وأوضح ترامب عقب تلويح بعض أعضاء الكونغرس بضرورة وقف صفقات السلاح مع الرياض، أنه "لا يحبّذ الالتزام بنهج مسار واحد في هذه القضية لأن ذلك سيضر بالولايات المتحدة، والأمر لا يزال مبكراً على حد قوله". ثم عاد واتخذ موقفاً أكثر وضوحاً بعد عدة ساعات فقط، فخلال لقاء مع صحافيين في المكتب البيضاوي بعد ظهر يوم الخميس عينه، قال ترامب بصورة واضحة إنه "لا يجب أن يتم إيقاف دخول كمية كبيرة من الأموال إلى الولايات المتحدة"، مضيفاً أنهم "ينفقون 110 مليارات دولار في صفقات تسليح وهذا شيء عظيم لبلادنا". مع العلم أنه سبق له القول إن "خاشقجي دخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وبالتأكيد لم يخرج منها، وهذا شيء خطير جداً".
وخلال وجود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الولايات المتحدة في الربيع الماضي، حاول مجلس الشيوخ الأميركي إنهاءَ الدعم المقدم للحملة العسكرية السعودية في اليمن، وذلك بتصويته على مشروع قرار يقضي بوقف الدعم الأميركي العسكري هناك. ورغم رفض مشروع القرار بعد تصويت 55 عضواً ضده في مقابل تأييد 44 عضواً، فإنه أعاد التركيز على الفشل السعودي وفشل رؤية بن سلمان للأزمة اليمنية، وأظهر تزايد معارضة الحرب التي تقودها السعودية هناك. وجاء اقتراب الكونغرس من وقف بيع الأسلحة للرياض على الرغم من وقوف إدارة ترامب له بالمرصاد كي لا يفرض شروطه أو يحظر بيع أسلحة للرياض.
ومساء الخميس الماضي، عبّر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، السيناتور الجمهوري بوب كوركر، عن الغضب الواسع بين أعضاء الكونغرس من التقارير التي كشفت عن مقتل خاشقجي على يد ضباط أمن سعوديين. وقال كوركر: "إذا اتضح ما نعتقده جميعنا اليوم، فينبغي فرض عقوبات كبيرة على أعلى المستويات". وذكر أن "هناك رفضا كبيرا لاستمرار شحن الأسلحة الأميركية للسعودية بسبب ما يجري في اليمن، وما يحدث الآن سيدفع بوقف المبيعات لها".
ومنذ ظهوره على الساحة السياسية، يتبنى ترامب سياسة ترمي لبيع المزيد من الأسلحة الأميركية، ويسعى كذلك لتحقيق وعد قطعه على نفسه في الحملة الانتخابية عام 2016 لخلق المزيد من الوظائف في الولايات المتحدة، وذلك ببيع المزيد من الأسلحة. من هنا طرح ترامب خلال الربيع الماضي خطة لتخفيف قواعد تصدير العتاد العسكري للدول الأجنبية من العتاد العسكري من المقاتلات الحربية والطائرات بلا طيار والسفن الحربية وقطع المدفعية.
وتتبع الولايات المتحدة سياسة مركزية تجاه صادرات السلاح، إذ يُنظّم قانون مبيعات الأسلحة لدول أجنبية رقم 622، الصادر عام 1961 طريقة حصول الدول على أسلحة أميركية. والإجراء شديد التعقيد، إذ يتطلب خطوات عدة، تأخذ عادة سنوات كثيرة. ويبدأ مسار المبيعات العسكرية مع تلقي خطاب رسمي تعبّر فيه دولة ما عن رغبتها في شراء نوع وكمية معينة من العتاد الأميركي وتكلفة هذه الصفقة. ثم تتم مراجعة الطلب من قبل الإدارة الأميركية، ووزارتي الخارجية والدفاع، ثم يتم توجيه الطلب للكونغرس الذي يحق له رفض الصفقة خلال 30 يوماً.
وبعد موافقة الكونغرس، تصدر وكالة التعاون الدفاعي والأمني في وزارة الدفاع (بنتاغون) خطاب قبول طلب الدولة الأجنبية ويتضمن تفاصيل السعر والكمية وموعد وطرق التسليم، وبرامج التدريب المرتبطة به. وتستغرق بعض الصفقات المتعلقة بأسلحة صغيرة موجودة في مخازن الشركات الأميركية أشهراً عدة لإتمام الصفقات، إلا أن الأمر يستغرق سنوات لإتمام الصفقات الكبيرة التي تتضمن تصنيع طائرات مقاتلة أو سفن حربية أو صواريخ متقدمة.
وطبقاً لتقرير خدمة أبحاث الكونغرس الصادر في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، فقد أخبرت وزارة الخارجية منذ عام 2009 الكونغرس بطلبات شراء أسلحة من السعودية بلغت قيمتها 139 مليار دولار. وتم بالفعل إنجاز صفقات بلغت قيمتها 65 مليار دولار بين عامي 2009 و2016.
ومع اتساع حجم الغضب داخل الكونغرس ومضاعفته بسبب موضوع اختقاء وربما مقتل خاشقجي الحاصل على بطاقة "إقامة" في الولايات المتحدة، ارتفعت الأصوات المعارضة للحرب وللدور الأميركي المساعد في المجهود العسكري السعودي في اليمن. وشمل الغصب أيضاً ما نتجت منه أخطاء القوات السعودية وتسببها في مقتل آلاف الأبرياء المدنيين من بينهم نسبة كبيرة من أطفال المدارس باستخدام أسلحة أميركية الصنع.
وخلال زيارة ترامب الرياض في مايو/أيار 2017، التي تبعها ولي العهد السعودي بزيارة واشنطن في مارس/آذار الماضي، تم الاتفاق على الكثير من صفقات بيع الأسلحة طبقاً لمركز خدمات الكونغرس. وطلب البيت الأبيض من الكونغرس الموافقة على الصفقات التالية: سبع بطاريات دفاع جوي من طراز ثاد قيمتها 13.5 مليار دولار، على أن يتم التسليم، في عام 2023 كحدّ أقصى. و104 قذائف يتم إسقاطها من الجو من نوع جي بي يو ـ 10، قيمتها الإجمالية 4.46 مليارات دولار. ودعم متكرر وتقوية لبطاريات منظومة الدفاع الجوي من طراز باتريوت قيمتها 6.65 مليارات دولار بين عامي 2018 و2027. ومعدات وبرامج دعم لطائرات مقاتلة سعودية من طراز "أواكس" قيمتها مليارا دولار. وأربع طائرات مقاتلة يتم لاحقاً تحديد أنواعها ويتم تسليحها بمعدات متطورة للرصد والتعقب قيمتها مليارا دولار، على أن تُسلّم خلال عام 2024. و23 طائرة نقل عسكري من طراز سي 130 جي، إضافة إلى برامج صيانة ودعم، على أن يبدأ التسليم خلال عام 2022، وتبلغ قيمة الصفقة 5.8 مليارات دولار. و8 طائرات من طراز أف ـ 15، تبلغ قيمتها 6.25 مليارات دولار. وزوارق سريعة من طراز أم. كاي ـ في آي، قيمتها مليارا دولار. وفرقاطة تصنعها شركة لوكهيد مارتن لصالح القوات البحرية السعودية قيمتها 6 مليارات دولار وتسلم بين عامي 2025 و2028. وبرامج تعديل وتحسين لـ400 مدرعة من طراز برادلي إضافة إلى شراء 213 مدرعة جديدة بإجمالي تكلفة تصل إلى 2.3 مليار دولار. 180 مدفعا من طراز "هاوتزر" تسلّم بين عامي 2019 و2022 وقيمتها 1.5 مليار دولار. ونظم قيادة وسيطرة وإدارة من نوع سي 4 آي، قيمتها المبدئية 18 مليار دولار. ونظم تحذير ونظم إنذار مبكر ترتبط بأطباق طائرة قيمتها 4.8 مليارات دولار. و14 مروحية من طراز "بلاك هوك"تنتجها شركة لوكهيد مارتن قيمتها مليارا دولار. و30 مروحية إنقاذ من طراز مروحية قيمتها 1.8 مليار دولار. وقنابل ذكية قيمتها 7 مليارات دولار.
وسيتوقف مصير هذه الصفقات بصورة كبيرة على مسار التحقيقات في إسطنبول، والتي قد لا تترك مجالاً واسعاً لترامب ليرفض وقف بيع الأسلحة إلى السعودية، خصوصاً مع تعاظم الاهتمام بقضية اختفاء جمال خاشقجي وخروج تقارير تشير إلى تورط ولي العهد السعودي نفسه في هذه المغامرة غير المحسوبة.