ما وراء تهديدات نتنياهو "غير المسبوقة" لإيران

19 فبراير 2018
نتنياهو هدد ضمنياً مصالح روسيا في سورية (لرونار برايس/Getty)
+ الخط -
تعد التهديدات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال كلمته أمام مؤتمر الأمن في ميونخ، أمس الأحد، باستهداف إيران بشكل مباشر، هي الأولى التي تصدر عن رئيس حكومة إسرائيلي. 

فحتى في ذروة الجدل الذي دار حول مخاطر البرنامج النووي الإيراني قبيل الإعلان عن التوصل للاتفاق بين طهران والقوى العظمى، لم يقدم نتنياهو ولا سلفه إيهود أولمرت على إطلاق تهديدات مماثلة.

ويبدو أن نتنياهو يحاول أن يحقق من خلال إطلاق هذا التهديد غير المسبوق عدة أهداف في آن. فمن ناحية يحاول ردع إيران عن تغيير قواعد الاشتباك التي ظلت سائدة في سورية حتى التصعيد الأخير، الذي تم خلاله اختراق "الأجواء الإسرائيلية" من قبل طائرة بدون طيار إيرانية، وإسقاط طائرة نفاثة إسرائيلية بنيران أطلقت من سورية داخل الأراضي الإسرائيلية. 

وقد ضمنت قواعد الاشتباك التي سبقت التصعيد الأخير لإسرائيل هامش مناورة شبه مطلق داخل سورية، حيث كانت تشن غارات على أهداف تزعم أنها مخازن أو إرساليات سلاح تابعة لـ"حزب الله"، إلى جانب توجيه ضربات لمرافق تزعم أنها إيرانية، بهدف منع طهران من مراكمة نفوذ في سورية. 

وقد تضمنت قواعد الاشتباك تلك ثلاثة مركبات رئيسة، وهي عدم إعاقة عمل الطيران الإسرائيلي بشكل جدي، وألا تبادر إيران والقوى التي تعمل إلى جانبها في سورية لشنّ عمليات حربية ضدّ إسرائيل، والحفاظ على الطابع السرّي للعمليات العسكرية الإسرائيلية، بحيث تنفذ تل أبيب غاراتها في العمق السوري دون أن تعلن عن ذلك بشكل رسمي.

وأحدث التصعيد الأخير حالة من القلق في إسرائيل عندما تبين لها أنه أطاح بقواعد الاشتباك، حيث إنه لأول مرّة تبادر إيران لتنفيذ عمل حربي يتمثل في اختراق الطائرة بدون طيار الأجواء الإسرائيلية، إلى جانب أن الردّ على الغارات الإسرائيلية كان جاداً لدرجة أنّه أسفر لأول مرّة عن إسقاط طائرة حربية إسرائيلية منذ العام 1982، وهذا ما أجبر إسرائيل على الردّ بشكل علني على هذه التطورات، وهو ما أخرج المواجهة من دائرة السر للعلن.

وقد حرصت إسرائيل، في ما مضى، على الإبقاء على المواجهة في إطار الحرب السرية، من أجل عدم السماح بإشعال مواجهة شاملة تخشى تل أبيب تبعاتها بشكل كبير. فإشعال مواجهة شاملة يعني، ضمن تبعات أخرى، دخول "حزب الله" على خط المواجهة انطلاقا من لبنان. ويدرك صناع القرار في تل أبيب أن الجبهة الداخلية والعمق المدني الإسرائيلي غير جاهزين لمواجهة تبعات مواجهة شاملة مع "حزب الله" في الوقت الحالي، على اعتبار أن مثل هذه المواجهة ستفضي إلى المس بعدد كبير من المرافق الحيوية في إسرائيل، التي ستضطر أيضا إلى إخلاء مئات الآلاف من المستوطنين في مناطق مختلفة.

أما الهدف الثاني من وراء تهديدات نتنياهو، فهو روسيا، عبر تهديده بشكل مباشر نظام بشار الأسد. فدوائر صنع القرار في تل أبيب تنطلق من افتراض مفاده أنه من أجل إجبار موسكو على التدخل من أجل ضمان احترام قواعد الاشتباك السابقة، يتوجب التلويح بالمس بإنجازاتها، وعلى رأسها استقرار نظام الأسد. 

والتلويح بضرب نظام الأسد بشكل يفضي إلى إحداث تحول في موازين القوى داخل سورية يمثل رسالة تهديد للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مفادها أن رهانه على قطف ثمار نجاحه في تثبيت النظام سابق لأوانه ما لم يعمل بأقصى سرعة على إقناع إيران والأطراف التي تعمل إلى جانبها باحترام قواعد الاشتباك السابقة.

ثالثاً، فإنّ تهديد نتنياهو يأتي من أجل لفت أنظار الأطراف الدولية والإقليمية إلى ضرورة الأخذ بخارطة المصالح الإسرائيلية، عند وضع حلّ سياسي للصراع في سورية.

ومن ناحية رابعة، فإن نتنياهو معني، من خلال التركيز على "الخطر الإيراني" في سورية، بتوفير بيئة تسمح بتسويغ مطالبته، ومطالبة إدارة دونالد ترامب للأوروبيين بإعادة النظر في الاتفاق النووي بين طهران والقوى العظمى، ولا سيما أن نتنياهو دعا على هامش انعقاد مؤتمر ميونخ، بشكل واضح، إلى إلغاء الاتفاق النووي مع إيران.

تنسيق مع أميركا

إلى جانب ذلك، فإن هناك ما يدلل على أن تهديدات نتنياهو باستهداف إيران بشكل خاص تأتي بالتنسيق مع إدارة ترامب، حيث إنها جاءت بعد ثلاثة أيام على التهديدات التي أطلقها مستشار الأمن القومي الأميركي، هربرت ماكماستر، بضرورة عدم السماح لـ"وكلاء إيران" في المنطقة بالعمل بحرية، وحديثه عن دلائل على استخدام نظام الأسد للسلاح الكيميائي.

وتهدف التهديدات الإسرائيلية والأميركية، على ما يبدو، إلى المس بدوافع إيران لمواصلة الاستثمار في تكريس نفوذها في سورية، إلى جانب محاولة التأثير على الموقف الروسي. فكل من تل أبيب وواشنطن لا يكتفيان بأن تواصل موسكو السماح لإسرائيل بهامش حرية مطلق في سورية، بل تحاولان، أيضا، دفعها لفك الارتباط مع إيران.


وما يعيق فرص تجاوب موسكو مع إسرائيل وإدارة ترامب حقيقة أن بوتين يعي أنه بدون القوات البرية التي توفرها إيران والمليشيات المرتبطة بها، فإنّ فرص الحفاظ على نظام الأسد تكاد تكون معدومة، علماً أن تأمين بقاء نظام الأسد يوفر لروسيا بيئة تسمح بالحفاظ على مصالحها. وهناك في تل أبيب من يدعو للتلويح ليس فقط بالعصا لروسيا، بل بالجزرة أيضاً، من خلال محاولة إغرائها بالاعتراف بها كقوة عظمى ومراعاة مصالحها في سورية والمنطقة تبعاً لذلك.

وعلى الرغم من وضوح تهديدات نتنياهو، إلا أنّه حرص، في المقابل، على عدم الإفصاح عن النطاق الجغرافي لترجمتها بشكل عملي، إذ لم يكشف عما إذا كان يقصد التهديد بضرب مصالح لطهران في سورية، أو في إيران نفسها.

وإن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يقصد استهداف المصالح الإيرانية في سورية، فإنّه يدرك أن تنفيذ هذا التهديد لن يشكل بحد ذاته سابقة، حيث إنه سبق لإسرائيل أن قامت أكثر من مرة بضرب أهداف لإيران في سورية، حتى قبل التصعيد الأخير. أما إن كان يقصد ضرب إيران نفسها، فإن نتنياهو يعي أن مثل هذا التطور قد يفضي إلى توفير بيئة تسمح لطهران بتسويغ تجاوز القيود التي فرضها الاتفاق النووي.