خلّف الخطاب السياسي المنقول عن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، والذي ألقي الأربعاء الماضي في مؤتمر الولاة (حكام الولايات)، جدلاً سياسياً حاداً في البلد، خصوصاً بالنظر إلى توقيته السياسي والسياق الذي جاء فيه، قبل شهرين من استدعاء الهيئة الناخبة للانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل/ نيسان المقبل، وقد وصفه مراقبون سياسيون بأنه خطاب حرب موجه ضد جماعات في السلطة والمعارضة وتحذير من انقلاب.
ولم تطمئن رسالة بوتفليقة الأخيرة، والتي ألقاها نيابة عنه الأمين العام لرئاسة الجمهورية حبة العقبي، الرأي العام في الجزائر، فهو لم يقدم جردة حساب إيجابية عن منجزاته خلال أربع ولايات من حكمه تمتد منذ العام 1999، بقدر ما أثارت المخاوف بسبب طبيعة اللغة الحادة التي تضمنها الخطاب، وجملة الاتهامات التي وجهها بوتفليقة إلى أكثر من طرف، في السلطة والمعارضة. وبرزت في الخطاب، والذي وصف بالناري ونسب إلى الرئيس، رسالة حادة إلى دوائر سياسية وعسكرية مقربة من الحكم، أصدرت أخيراً مواقف متذبذبة حيال بوتفليقة ومشروع الولاية الرئاسية الخامسة، واستشعرت من خلالها الرئاسة وجود تحركات وطرح سيناريوهات محتملة لما بعد بوتفليقة، وذلك على خلفية تجدد الدعوات من سياسيين للجيش بالتدخل لإنقاذ البلاد. ووجه بوتفليقة تحذيرات من حدوث انقلاب أو "المساس باستقرار مؤسسات الدولة والمساس بالدستور وبركن من أركان هذا البيت الحصين الذي يجمعنا ويؤمننا من كيد الكائدين".
ويشير موقف بوتفليقة من "الكارتل" المالي، الذي شكل لعقدين من الزمن الداعم الأول لخياراته الاقتصادية والحزام المالي الذي كان يمول كل حملاته الدعائية، إلى انزعاج محيط الرئيس الجزائري من حدوث تقارب بين عدد من أبرز رجال الأعمال الفاعلين في البلاد مع رئيس الحكومة، أحمد أويحيى، الذي يطمح لخلافة بوتفليقة، فيما يسعى مقربون من الرئيس، وأبرزهم وزير العدل الطيب لوح، إلى قطع الطريق على أويحيى، وكان قد دخل في حرب تصريحات معه قبل أسبوعين، برغم وجودهما في حكومة واحدة. على صعيد ثالث، لم يخطئ بوتفليقة في الرمي باتجاه المعارضة السياسية التي تتمسك، في مجمل مواقفها ومبادراتها السياسية، بالاعتراض على مشروع الولاية الرئاسية الخامسة، وتطالب بتغيير وجوه الحكم وتنتقد حصيلة حكمه. وقال إن "البعض يختزل رهانات الحاضر والمستقبل في تغير وتعاقب الوجوه والأشخاص، وهم يروجون لهذا التوجه لحاجة في نفس يعقوب. إن المغامرين، الذين يسوقون لثقافة النسيان والنكران والجحود، لا يمكن أن يكونوا أبداً سواعد بناء وتشييد، فهم يخفون وراء ظهورهم معاول الهدم التي يسعون لاستخدامها من أجل الزج بالبلاد نحو المجهول". واعتبر أن مواقف المعارضة "مناورات سياسية تُلحظ مع اقتراب كل محطة حاسمة من مسيرة الشعب الجزائري دليل واضح يفضح هذه النوايا المبيتة، التي سرعان ما تختفي بعد أن يُخيب الشعب الأبي سعيها".
ودفع الخطاب الأخير لبوتفليقة فاعلاً سياسياً كرئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، إلى تفسيره باتجاه التأكيد على وجود "صراعات داخل النظام السياسي، وانغلاق الأفق نحو الانتخابات الرئاسية في 2019، إذ لا يبدو أن ثمة عهدة خامسة، كما أشرنا إلى ذلك، فلا القوى الموالية قادرة على التوافق على مرشح واحد ولا المعارضة باستطاعتها الدخول في المنافسة الانتخابية في ظل هذا الغموض وغياب الضمانات". وتبدو الأوضاع في الشارع السياسي هادئة مع حالة من الترقب، لكنها لا تبدو كذلك في أعلى هرم السلطة، إذ تلقي خطابات بوتفليقة والسياسيين الموالين له مزيداً من الغموض على المشهد الجزائري المستعصي على الفهم، قبل نحو خمسة أشهر من الاستحقاق الرئاسي.