وساد الهدوء المشوب بالحذر في مدينة الحديدة الاستراتيجية، أمس الأربعاء، بعد اشتباكات بين الحوثيين والقوات اليمنية الشرعية، ليل أول من أمس. وقال سكان في الحديدة إن عمليات قصف وقعت في وقت متأخر الثلاثاء، وهو اليوم الأول للهدنة، استمرت لما يقرب من ساعة في الضواحي الشرقية والجنوبية للمدينة المطلة على البحر الأحمر والخاضعة لسيطرة الحوثيين. وأكدت مصادر محلية في الحديدة، لـ"العربي الجديد"، أن العمليات العسكرية تراجعت إلى حد كبير على أطراف المدينة، التي كانت ساحة مواجهات بين قوات الشرعية المدعومة من التحالف وبين مسلحي الحوثيين، مع تسجيل تبادل متقطع لإطلاق النار من الرشاشات المتوسطة وقذائف المدفعية، فضلاً عن التحليق المتقطع للمقاتلات السعودية والإماراتية في أجواء المدينة، من دون شن غارات.
ووفقاً لمصادر حكومية قريبة من الوفد المفاوض فإن مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، يتابع بصورة مستمرة مع الطرفين تنفيذ الاتفاق، في وقت أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن رئيس لجنة مراقبة الهدنة، الهولندي باتريك كاميرت، عقد اجتماعاً عبر الفيديو كونفرانس للجنة المراقبة المؤلفة من ثلاثة أعضاء من الحكومة ومثلهم من الحوثيين. وأعلن الحوثيون أسماء ممثليهم في لجنة التنسيق المشتركة بالحديدة، وهم نائب رئيس الأركان العامة التابعة للجماعة، اللواء علي الموشكي، وقائدان آخران، هما العميد علي سعيد الرزامي والعميد منصور أحمد السعادي. كما أعلن الوفد الحكومي ثلاثة أسماء، تعود لنائب رئيس هيئة الأركان العامة، اللواء صغير عزيز، ونائب رئيس جهاز الأمن القومي (أحد فرعي الاستخبارات) المعين من الشرعية، اللواء محمد مصلح عيضة، والقائد في قوات ما يعرف بـ"المقاومة التهامية"، العميد أحمد علي الكوكباني.
وبالتزامن مع مرور أسبوع على اختتام مشاورات السويد، التي كان اتفاق الحديدة أبرز مخرجاتها، بدا واضحاً أن العامل الدولي القوي، حافظ على "فرض" الهدنة، إذ أعقب الاتفاق مواجهات متقطعة استمرت لأيام على أطراف الحديدة، قبل أن تضطر الأمم المتحدة، إلى تحديد موعد لبدء الهدنة وهو فجر الثلاثاء الماضي. وأعلن الطرفان بالتزامن، امتثالهما للهدنة بموجب اتفاق استوكهولم. يشار إلى أن لدى الطرفين تفسيرات متناقضة للاتفاق، إذ يرى الحوثيون أنه سيؤدي إلى انسحاب ما يصفونه بـ"القوات الغازية"، في إشارة إلى قوات الشرعية والتحالف، فيما تقول الأخيرة إن الحوثيين يجب أن ينسحبوا من الحديدة بناءً على الاتفاق. ويبدو أن هذا التباين في تفسير الاتفاق يقف خلف تبادل التحالف و"أنصار الله" الاتهامات بخرق الهدنة. وحذّر التحالف العسكري، بقيادة السعودية، أمس الأربعاء، من احتمال انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة في حال تأخرت الأمم المتحدة في التدخل للإشراف على الهدنة والعمل على وقف "خروقات" الحوثيين. وقال مصدر في التحالف، لوكالة "فرانس برس"، إن الحوثيين خرقوا الاتفاق في 21 مناسبة منذ بدء سريانه، معتبراً أن "هناك مؤشرات على الأرض بأنهم اختاروا أن يتجاهلوا الاتفاق". واعتبر أن القوات الشرعية "ترد للدفاع عن نفسها عند الضرورة وحين تحصل على موافقة بذلك"، مضيفاً "سنواصل ضبط النفس في هذه المرحلة لكن المؤشرات الأولية غير مطمئنة". وحذّر من أن الاتفاق قد "يفشل" بسبب هذه الخروقات وفي حال تأخرت بعثة الأمم المتحدة في بدء عملها على الأرض. وقال "في حال استلزم الأمم المتحدة وقت طويل للدخول إلى مسرح (العمليات) فإنها ستفقد هذه الفرصة وسيفشل الاتفاق"، داعياً إياها "لمواصلة الحوار والضغط على قادة الحوثيين خلال هذه المرحلة".
من جهتهم، اتهم الحوثيون القوات التابعة للشرعية بخرق اتفاق الهدنة. ونقلت وكالة "سبأ"، التابعة إلى "أنصار الله"، عن مصدر عسكري قوله إن القوات قصفت "أحياء سكنية" في مديريات عدة في محافظة الحديدة، وأطلقت "صواريخ موجهة وقذائف مدفعية وقذائف الهاون" على أهداف داخل مدينة الحديدة، مشيراً إلى "مقتل مواطن وجرح سبعة باستهداف المرتزقة للأحياء السكنية في شارع الخمسين بمديرية الحالي في محافظة الحديدة". ورغم هذه التحذيرات، قال مصدر في الأمم المتحدة إن الاتفاق "متماسك"، مضيفاً "نثق في نية الطرفين الالتزام بوقف إطلاق النار والعمل على إعادة الانتشار". وكان مصدر في الأمم المتحدة أعلن، أول من أمس، أن "لجنة تنسيق إعادة الانتشار" المؤلفة من ممثلين عن طرفي النزاع اليمني، ستبدأ عملها في مراقبة وقف إطلاق النار في الحديدة خلال 24 ساعة.
إلى ذلك، أعلن التحالف، في بيان بثّته قناة "الإخبارية" الحكومية السعودية، أنّه دمّر في مطار العاصمة صنعاء "طائرة من دون طيار ومنصة الإطلاق"، مشيراً إلى "تدمير الطائرة في مرحلة الإعداد لإطلاقها، وتحييد هجوم إرهابي وشيك".
وفشل الطرفان خلال محادثات السويد في الاتفاق على إعادة فتح مطار صنعاء الذي يتحكم التحالف بالحركة فيه ويسمح فقط لطائرات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بأن تحط فيه وتقلع منه. وقال التحالف في بيانه "المليشيا الحوثية الإرهابية تستخدم مطار صنعاء كثكنة عسكرية في مخالفة للقانون الدولي الإنساني". ووافق الطرفان الأسبوع الماضي أيضاً على عملية لتبادل الأسرى. وقال مسؤول في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف، أمس الأربعاء، إن الطرفين تبادلا قوائم تتضمن إجمالي 16 ألف اسم لأشخاص يعتقد أنهم محتجزون. وقال المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فابريزيو كاربوني، إنه سيكون أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر عشرة أيام لمقابلة من يتم الإفراج عنهم وترتيب نقلهم. وتوقع أن تتضمن القوائم أسماء أشخاص معتقلين خارج اليمن وبعض الأجانب المحتجزين في البلاد.