلاء الأسعار. وقال الشاهد لإذاعة شمس إن "الوضع الاقتصادي صعب، لكن يجب ألا نهول الأمور، خاصة في ظل وجود العديد من الشائعات التي تجتاح موقع التواصل الاجتماعي، وهناك بوادر إيجابية وسوف تتحسن الأوضاع، وسنة 2018 ستكون آخر عام صعب وآخر ميزانية صعبة، لأن هناك مؤشرات حقيقية في الاقتصاد التونسي".
في المقابل، دعا زعيم حزب مشروع تونس، محسن مرزوق، إلى الإعلان عن مراجعة قانون المالية والأخذ بعين الاعتبار المقترحات التي "كنّا نحن وغيرنا عبرنا عنها أكثر من مرة ولم يستمع لها". وشدّد مرزوق في موقف نشره على صفحته الرسمية في "فيسبوك"، على "تطبيق القانون بما فيه حظر التجول ليلاً لمحاصرة الناهبين والمخربين". وانتهى مرزوق إلى اعتبار أن "حكومة المحاصصة لم تعد قادرة إلا على مراكمة الأخطاء، ويجب إيقاف عبث حزبي النداء والنهضة فيها".
وفي مشهد ثالث، عبّر حمة الهمامي، زعيم الجبهة الشعبية اليسارية، عن رفض الجبهة لسياسة تشويه التحركات الشعبية ومواجهتها بالقمع والمحاكمات. وطالبت الجبهة الشعبية في مؤتمر صحافي، بكشف حقيقة "استشهاد المدني خمسي اليفرني"، الذي قتل في طبربة (ولاية منوبة)، داعياً المحتجين إلى التظاهر السلمي من أجل المطالبة بحقوقهم المشروعة رفضاً للإجراءات الواردة في قانون المالية 2018.
ويمكن فهم الحالة التونسية اليوم من خلال هذه المشاهد والمواقف الثلاثة السابقة، حيث تنحصر القراءات الممكنة بين حكومة تدعو إلى الصبر ومعارضة تدعو إلى التظاهر وأخرى إلى تغيير حكومة المحاصصة الحزبية بين النداء والنهضة. وقد استقبل التونسيون عامهم الجديد بسلسلة من الزيادات في الأسعار طاولت مواد كثيرة ويومية، وتصر الحكومة على أنها ليست أساسية وأنها حكر على الأغنياء، مثل البنزين وبطاقات شحن الهاتف الجوال والشامبو وحتى المساكن الجديدة، وقائمة طويلة من المواد الأخرى سيتم اكتشافها مع الأيام. وذهب وزير أملاك الدولة، مبروك كورشيد، إلى حد الاستغراب من "احتجاج الفقراء على زيادات طاولت الأغنياء".
وقد غير البرلمان التونسي، أمس الثلاثاء، جدول أعماله من مناقشة مشاريع القوانين والقروض المبرمجة إلى الاحتجاجات الشعبية. ونبّه القيادي في حزب النهضة، الصحبي عتيق، إلى "وجود تحركات غير سلمية وسرقة ومداهمات ليلية للمستودعات والمقرات السيادية، وهذا الأمر مرفوض، وهناك توظيف سياسي لهذه التحركات التي خرجت عن سياق المدنية والسلمية". من جهة ثانية، دعا القيادي في حزب نداء تونس حسن العماري، إلى "حماية البلاد من الشائعات والتحريض وبث الفتن وعمليات الشيطنة والمزايدات". ويعود الجدل حول الاحتجاجات، بين مشروعية المطالب وأحداث العنف المرافقة، وبين احتجاجات في وضح النهار وأخرى في كنف الليل، حيث تضرب أعمال سرقة ونهب شرعية الاحتجاجات، وقد اعترف الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي بحصولها.
وفي السياق، طمأن المتحدث الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني وليد حكيمة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن وزارة الداخلية تعمل على حماية التونسيين ممن يرغبون في الاحتجاج السلمي نهاراً وتضمن لهم حقهم في الاحتجاج. وذكر المتحدث باسم إدارة الأمن الوطني أن وزارة الداخلية أشرفت في سنة 2017 على ما بين 12 و13 ألف احتجاج سلمي ولم تسجل أي خروقات تذكر كالتي تحصل حالياً. كما أعلن حكيمة أن "11 عنصراً من الأمن الوطني أصيبوا برشق الحجارة والمقذوفات وقنابل المولوتوف، فيما تضررت أربع آليات للشرطة" خلال الصدامات الليلية. وقد أعلن الناطق باسم وزارة الداخلية لإذاعة شمس، أنه تم توقيف 44 شخصاً على الأقل، بينهم 16 في القصرين، و18 في أحياء شعبية قرب العاصمة، معتبراً أن الاضطرابات "لا علاقة لها بالديمقراطية أو المطالب الاجتماعية".