تصادم ترامب مع الحليف وتقرّب أحياناً من المعزول وأحياناً أخرى من المنبوذ؛ إذ بنى خياراته عموماً وفق حساباته السياسية الضيقة وإلهاماته، بدلاً من التعويل على نصائح معاونيه ومستشاريه المختصين، فجاءت القرارات الداخلية والخارجية، فجّة وعشوائية، ما تسبب بانفضاض العديد من المقربين عنه، خصوصاً في الكونغرس بما في ذلك من حلفائه الجمهوريين. وفي النهاية، ختم السنة بتراجع آخر مفاجئ عن اتفاق حول المتبقي من موازنة السنة المالية، فكان أن دخلت واشنطن في عطلة عيدَي الميلاد ورأس السنة وهي في حالة شلل فيدرالي؛ فقد أُجبر عدد كبير من الدوائر الحكومية الفيدرالية (حوالي 800 ألف موظف) على الإقفال عملياً وحتى إشعار آخر، بسبب وقف دفع الرواتب لموظفيها، بعدما حال الخلاف الحاد بين الرئيس والكونغرس حول تمويل بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، دون إقرار الشريحة الأخيرة من الموازنة، ما أدى إلى توقّف الخزينة عن صرف الأجور والمستحقات للدوائر الرسمية التي شملها الإغلاق، ابتداءً من 22 ديسمبر/كانون الأوّل الجاري، في حين أنه من المتوقّع أن يستمرّ التعطيل لما بعد بداية العام المقبل.
لكن على الرغم من هذه النهاية وما أدّت إليه، قد تبدو 2018 نزهة مقارنة بالسنة المقبلة؛ فما تخلل السنة الحالية ليس من غير مقدمات للآتي الأقسى والأخطر على الأرجح، في 2019، التي سيدخلها ترامب وهو متعثّر ومطوّق من الجهات كلها. فإدارته متصدعة، ووزارات أساسية تعمل بلا وزير أصيل، ومواقع رئيسية يجري تسييرها بالوكالة، لتأتي أخيراً إقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس أو بالأحرى طرده، لتزيد من درجة التصدّع، بعدما أثارت حملة واسعة ضد الرئيس. ويأتي ذلك في وقت يرجّح أن يلحق وزير المالية ستيف منوشين، بالقافلة، بعد أن بدأ ترامب يعرب عن تأففه من أدائه في أعقاب الهبوط الكبير في البورصة خلال الأيام القليلة الماضية.
ووسط كل ذلك، على الرئيس في 2019 التعامل مع كونغرس آخر مشاكس، خلافاً لما كانت عليه الحال في السنتين الماضيتين؛ فمجلس النواب الذي يمسك به خصومه الديمقراطيون، يعتزم ليس فقط معاكسة أجندة ترامب التشريعية، بل أيضاً إعادة فتح دفاتر التحقيقات المالية والقانونية المتعلقة بإمبراطورية أعماله، والتي يتمتع مجلس النواب بصلاحيات واسعة بشأنها كما بشأن غيرها من القضايا والمخالفات المفتوحة ضدّ الرئيس.
لكن يبقى الأهم والأخطر في 2019، أنه عام الحسم في التحقيقات الروسية؛ فتقرير المحقق روبرت مولر أصبح صدوره قريباً، والأحكام والإدانات القضائية التي صدرت أو على وشك الصدور في هذا الملف، تنذر بهزات قادمة. وتحسباً لذلك، رفع ترامب من وتيرة لغته وخطواته الصدامية، وقد بدأ بمخاطبة قاعدته السياسية لضمان التفافها حوله في المعركة القريبة الفاصلة، خصوصاً إذا ما وصلت القضية إلى الكونغرس، أو إذا اختار هذا الأخير طريق المواجهة مع الرئيس من خارج تقرير مولر أو قبل صدوره، كما تلمح بعض أوساط مجلس النواب.
وربما يندرج في هذا السياق موضوع الجدار الحدودي كمادة استنفار سياسي، وكذلك قضية الإغلاق الحكومي، فكلاهما مفتعل وموظّف لأغراض تتعلّق باستحقاقات السنة المقبلة. من هنا تأتي احتمالات إطالة الأزمة والتمادي في تعقيدها؛ فلا الرئيس في وارد تقديم تنازلات في المدى القريب، لتحقيق تسوية، ولا خصومه الديمقراطيون في الكونغرس كذلك، فيما جرى تجهيز المسرح لمنازلة، كل لحساباته وأولوياته بانتظار من يصرخ أولاً. وإذا كانت التسويات قد تعذّر بلوغها في 2018، فإنها مرشحة لتصبح مستعصية في 2019؛ فهو عام مولر وفي الوقت ذاته عام فتح معركة الرئاسة لسنة 2020.