ووقّع العراق وأميركا في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 اتفاقية الإطار الاستراتيجي للدفاع المشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار في العراق. ونصّ القسم الثالث من الاتفاقية، على أنها "جاءت لردع جميع التهديدات الموجهة ضد سيادة العراق وأمنه وسلامة أراضيه، من خلال تنمية الترتيبات الدفاعية والأمنية". كما ألزمت الاتفاقية الطرفين بالتعاون في مجالي الأمن والدفاع، بشكل يحفظ للعراق سيادته على أرضه ومياهه وأجوائه. وبموجب الاتفاقية: "يواصل الطرفان العمل على تنمية علاقات التعاون الوثيق بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية، من دون الإجحاف بسيادة العراق على أراضيه ومياهه وأجوائه". كما تنص الاتفاقية على أنه "يتم هذا التعاون في مجالي الأمن والدفاع وفقاً للاتفاق بين الولايات المتحدة وجمهورية العراق بشأن انسحاب قوات الولايات المتحدة من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه".
وتحدد الاتفاقية بموجب القسم الحادي عشر منها وتحت عنوان "أحكام ختامية" آليات تعديل أو إلغاء الاتفاقية. ووفقاً لنصها المنشور على موقع الأمانة العامة لمجلس الوزراء: "تظل هذه الاتفاقية سارية المفعول ما لم يقدّم أي من الطرفين إخطاراً خطياً للطرف الآخر بنيته على إنهاء العمل بهذه الاتفاقية. ويسري مفعول الإنهاء بعد عام واحد من تاريخ مثل هذا الإخطار". كما تشير إلى أنه " يجوز تعديل هذه الاتفاقية بموافقة الطرفين خطياً ووفق الإجراءات الدستورية النافذة في البلدين".
ووفقاً لما أكده مصدر برلماني مطلع في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، فإنه "يوجد نية لدى بعض النواب لطرح مقترحات بشأن الإنهاء التدريجي للاتفاقية الموقعة بين بغداد وواشنطن قبل عشر سنوات"، لافتاً إلى أن "هذا الموقف بدا واضحاً من خلال التصريحات التي يطلقها نواب (الفتح) تجاه الأميركيين". وهذا ما أكده عضو البرلمان عن تحالف الفتح، محمد كريم، الذي قال لـ "العربي الجديد" إن "نواب تحالفه لن يسمحوا للأميركيين بانتهاك السيادة العراقية ضمن إطار هذه الاتفاقية"، موضحاً أن "العراق لا يمكن أن يرتضي لنفسه بأن يسير في الركب الأميركي". ورأى أن "البرلمان هو السلطة المخوّلة باتخاذ القرار المناسب تجاه التدخلات الأميركية في العراق"، لافتاً إلى أن "العراقيين لا يخشون المواجهة مع الأميركيين".
لكن النائب السابق، نديم الجابري المتخصص في العلاقات الدولية والذي كان عضواً في لجنة كتابة الدستور العراقي عام 2005، اعتبر أن "اتفاقية الإطار الاستراتيجي ما تزال ملزمة للعراق، على الرغم من عدم استفادته منها". وأوضح في حديث مع "العربي الجديد" أن "إلغاء الاتفاقية أمر صعب جداً في الوقت الحاضر". ولفت إلى أنه "حتى المناوئين للاتفاقية يعلمون جيداً مدى ثقل وقوة الأميركيين في العراق والمنطقة"، مؤكداً أن "التفكير بإلغائها من قبل أحد الطرفين، سواء كان العراق أم أميركا، يتطلب إخطاراً خطياً سابقاً للإلغاء". وأوضح أن "تعديل الاتفاقية يجب أن يحظى برضا الطرفين"، مبيناً أن "تصريحات بعض النواب العراقيين بشأن الإلغاء او التعديل لا قيمة لها، ما لم تكن مصحوبة بإجراءات دستورية وقانونية، وفقاً للسياقات المعمول بها في الاتفاقات الدولية". وأشار إلى أن "إلغاء الاتفاقية في حال تم بالفعل، فإن له تبعات سياسية ومالية كبيرة على العراق، كونها تعد ورقة قانونية يمكن لبغداد التلويح بها في حال تعرضت لأية ضغوط سياسية أو اقتصادية".
بدوره، رأى أستاذ الاستراتيجية في جامعة النهرين، علي البدري، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يمكن إلغاء الاتفاقية الأمنية الموقعة بين بغداد وواشنطن قبل عشر سنوات، من دون إصدار قانون من مجلس النواب"، معتبراً أن "إلغاء اتفاقية استراتيجية مهمة مع دولة عظمى مثل أميركا لن يكون سهلاً، ولن يمر من دون تبعات".
ووفقاً للبدري "التوقيع على اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق وأميركا عام 2008، حظي في ذلك الحين بموافقة الرئاسات الثلاث (رئاسة البرلمان، ورئاسة الوزراء، ورئاسة الجمهورية)"، موضحاً أن "الاتفاقية بقيت سارية طيلة السنوات الماضية". وأكد أن "الغاءها لا يمكن أن يكون مبنياً على انفعالات وميول نواب وكتل سياسية"، مشيراً إلى أن "هذا الأمر ينبغي أن يُدرس جيداً، ويحظى بموافقة جميع الأطراف المؤثرة، لأن التبعات السلبية لذلك، إن حدثت، فستشمل الجميع". ودعا إلى أن "يكون القرار بهذا الخصوص عراقياً خالصاً، لأن إلغاء الاتفاقية من دون دراسة قد يدفع العراق للانحياز باتجاه المعسكر الإيراني، على حساب أميركا حليفة العراق في حربه على تنظيم داعش الإرهابي".
من جهته، اعتبر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، عباس صروط، أن "وجود اتفاقية أمنية بين العراق وأميركا لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يمنح القوات الأميركية حق التواجد والتصرف على الحدود العراقية ــ السورية"، مشيراً في حديث لـ "العربي الجديد" إلى أن "الاتفاقية الموقّعة عام 2008، تضمنت الإبقاء على جزء من القوات الأميركية من أجل التوجيه والتدريب للجيش العراقي، وليس للقيام بمهمات قتالية".
واعتبر أن "البرلمان يبحث في مدى دقة المعلومات التي تتحدث عن قيام القوات الأميركية بزيادة عدد عناصرها في العراق"، مؤكداً أن "السلطة التشريعية ستتخذ القرار المناسب بهذا الشأن". وأوضح أن "القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، هو الذي يمتلك حق تقدير مدى ملاءمة الانتشار الأميركي في العراق مع اتفاقية الإطار الاستراتيجي"، مشيراً إلى أن "السلطات العراقية لا يمكن أن تسمح بانتهاك السيادة تحت مسمى هذه الاتفاقية".
وأكد النائب عن تحالف البناء وليد السهلاني، في وقت سابق أن "مجلس النواب سيعمل على تغيير عدد من بنود الاتفاقية الاستراتيجية المبرمة بين العراق والولايات المتحدة"، موضحاً أن "السلطة التشريعية ستقوم بمحاسبة الشخصيات الحكومية التي لم تقدم شيئاً ملموساً على أرض الواقع بالتزامها بهذه الاتفاقية". وأشار إلى أن "المرحلة المقبلة ستشهد محاولات لإلغاء الاتفاقية"، لافتاً إلى "وجود رغبة عراقية للانفتاح باتجاه دول اخرى فيما يتعلق بعقد الاتفاقيات العسكرية، وتجهيز السلاح من مصادر متعددة".