وكان غريفيث قد أعلن، خلال زيارته الحديدة يوم الجمعة الماضي، أنه اتفق مع الحوثيين في صنعاء "على أن الأمم المتحدة يجب أن تنخرط الآن، وبشكل عاجل، في مفاوضات تفصيلية مع الأطراف للقيام بدور رئيسي في ميناء الحديدة، وكذلك على نطاق أوسع". وأضاف "مثل هذا الدور سيحافظ على خط الإمداد الإنساني الرئيسي" الذي يبدأ من المدينة، ويصل إلى غالبية مناطق شمالي ووسط البلاد. وفي الوقت الذي لم يكشف فيه غريفيث تفاصيل حول طبيعة الاتفاق، جاء الإعلان بعد يوم من إشارة خجولة من قبل الحوثيين إلى مبادرتهم السابقة، التي أعلنتها الجماعة منذ أشهر، وتشمل القبول بتولّي الأمم المتحدة دوراً رقابياً وإدارياً في ميناء الحديدة. وقال المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، إن زعيم جماعة "أنصار الله"، عبد الملك الحوثي، وخلال اللقاء مع المبعوث الأممي، يوم الخميس الماضي، أشار إلى "ما سبق أن قدمناه من مبادرات إيجابية وخطوات عملية باتجاه دعم الحل السياسي"، بما في ذلك ما يتعلق بمحافظة الحديدة.
في المقابل، أفادت مصادر سياسية قريبة من الحكومة الشرعية، لـ"العربي الجديد"، بأنه وكما بُلّغ الجانب الحكومي من قبل دبلوماسيين دوليين، فإن عرض الحوثيين، في ما يتعلق بميناء الحديدة، لم يعد محصوراً في الرقابة والإشراف الأمميين، بل أصبح يشمل الانسحاب من الميناء، إلا أن الحكومة، ومثلها التحالف، يطالبان بأن يشمل أي انسحاب مدينة الحديدة وليس الميناء فقط، خصوصاً عقب التقدّم الذي حققته القوات الحكومية، المدعومة من التحالف، خلال الأشهر الأخيرة. من زاوية أخرى، يعيد إعلان غريفيث توجيه الأنظار إلى سلسلة من التفاصيل المرتبطة بالحراك السياسي حول الميناء، إذ طالب التحالف السعودي الإماراتي في مارس/ آذار عام 2017، الأمم المتحدة بالإشراف على ميناء الحديدة، وهو ما ردّت عليه المنظمة الدولية بالتحفظ واعتبار أن المقترح ليس من اختصاصها كوسيط، وأن الحفاظ على خطوط الإمدادات الإنسانية مسؤولية على جميع الأطراف تحملها. وفي المرحلة الثانية، بدأت الأمم المتحدة خطوات عملية، بالإعلان عن مبادرة بشأن الحديدة، من قبل المبعوث الأممي السابق، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، منتصف عام 2017، وتشمل تسليم إدارة ميناء الحديدة إلى طرف ثالث، ضمن آلية تشمل خطة اقتصادية، من شأنها حل أزمة مرتبات الموظفين الحكوميين المنقطعة منذ أكثر من عامين، وهي المبادرة التي واجهها الحوثيون بالرفض. وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، حققت القوات الحكومية، المدعومة من التحالف بواجهته الإماراتية، أول اختراق في الحديدة بالتقدم إلى مدينة الخوخة، من جنوب الساحل الغربي، القريب من المخا غرب تعز، وتلت ذلك معارك عنيفة، بوتيرة متقطعة، اشتدت منذ يونيو/ حزيران الماضي، مع بدء القوات الحكومية عمليات واسعة أدت إلى وصولها إلى أطراف المدينة الجنوبية والشرقية.
وبسبب الأهمية الاستراتيجية لمدينة الحديدة، فقد تحوّلت الحرب بشأنها إلى معركة مصيرية، دعم فيها التحالف تشكيلات عسكرية متعددة لخوضها، وفي المقابل، حشد الحوثيون القدرات العسكرية كافة ووجّهوا التحشيد العسكري والتعبئة منذ شهور نحو الحديدة، باعتبارها "المعركة المصيرية"، التي إذا خسرتها الجماعة، فإنها ستفقد إحدى أبرز نقاط قوتها، سواء كنتيجة للأهمية التي يمثلها الميناء أو مناطق الساحل الغربي عموماً. كل ذلك، جعل منها معركة مكلفة وصعبة على مختلف الأطراف، بما فيها المدنيون. وفي مقابل المسار العسكري، فإن الحديدة تحوّلت أيضاً إلى محور للحراك الدبلوماسي الدولي الهادف إلى فرض وقف إطلاق نار والعودة إلى طاولة المفاوضات السياسية، بما يجنّب قطع الشريان اليمني الذي تصل عبره غالبية المساعدات والواردات، بما فيها الغذاء والوقود. ونجحت جهود الأمم المتحدة، التي قادها مارتن غريفيث، مشمولاً بدعم بريطاني أميركي قوي، في فرض تهدئة أواخر يونيو/ حزيران الماضي. كذلك عقد مجلس الأمن، بطلب بريطاني، العديد من الجلسات، لمناقشة المستجدات في اليمن، والحديدة بشكل خاص، الأمر الذي كان عاملاً حاسماً في وقف المعارك أكثر من مرة، وآخرها الموجة الأشرس من المواجهات، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، التي جعلت المعركة أقرب إلى الميناء من أي وقت مضى.
ومع إعلان غريفيث، من الحديدة، عن أن المنظمة الدولية ستشرع بمفاوضات لتولّي دور أساسي في ميناء الحديدة، تُثار التساؤلات حول مدى قدرة التحالف السعودي الإماراتي ومعه الحكومة اليمنية على القبول بهذا الدور، كنتيجة للمعركة الدائرة منذ شهور، بالإضافة إلى التساؤلات حول مدى التنازلات التي يمكن أن يقدّمها الحوثيون، على غرار الموافقة على الانسحاب من الحديدة، مقابل ضمان أن يبقى الميناء تحت إشراف الأمم المتحدة، وغيرها من السيناريوهات والتساؤلات التي ستجيب عنها تطوّرات الأيام والأسابيع المقبلة، إذ من المقرر أن تدشن خلالها الأمم المتحدة جولة المفاوضات الجديدة في السويد.