في سيناريو يتكرّر بعد كل اعتداء إرهابي في مصر، سارعت السلطات المصرية بعد ساعات من التفجير الذي استهدف حافلة سياحية بالقرب من أهرامات الجيزة، مساء الجمعة، والذي أودى بحياة ثلاثة سائحين فيتناميين ومرشد سياحي مصري، إلى الإعلان عن تصفية 40 مواطناً إثر مداهمة ثلاثة أوكار للمسلحين في محافظتي الجيزة وشمال سيناء، بدعوى حدوث تبادل لإطلاق النار بين الضحايا وقوات الأمن. لكن الرواية المصرية المتكررة بشأن تصفية من تصفهم بـ"الإرهابيين" بعد وقت قصير من اعتداء الجمعة، والذي يعد الأول الذي يستهدف السياح الأجانب في مصر منذ يوليو/ تموز 2017، سرعان ما قوبلت بتشكيك كبير، أخذاً بعين الاعتبار النمط الذي تعتمده الأجهزة المصرية وعمليات التوثيق التي تقوم بها منظمات حقوقية غير حكومية للضحايا.
واعتادت الشرطة المصرية، خلال سنوات ما بعد الانقلاب العسكري (2013)، توصيف عمليات التصفية الجسدية للمعارضين بأنها "تتم في إطار تبادل إطلاق النيران"، في حين تؤكد منظمات حقوقية غير حكومية أن "أغلب هؤلاء الضحايا من المختفين قسرياً، الذين تحتجزهم قوات الأمن داخل مقارها بشكل غير قانوني، وتقتل البعض منهم في أعقاب وقوع أي عمل إرهابي، بحجة أنهم من المتورطين في ارتكابه".
وسبق أن وثقت المنظمة العربية لحقوق الإنسان (مؤسسة حقوقية دولية) 157 حالة تصفية جسدية لمواطنين مصريين خارج إطار القانون، خلال الفترة من يوليو/ تموز 2013 وحتى يوليو/ تموز 2017، بحجة تورطهم في مواجهات مع قوات الأمن، فيما وثق مركز "دفتر أحوال" البحثي 21 واقعة تصفية جسدية من قبل قوات الأمن النظامية، أسفرت عن مقتل 45 مصرياً، وفقاً لرصد شمل المحافظات كافة عدا محافظتي شمال سيناء وجنوبها.
وفي السياق، فندت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية ادعاءات الأمن المصري، مؤكدة صحة ما نشره "العربي الجديد" سابقاً، حول تفاصيل الصور المرفقة مع بيانات وزارة الداخلية المصرية في شأن تصفية العشرات عقب أي حادث إرهابي يطاول البلاد، وكون الصور تظهر بوضوح قتلهم من مسافات قريبة بطلقات مباشرة في الرأس والصدر، علاوة على عدم إعلان إصابة أي فرد من الشرطة خلال مداهمات الأمن على مدار السنوات الخمس الأخيرة.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى زيف الرواية الأمنية، في تقرير لها، قائلة إن "وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية في مصر أرسلت إلى الصحافيين 31 صورة لجثث الضحايا، وقالت إنهم قتلوا في تبادل لإطلاق النار، على الرغم من أن الصور تظهر آثار رصاصتين في الرأس لبعض الجثث، وإصابة آخرين في الظهر، وبقاء أشياء سليمة تماماً إلى جوار الضحايا كزجاجات المياه، ما يؤكد أن ما حدث هو عملية للقتل العمد".
وكانت الداخلية المصرية قد ادّعت في بيانها أنه "توفرت معلومات لدى قطاع الأمن الوطني بالوزارة، حول قيام مجموعة من العناصر الإرهابية بالإعداد والتخطيط لتنفيذ سلسلة من العمليات العدائية التي تستهدف مؤسسات الدولة، وتحديداً الاقتصادية منها، والمتعلقة بصناعة السياحة، فضلاً عن دور العبادة المسيحية، وأفراد القوات المسلحة والشرطة". وذكر البيان الأمني أن "الوزارة وجهت ضربات أمنية عدة بناءً على هذه المعلومات، وداهمت أوكار تلك العناصر التي تسعى لتصعيد مخططاتها الرامية لزعزعة الاستقرار الأمني، ومحاولة النيل من مقدرات الوطن، في توقيت متزامن بنطاق محافظتي الجيزة وشمال سيناء، عقب استئذان نيابة أمن الدولة العليا".
وبحسب البيان "فقد أسفرت نتائج التعامل مع الأوكار عن مصرع 40 إرهابياً، من بينهم 14 بمنطقة مساكن أبو الوفا بالحي (11) دائرة مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، و16 إرهابياً بمنطقة مساكن أبناء الجيزة بطريق الواحات بمحافظة الجيزة، و10 آخرين بمنطقة مساكن ابني بيتك بمدينة العريش بمحافظة شمال سيناء".
في غضون ذلك، أوصت وزارة الخارجية الروسية الرعايا الروس الموجودين في مصر بتوخي الحذر، وتجنب زيارة المناطق ذات المخاطر الإرهابية، مؤكدة موقف موسكو الثابت بإدانة كل أنواع الأعمال الإرهابية، بشكل قاطع، بما فيها الأعمال الموجهة ضد السياح الأجانب، والتضامن مع إجراءات القيادة المصرية المتعلقة باستقرار الوضع في البلاد.
بدوره، أعرب نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، روبرت بالادينو، عن تعازي الولايات المتحدة لعائلات القتلى، قائلاً إن "بلاده تقف مع جميع المصريين في الحرب ضد الإرهاب، وتؤيد الحكومة المصرية في تقديم مرتكبي هذا الهجوم إلى العدالة"، وذلك بالتزامن مع مناشدة السفارة الأميركية بالقاهرة مواطنيها بـ"الابتعاد عن منطقة التفجيرات التي وقعت في محافظة الجيزة".
وجاء الاعتداء الذي استهدف الحافلة السياحية في وقت يشهد فيه قطاع السياحة، المصدر الحيوي للعملة الأجنبية، تعافياً نسبياً بعد تراجع حاد في أعداد الزائرين خلال السنوات الماضية، وهو ما استدعى السلطات المصرية إلى فرض مزيد من التشديدات الأمنية في القاهرة والمحافظات الأخرى قبيل احتفالات أعياد الميلاد، في وقت برزت تحذيرات روسية وأميركية لرعاياهما.