رابع أيام المشاورات اليمنية: كسر جليد وتفاؤل حذر

10 ديسمبر 2018
تأجّلت عملية تبادل كشوفات الأسرى إلى الإثنين (محمد حمود/الأناضول)
+ الخط -

كسر اليوم الرابع من المشاورات اليمنية في مدينة ريمبو شمالي العاصمة السويدية استوكهولم، أمس الأحد، الجليد بين وفد الحكومة اليمنية ووفد جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، عبر عقدهما اجتماعاً مباشراً بينهما، خصص لملفات الأسرى، وذلك بعد أن كان الأمر يقتصر منذ الخميس الماضي، على قيام المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، بنقل الرسائل بين الطرفين. يأتي ذلك وسط تصاعد الضغط الدولي على الطرفين لتحقيق تقدم ما في المشاورات، إذ إن سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن اجتمعوا معهما، بهدف حثهما على الوصول إلى نقاط اتفاق مشتركة.

وتواصلت المشاورات اليمنية لليوم الرابع على التوالي، مع استمرار تمحورها في الملفات الإنسانية التي تدخل في إطار "بناء الثقة"، وتتصدرها قضية الأسرى والمعتقلين، التي أبرم الطرفان اتفاقاً حولها، قبل الذهاب إلى المفاوضات. غير أن التنفيذ الفعلي، يتطلب جدولاً زمنياً مفتوحاً على مفاجآت، إيجابية وسلبية، ما لم تحمل الأيام المقبلة اتفاقاً على خطوات عملية تؤمن "الأجواء الإيجابية" التي تتحدث عنها الأمم المتحدة خلال المشاورات. وأعلن الحوثيون أنهم مستعدون للمشاركة في جولة محادثات جديدة مع الحكومة، في حال إحراز تقدم في المشاورات الحالية في السويد. وقال المتحدث باسم جماعة "أنصار الله"، محمد عبد السلام، "إذا خرجنا من هذا التشاور بتقدم فإنه بالإمكان أن نعقد جولة جديدة من المشاورات".

والتقى ممثلون عن الحكومة اليمنية وآخرون عن جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في أول اجتماع مباشر بينهما، منذ الجلسة الافتتاحية التي جمعت الطرفين يوم الخميس الماضي. وتناول الاجتماع بحث قضية الأسرى والمعتقلين، بحضور ممثلين عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الوسيط الذي يخوله الاتفاق تنفيذ عملية تبادل الأسرى، وانتشال الجثث. وأكدت مصادر إعلامية مرافقة للمفاوضين، لـ"العربي الجديد"، أن الوفد الحكومي طرح خلال الاجتماعات إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين، بما في ذلك، تسليم جثمان الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح، الذي يرفض الحوثيون الكشف عن مكان دفنه، منذ مقتله في ديسمبر/ كانون الأول عام 2017، والإفراج عما تبقى من أقاربه المعتقلين في سجون الجماعة. وأثارت المطالبة بجثمان صالح تعليقات متباينة، إذ قال وزير الدولة لشؤون النواب والشورى، محمد مقبل الحميري، في تصريح أمس الأحد، على سبيل الانتقاد، "طالبوا بتسليم جثمان الوطن المقتول على أيدي المليشيات الحوثية التابعة للمشروع الفارسي، بدلاً من المطالبة بجثمان هذا أو ذاك من ضحاياهم، عندها فقط ستسلم كل الجثامين لأهلها وسيطلق سراح الأسرى وسينال كل شخص ما يستحق، وسيحيا الوطن من جديد بعد موت". وفي المقابل شكر الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي العام، سلطان البركاني، "وفد الشرعية إلى المشاورات على تمسككم بإعطاء الأولوية" لتبادل جثمان صالح. وقال، في تغريدة، "أنتم موضع تقدير كل المؤتمريين واليمنيين، ونتمنى على زملائنا المشاركين بالمشاورات أن يأخذوا نفس الموقف".


ويتصدر ملف الأسرى والمعتقلين المحادثات منذ انطلاقها، وسط تفاؤل حذرٍ بشأن المضي بتنفيذ اتفاق يقضي بإطلاق سراح جميع المعتقلين والأسرى من الطرفين، وفقاً للمضامين التي وقع عليها ممثلا الحكومة والحوثيين قبيل انطلاق مشاورات السويد. وجاءت الخطوة الثانية بتبادل كشوفات بالأسماء التي يطالب كل طرف الآخر بالإفراج عنها أو الكشف عن مصيرها، فيما يتعلق بالمخفيين قسرياً. وكان الاتفاق قد حدّد تبادل الكشوفات في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول الحالي، على أن تكون الخطوة المقبلة بعد أسبوعين، وتشمل رد كل طرف على الكشوفات التي تسلمها، ومن ثم الانتقال إلى المرحلة الثالثة، وهي بدء عملية التبادل عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر. غير أن نجاح الاتفاق والمضي إلى الخطوات التنفيذية، قد يرتبط بمخرجات مشاورات السويد المتوقع أن تستمر من أسبوع إلى عشرة أيام. وإذا خرجت من دون اتفاق حول القضايا الأخرى، فإن مرحلة التنفيذ الخاصة باتفاق الأسرى، تبقى مهددة. وأعلن عضو الفريق المفاوض عن الحوثيين، عبد القادر المرتضى، أن الوفد الحكومي طلب تأجيل تبادل كشوفات الأسرى إلى اليوم الإثنين. وقال "كنا جاهزين اليوم (أمس) لتبادل الكشوفات حسب الوقت المحدد والمتفق عليه"، إلا أن من وصفه بـ"وفد الرياض"، لم يكن جاهزاً وطلب "التأجيل إلى الغد (اليوم)". واعتبر المرتضى، الذي يترأس لجنة الأسرى من جانب الحوثيين على صفحته في "فيسبوك"، أن "اتفاق تبادل الأسرى محدد بآلية تنفيذية ونأمل من الأمم المتحدة إلزام الجميع بالتوقيت المحدد حتى لا يكون هناك مجال للتلاعب والتنصل والتأخير". لكن عضواً في وفد الحكومة المفاوض قال، في تصريح، إن الحكومة سلمت كشوفات بأسماء الأسرى والمعتقلين، لكنه أضاف "بما أن عملية السجن والاختطاف مستمرة من قبل الطرف الآخر فالكشوفات تحتاج إلى تحديث بشكل مستمر، وحالياً ندرس الآلية التنفيذية التي تحدّد مكان وموعد الإفراج، ولا نريد أن يبقى سجين واحد داخل السجون". وتابع "نحن في ملف الأسرى متجاوبون وإيجابيون وليس عندنا أي مانع لإطلاق الأسرى في هذه اللحظة، كون هذا الملف إنسانياً ويجب ألا يخضع للجانب السياسي". واعتبر أن "الحكومة ستفرج عن أسرى مقاتلين بينما الطرف الآخر سيفرج عن ضعفي عددهم من أناس مدنيين لا علاقة لهم بالحرب والقتال واختطفوا من بيوتهم".

إلى ذلك، شهدت مفاوضات استوكهولم، للمرة الأولى، اجتماعين منفصلين جمعا وفدي الحكومة اليمنية والحوثيين مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، من المعتمدين لدى اليمن، في إطار النشاط الدبلوماسي المكثف المرافق لانعقاد المشاورات، بهدف حث الطرفين على الوصول إلى نقاط اتفاق مشتركة، في ظل الاهتمام الدولي رفيع المستوى بالمشاورات. وأعلن عضو الوفد الحكومي المفاوض عسكر زعيل، في تصريحات صحافية، أعقبت الاجتماع بسفراء الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، أن الجانب الحكومي لمس إيجابية في الموقف الدولي بدعم الحكومة للمضي في السلام. من زاوية أخرى، يأتي ملف مطار صنعاء الدولي، من بين أهم عناوين المشاورات، إذ يطالب الحوثيون بإعادة فتحه، بعد إغلاقه من قبل التحالف، منذ 26 شهراً. وأبدى الجانب الحكومي موافقة مشروطة بالرحلات الداخلية التي تلزم الطائرات المدنية بالخضوع للتفتيش في مطاري عدن أو سيئون، وهو ما يرفضه الحوثيون. ويسعى الفريق الأممي، الذي يدير المفاوضات بقيادة مارتن غريفيث، للوصول إلى صيغة مقبولة تراعي مطالب الطرفين. وقال عضو وفد الحكومة المفاوض، علي عشال، في تصريح صحافي، إن "الحكومة قدّمت فكرة عملية، تتضمن فتح مطار صنعاء كمطار داخلي بحيث تتحرك الطائرات من صنعاء إلى عدن ومن ثم إلى دول العالم". واعتبر عشال، الذي يترأس لجنة مطار صنعاء من الجانب الحكومي، أن النقاشات ما تزال في إطار إجراءات "بناء الثقة" ولم ننتقل إلى المفاوضات المباشرة.

وتناولت مشاورات السويد، خلال الأيام الماضية، ملف مدينة تعز، التي تتهم الحكومة الحوثيين بحصارها منذ سنوات، عبر إغلاق غالبية المنافذ المؤدية إلى المدينة، في ظل المعارك المتقطعة على أطرافها. أما ملف الحديدة، فما يزال القضية الساخنة، التي قد تحدد مصير المشاورات بالنجاح أو الفشل، إذ يواصل الحوثيون التمسك بالعرض الذي قدموه بالسماح للأمم المتحدة بلعب دور في إدارة ميناء الحديدة، في مقابل رفض الحكومة الشرعية التنازل عن مطالبها بانسحاب كامل للحوثيين من الحديدة، المدينة والميناء، وتسليم الأخير للقوات الحكومية. ومن المتوقع احتدام النقاشات في الأيام القليلة المقبلة، لتحدد مصير جولة المشاورات المنعقدة في السويد، والتي توقعت مصادر في مكتب المبعوث الأممي أن تختتم أعمالها في 14 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، تمهيداً لجولة مقبلة، تدخل في النقاشات السياسية. ويقول مشاركون في المفاوضات إن الكويت قد تكون المكان المحدّد لانعقادها مطلع العام المقبل.

من جهة أخرى، أعلن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، أمس الأحد، أن الولايات المتحدة تريد الاستمرار  في دعم التحالف بقيادة السعودية في اليمن، وأنها ستواصل المشاركة في جهود التصدي للنفوذ الإيراني والتشدد الإسلامي هناك. وقال نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون منطقة الخليج، تيموثي ليندركينغ، "من الواضح أن هناك ضغوطاً من الداخل، إما بالانسحاب من الصراع أو وقف مساندتنا للتحالف، وهو ما نعارضه بشدة من جانب الإدارة" الأميركية. وأضاف، خلال منتدى أمني في الإمارات، "نعتقد حقاً أن دعم التحالف ضروري. إذا أوقفنا دعمنا فإن ذلك سيبعث برسالة خاطئة". ووصف ليندركينغ المشاورات في السويد بأنها "خطوة أولى ضرورية" صوب إنهاء الصراع. وأكّد أنه لا يوجد بين الأطراف من يتوهم أن العملية ستكون سهلة، لكن هناك إشارات على أن المحادثات بناءة وتريد واشنطن أن تسفر عن نتائج ملموسة. وقال "بالنظر إلى الأمام نسعى إلى يمن مستقر وموحد يعزّز من الاستقرار الإقليمي والعالمي بدلاً من أن يضعفه". وأضاف "ليس هناك مكان في يمن المستقبل لتهديد مدعوم من إيران للسعودية وللإمارات وللأوساط الاقتصادية الدولية".