طالبت صحيفة "واشنطن بوست"، بتحقيق أممي بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، معتبرة أنّ الرواية السعودية الأخيرة بشأن مقتله؛ هي مثال آخر على سلوك ولي العهد محمد بن سلمان "المتغطرس"، منتقدة استعداد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبولها "مماطلة" الرياض بالقضية.
وقالت الصحيفة الأميركية، في افتتاحية لهيئة تحريرها، اليوم الجمعة، إنّ الرواية الجديدة التي عرضتها السعودية حول مقتل خاشقجي، أمس الخميس، "كانت صادمة بوقاحتها".
وأشارت إلى أنّ السلطات في الرياض، وبعد أن اعترفت سابقاً بأنّ خاشقجي كان ضحية "قتل متعمّد"، عادت إلى رواية سابقة فاقدة لمصداقيتها، مفادها أنّ خاشقجي قد قُتل "بشكل عفوي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، من قبل فريق أُرسل لإعادته إلى المملكة.
ولفتت إلى أنّ النيابة العامة السعودية، بإعلانها أنّ اتهامات ستوجه إلى 11 مشتبهاً به بالقضية، وأنّ عقوبة الإعدام ستنفذ بحق خمسة منهم، أعفت ولي العهد محمد بن سلمان "المشتبه به الرئيسي في جريمة القتل"، وكذلك اثنين من كبار مساعديه، قال المدعي العام إنّهما أمرا أو اقترحا عملية القبض على خاشقجي، لكنّهما لم يقرّا قتله.
واعتبرت أنّ النظام السعودي، ومن خلال تقديم هذه الرواية "التي لا تُصدّق"، يتحدّى بشكل صارم جميع أولئك، بمن فيهم أعضاء بارزون في الكونغرس، الذين طالبوا بالكشف الكامل عن تفاصيل الجريمة ومحاسبة المسؤولين عنها.
وقالت "واشنطن بوست"، إنّ إدارة ترامب، مع ذلك، بدت على استعداد لقبول "مماطلة" السعودية، مشيرة إلى أنّ واشنطن أعلنت، الخميس، فرض عقوبات على 17 شخصاً سعودياً متورطين في القضية، بينما لم تمسّ ولي العهد وكبار مسؤولي الاستخبارات في الرياض.
— Washington Post Opinions (@PostOpinions) November 15, 2018
" style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
— Washington Post Opinions (@PostOpinions) November 15, 2018
|
رواية السعودية تناقض حقائق راسخة
وأوضحت أنّ قبول الرواية السعودية، يعني تجاهل عدد من الحقائق الراسخة؛ مشيرة في هذا السياق إلى التسجيل الصوتي الذي يوثق لحظات خاشقجي الأخيرة، والتي شاركها المسؤولون الأتراك مع مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" جينا هاسبل، ويدلّ على تعرّض الصحافي السعودي للاعتداء والخنق فور دخوله القتصلية، بينما تدّعي آخر نسخة من رواية السعودية أنّه "مات فقط بعد شجار ونزاع دفع رئيس (فريق التفاوض) إلى اتخاذ قرار بقتله عن طريق حقنه بالمخدرات".
ولفتت إلى أنّ الرواية السعودية السابقة قالت إنّ العملية أمر بها نائب رئيس الاستخبارات أحمد العسيري، وتم اقتراحها من قبل سعود القحطاني، المستشار بالديوان الملكي، وكلاهما مقرّبان من محمد بن سلمان، بينما ذكرت آخر نسخة لرواية الرياض، أنّ هذين المساعدين، ليسا متواطئيْن في قرار قتل خاشقجي، وقد "خُدعا" بادعاء فريقهما أنّ خاشقجي غادر القنصلية وهو على قيد الحياة.
وأشارت إلى أنّ هذا الادعاء السعودي، يتناقض مع ما ورد في مقطع من التسجيل الصوتي الذي يوثّق مقتل خاشقجي، بحسب ما ذكر تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، بأنّ ماهر متعب، وهو مساعد مقرّب من ولي العهد، أمر مسؤولاً سعودياً عبر الهاتف قائلاً له "أخبر رئيسك بأنّ المهمة قد أُنجزت".
وذكّرت بأنّ "نيويورك تايمز"، أوردت أنّ مسؤولي الاستخبارات الأميركية يعتقدون أنّ كلمة "رئيسك" تقصد "بالتأكيد الأمير محمد".
وتابعت "واشنطن بوست" الإضاءة على تناقضات الرواية السعودية بشأن مقتل خاشقجي، مشيرة إلى أنّ خبيراً في الطب الشرعي متخصصاً في التشريح كان ضمن الفريق السعودي، وقال الأتراك إنّه وصل مع منشار للعظام لتقطيع جسد خاشقجي، "بينما يريد السعوديون من كل الناس أن يصدّقوا بأنّ هذا الاختصاصي تم تجنيده فقط لطمس أي دليل على الاختطاف، وأنّ المسؤولين في الرياض لم يكونوا على علم بشأنه".
تحقيق دولي مستقل بقيادة الأمم المتحدة
وخلصت "واشنطن بوست" إلى أنّ "سلسلة الأكاذيب الواضحة للغاية"، تؤكد فقط على الحاجة إلى تحقيق دولي مستقل بقيادة الأمم المتحدة، وفق ما دعا وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، هذا الأسبوع.
وقالت إنّ إدارة ترامب، وبدلاً من ذلك، "تساعد في التغطية السعودية"، لافتة في هذا الإطار، إلى أنّ العقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن، بحق 17 شخصاً سعودياً متورطين في القضية، لا تشمل حتى عسيري، المسؤول الذي تقول الرياض إنّه أمر بعملية خاشقجي.
وشدّدت على أنّه "يجب على الكونغرس ألا يسمح باستمرار تزييف العدالة"، مطالبة إياه بـ"وقف جميع المبيعات العسكرية والتعاون مع السعودية، حتى إنجاز تحقيق دولي موثوق به في مقتل خاشقجي".
واعتبرت "واشنطن بوست" أنّ "التغطية السعودية على مقتل خاشقجي هي مجرد مثال آخر على سلوك محمد بن سلمان المتغطرس والمتهور"، خاتمة افتتاحيتها بالقول "يجب تسمية القتلة الحقيقيين لجمال خاشقجي ومعاقبتهم".