"فقط البيت اليهودي قادر على حماية الرملة وإبقائها يهودية"، شعار رفعه حزب "البيت اليهودي" المتطرف في دعايته الانتخابية، مضيفاً عبارة أخرى "غداً قد تكون هذه ابنتك" على صورة تظهر فيها فتاة محجبة، في إشارة إلى أن زواج العرب من يهوديات، يؤدي إلى أسلمتهن. حملة تتعامل مع العرب على أنهم يشكلون خطراً على الرملة رغم أنهم أقلية هناك. أما في يافا فنجد في الحملات الانتخابية عبارات وشعارات مثل "إما نحن وإما هم"، والتي رفعها حزب "الليكود"، في إشارة إلى أن سكان يافا العرب "إرهابيون ومخربون". وتم تقديم التماسين ضد هاتين الدعايتين الانتخابيتين، اللتين تتنافيان مع الأخلاق، وحتى مع القانون الإسرائيلي نفسه. لكن قبل شطبها، كانت الرسالة قد وصلت للجمهور الإسرائيلي، خصوصاً اليمين المتطرف.
واعتبر مرشح القائمة العربية المشتركة في الرملة، غسان منير، أن "أحزاب اليهود اليمينية تتسابق فيما بينها على من يسب ويتهجم أكثر على العرب، ليكسب أصوات اليهود ويجمعها حوله. كلما كانوا متعصبين أكثر جذبوا إليهم عدداً أكبر من أنصار الفكر اليميني للتصويت لهم". وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الهجمة العنصرية ضد العرب لا تقتصر على الانتخابات، فالشغل الشاغل لحزب البيت اليهودي واليمين المتطرف عموماً، هو التحريض على العرب. قانون القومية الذي سنه الكنيست الإسرائيلي أخيراً، فيه رسائل كثيرة للإسرائيليين، وقد بدأ حزب البيت اليهودي بتطبيقها، ومنها أن العربي مواطن من الدرجة الثانية ويمكن التهجم عليه، فهذه ليست دولته. وقد وضع في اللافتات مضامين تدعو إلى منع الزواج بين الشبان العرب واليهوديات". وتابع "البيت اليهودي كأنه أخطبوط له عدة أذرع، ويعمل بعدة مجالات، كلها عنصرية، تعتمد على طهارة العرق وتذكرنا بألمانيا النازية عندما يقولون إنهم يمنعون الانصهار أو الاختلاط. إذ إنه يعتبر أنه في حال تزوجت يهودية من عربي أحبته تصبح أقل طهارة أو حتى نجسة. هذا هو المعنى. هذا فكر يعيدنا إلى حقبة هتلر، ومبني على منطلقات نيو نازية بحتة. إحدى الدعايات التي كانت أيام هتلر أن الألمانية الشقراء الآرية ممنوع أن تتزوج من آخرين، لأن هذا يضر، بنظره، بالجنس الآري. الآن ما نشهده من أساليب للبيت اليهودي يؤكد نفس المبدأ ونفس الفكر والمنطلق، ولكن ببطء أكبر حتى يعتاد الناس عليه".
بث الحقد والكراهية
وأوضح غسان منير أن "إحدى أذرع حزب البيت اليهودي تُسمى النواة التوراتية، وهناك ذراع أخرى تسمى المؤسسة ضد الانصهار، وهناك مؤسسة الاستيطان وغيرها. النواة التوراتية تبنت مشروع تهويد اللد والرملة، وكأن الغالبية في اللد والرملة من العرب، لكن في الواقع تسكنهما غالبية يهودية. مؤيدو هذا التيار لديهم حقد وكراهية ضد الآخر، فيرون أن العرب أغلبية، رغم أن نسبتهم تتراوح بين 25 و30 في المائة فقط، وهم يسعون لانتزاع حقوقهم أكثر. اليوم هناك هجمة كبيرة من قبل النواة التوراتية على اللد والرملة، إذ تحاول زرع المستوطنين، أو الصهاينة المتطرفين، بين التجمعات العربية الكبيرة، إما من خلال دفع مبالغ أكبر من سعر العقار (البيت مثلاً) للاستيلاء عليه، أو من خلال فتح نوادٍ أو حضانات للنوادي التوراتية في الأحياء العربية، رغم أنهم لا يسكنون فيها، وذلك كنوع من الاستيطان. هم يريدون التخلص من العرب وإخراجهم من البلدات الساحلية، خصوصاً من وسط البلدتين القديمتين في الرملة واللد، حيث المباني الأثرية والتجارية والسوق والمسجد والكنيسة وغير ذلك".
ورأى منير أن "المطلوب في الانتخابات، على مستوى الممارسة، أن ينتخب العرب الأحزاب العربية ولا يصوتوا للأحزاب اليهودية، وأن يخرجوا للتصويت، لأن نسبة التصويت في المجتمع العربي في انتخابات السلطات المحلية بالبلدات المختلطة متدنية جداً. هناك أحياء لا تتعدى فيها نسبة التصويت 40 في المائة. لا يمكن أن نؤثر على سياسات البلدية ونهجها إذا بقينا في بيوتنا. إذا كان هناك التفاف بنسبة 60 في المائة في اللد، يمكن أن تحصل القائمة على 7 أو 8 مقاعد من أصل 19 في البلدية، وهذا يوفر ثلثاً معطلًا، أي لا يتم شيء في البلدية من دون موافقة العرب. في الرملة يمكن أيضاً للعرب الحصول على 6 مقاعد إذا أقبلوا على التصويت".
ظروف صعبة جداً
وأكد المرشح عن "قائمة يافا"، عبد القادر أبو شحادة، أن الحملة الانتخابية تشهد تحريضاً ضد المواطنين العرب في يافا أيضاً، وهذه المرة من قبل حزب "الليكود". وقال أبو شحادة، لـ"العربي الجديد"، إن "العنصرية أمر ناضج ومقبول في المجتمع الإسرائيلي، وإذا لم يكن من قبل الليكود فمن البيت اليهودي أو أحزاب صهيونية أخرى. يخوّفون اليهود لكي ينتخبوهم". وأضاف أن "الحملة العنصرية الأخيرة التي تم تقديم التماس ضدها، تمثل الحزب الحاكم، وهذا ليس أمراً هامشياً في الشارع الإسرائيلي، ولكن نتحدث عن تيار مركزي. ولو لم تكن هذه الحملات ناجعة لما استخدموها كأدوات لجذب المصوتين المتطرفين. هذا امتداد للعنصرية الشعبوية في الشارع الإسرائيلي، وهي واضحة. اليهود في يافا أيضاً لا يقومون ببيع بيوتهم أو تأجيرها للعرب". ولفت إلى أن "هناك تحريضاً في يافا، خصوصاً ضد الحركة الإسلامية، وهناك شيطنة لها. يقولون إما نحن أو هم، وردود الفعل في تل أبيب، حتى ممن يعتبرون أنفسهم يساراً، أن العرب ليسوا جميعهم حركة إسلامية، وكأن الحركة الإسلامية جهة خطيرة".
وعرج أبو شحادة على قانون "القومية" وإسقاطاته على الحملات الانتخابية والواقع. وقال "نحن نعمل في ظروف صعبة جداً وفي مرحلة سياسية جديدة بعد قانون القومية الذي له أبعاد كثيرة على المواطنين العرب في الداخل الفلسطيني، خصوصاً في المدن الساحلية والمدن المختلطة، حيث هم أقلية وهناك معاملة يومية مع اليهود. قانون القومية يعمق العنصرية. لا أقول إن السلطات المحلية يمكن أن تنقذ المواطن العربي، لكن بالتأكيد يمكنها التأثير في أمور كثيرة إذا كنا نمثل قوة فيها، وبالتالي من المهم التواجد في كل منصب يمكننا الوصول إليه. في يافا مثلاً هناك 11 ألف صوت عربي، وهذا معناه أنه يمكننا أن نكون القوة الثانية أو الثالثة في بلدية يافا، إذا اتحدنا وكانت نسبة التصويت عالية. 3 مقاعد يمكن أن تمنحنا منصب نائب رئيس البلدية وهذا له تأثير". وأضاف "وجودنا في البلدية يمكّننا أيضاً من مراقبة ما يحدث في البلدية والتخطيط من أجل مصلحة مجتمعنا الفلسطيني في الداخل واحتياجاته. كذلك، يمكننا أن نُلزم البلدية بالتصدي للممارسات العنصرية ضد العرب. لكن المشكلة في البلدات المختلطة هي نسبة التصويت المتدنية عند العرب. هناك أسباب كثيرة لذلك، منها الاعتقاد أن القوائم أحياناً لا يمكنها أن تؤثر بشكل جدي، إما بسبب محدودية التمثيل في البلدية أو بسبب المشاكل الهيكلية ولأسباب أخرى". وتابع "أمر آخر يؤثر على نسبة التصويت، هو الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين العرب في البلدات الساحلية، وعدم وجود وعي كافٍ ولا متابعة للقضايا. لا بد من انتخاب القوائم العربية في المدن الساحلية لنغيّر من وضعنا، وندعمه بما نستطيع حتى لو لم نحقق كل ما نتطلع له".
أما مدير الائتلاف لمناهضة العنصرية المحامي، نضال عثمان، فرأى أنه "كما في انتخابات الكنيست، هناك أحزاب سياسية يمينية تخوض الانتخابات للسلطات المحلية في البلدات المختلطة. ومن أجل كسب أصوات اليمين تقوم بالتحريض ضد الجمهور العربي أو البلدات العربية المجاورة. عادة في المدن الساحلية والمختلطة يكون التحريض مباشراً ضد العرب، كما حدث في الرملة ويافا وكرمئيل وأماكن أخرى. نحن نتابع حملات تحريض مرفوضة أخلاقياً وممنوعة قانونياً ونقوم بتقديم التماسات للمحاكم ضدها، وقد قدمنا أخيراً التماسين، أحدهما ضد حملة الليكود ضد العرب في يافا والآخر ضد الحملة في الرملة التي تحرض على الشباب العرب ومنع زواج اليهوديات من العرب للحفاظ على نقاوتهن كما يزعمون. هذا فيه تحريض مباشر على المواطنين العرب". وأوضح عثمان، لـ"العربي الجديد"، أن "مثل هذه الحملات لها جمهورها، لذلك يكررها المتطرفون رغم معرفتهم أنها ممنوعة. بمكر معين يقومون بإطلاق حملاتهم العنصرية، وإذا ما وجدوا أي اعتراض يتم إزالتها، ولكن إلى حين إزالتها يكونون أوصلوا رسالتهم أو كسبوا جزءاً من الجمهور الذي يستهدفونه". وقال "واجبنا كمؤسسات فاعلة ضد العنصرية وضع حدّ لمثل هذه الحملات وملاحقة العنصريين، حتى بعد إزالة الدعايات الانتخابية. للأسف تجربتنا سيئة مع المستشار القضائي للحكومة للتحقيق مع من يقف وراء مثل هذه الحملات، ولكن يبقى أن نستنفد هذه الإمكانية حتى لا تبقى على الرف، فلربما ننجح في نهاية المطاف بوضع الملف على الطاولة بشكل واضح، ومنع مثل هذه المظاهر والحملات من جذورها مستقبلاً".