"لا توجد كلمات تنصف القتلى من الأطفال وأمهاتهم وآبائهم وأحبائهم". بدت هذه العبارات المقتضبة للمدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، جيرت كابيلاري، لتفسير البيان الخالي من الكلمات الصادر، أمس الثلاثاء، عن المنظمة، بمثابة التعبير الأنسب لتوصيف حالة العجز عن مواجهة حرب الإبادة التي يشنها النظام السوري ومليشياته ومعهم روسيا، على المدنيين في الغوطة الشرقية، في الأيام الماضية، والتي تسببت في سقوط قرابة مائتي قتيل، في غضون يومين، ونحو 800 جريح، وسط صمت دولي واسع لم تخرقه سوى فرنسا، التي قالت، أمس، إن الهجمات "تستهدف، عن عمد، مناطق آهلة بالسكان وبنية أساسية مدنية، بما في ذلك منشآت طبية، ما يمثل انتهاكا جسيما للقانون الإنساني الدولي"، معتبرة أن "هذه الأفعال يتحمل مسؤوليتها النظام السوري، وكذلك روسيا وإيران، داعمتاه الرئيسيتان، واللتان ضمنتا، في إطار اتفاقات أستانة، وقفا للأعمال العدائية يفترض أن ينطبق على الغوطة". ويضاف إلى ذلك، تحذيرات الأمم المتحدة إن من خلال المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، الذي نبّه من خطر "أن تتحول الغوطة الشرقية إلى حلب ثانية"، في إشارة إلى تدمير المدينة التاريخية بحجرها وبشرها أواخر 2016 قبل اجتياحها، فضلاً عن تأكيد منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سورية، بانوس مومتزيس، أن "استهداف المدنيين في الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق يجب أن يتوقف حالاً، في وقت يخرج الوضع الإنساني عن السيطرة".
اقــرأ أيضاً
وقلما حصلت إبادة بهذا المستوى في التاريخ المعاصر، في ظل هذا المستوى من الصمت الدولي، وقبله العربي، إذ لم يسجل صدور حتى بيانات تنديد أو تضامن مع الشعب السوري، طيلة الأيام الماضية، التي شهدت مقتل المئات، مع أن المجزرة تكاد تكون منقولة على الهواء، من دون أن يثير ذلك عواصم القرار للتحرك على أي مستوى لوقف القتل. وكان لافتاً أن هذا الصمت طاول حتى الدول التي تعلن دعمها للشعب السوري، كذلك شمل ما يسمى دول "أصدقاء الشعب السوري"، وبقيت البيانات والتصريحات مقتصرة على المحتفلين بالمجزرة، سواء من المسؤولين في موسكو أو في إيران، ممن يحلو لهم تصوير ما يحصل على أنه "مكافحة للإرهاب" و"تخليص السوريين من الإرهابيين". هكذا، تقف الغوطة الشرقية اليوم، بسكانها الـ400 ألف، أمام مصير حلب نهاية 2016، عندما قتل الآلاف من أبنائها، قبل أن تدخلها القوات السورية الحكومية والروسية، ويشرد أبناؤها من مدنيين ومسلحين إلى إدلب في حينها، على وقع تسارع وتيرة الحشود العسكرية على حدود الغوطة الملاصقة لدمشق لاجتياحها، لكن بعد تسويتها كاملة بالأرض.
وقلما حصلت إبادة بهذا المستوى في التاريخ المعاصر، في ظل هذا المستوى من الصمت الدولي، وقبله العربي، إذ لم يسجل صدور حتى بيانات تنديد أو تضامن مع الشعب السوري، طيلة الأيام الماضية، التي شهدت مقتل المئات، مع أن المجزرة تكاد تكون منقولة على الهواء، من دون أن يثير ذلك عواصم القرار للتحرك على أي مستوى لوقف القتل. وكان لافتاً أن هذا الصمت طاول حتى الدول التي تعلن دعمها للشعب السوري، كذلك شمل ما يسمى دول "أصدقاء الشعب السوري"، وبقيت البيانات والتصريحات مقتصرة على المحتفلين بالمجزرة، سواء من المسؤولين في موسكو أو في إيران، ممن يحلو لهم تصوير ما يحصل على أنه "مكافحة للإرهاب" و"تخليص السوريين من الإرهابيين". هكذا، تقف الغوطة الشرقية اليوم، بسكانها الـ400 ألف، أمام مصير حلب نهاية 2016، عندما قتل الآلاف من أبنائها، قبل أن تدخلها القوات السورية الحكومية والروسية، ويشرد أبناؤها من مدنيين ومسلحين إلى إدلب في حينها، على وقع تسارع وتيرة الحشود العسكرية على حدود الغوطة الملاصقة لدمشق لاجتياحها، لكن بعد تسويتها كاملة بالأرض.
أبو وسام الغوطاني، أحد الناشطين المتواجدين في الغوطة الشرقية، قال إن "أعداد القتلى والجرحى يصعب حصرها... الحصيلة تجاوزت 150 قتيلاً، خلال ساعات يومي الإثنين والثلاثاء. عائلات بأكملها قُتلت، وعائلات أخرى مفقودة تحت أنقاض المنازل التي تسكنها. الجثث في الشوارع والفرق الإغاثية والطبية لم تعد قادرة على استيعاب حجم الكارثة"، إذ إن "القصف عنيف وكثيف جداً في عربين وحرستا وحمورية ودوما والشيفونية والنشابية ومنطقة المرج، ومسرابا وبيت سوا وغيرها".
من جهته، أوضح يوسف البستاني، وهو أحد أبرز الناشطين في الغوطة الشرقية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الناشطين وثّقوا مقتل أكثر من سبعين مدنياً، خلال أول ثماني ساعات فقط من يوم (أمس) الثلاثاء"، مضيفاً أن "الوضع كارثي... وحياة 90 ألف عائلة معرضة للخطر إذا استمر هذا القصف الوحشي". ولفت إلى أن الطيران العسكري لا يغادر سماء الغوطة ولا دقيقة"، مضيفاً أن "المستشفيات والنقاط الطبية تغص بالمصابين وهم بالمئات، وفرق الإنقاذ تنتشل كل ساعة ضحايا جددا من تحت الأنقاض".
من جهته، اعتبر "الائتلاف الوطني السوري" أنه ما كان لـ"حرب الإبادة الجماعية ولا الاعتداء الهمجي ليقع على أهالي الغوطة، لولا الصمت الدولي المطبق، وسكوت الدول الراعية للحل السياسي، بما يمثله ذلك من ضوء أخضر ترك المجال مفتوحاً أمام هذه الهجمة وهذا الإجرام، ما يحوّل دور المجتمع الدولي إلى موقع المتفرج، بل الشراكة في العدوان على السوريين". وجاء ذلك في بيانٍ صحافي أصدره "الائتلاف"، أمس الثلاثاء، بعنوان "روسيا تطلق رصاصة الرحمة على العملية السياسية في ظل صمت دولي"، قائلاً فيه إن "تقويض الحل السياسي هو النتيجة المقصودة لاستمرار هذا التصعيد، وبات من المؤكد أن روسيا تريد دفن العملية السياسية وفق المرجعية الدولية، خاصة بعد إعلانها عن تزويد قوات النظام بأسلحة متطورة لتنفيذ عملية عسكرية في الغوطة الشرقية".
واعتبر "الائتلاف" أن "كافة أعضاء المجتمع الدولي يتحملون النتائج المترتبة على صمتهم وشللهم، وعلى رأس تلك النتائج تقويض الحل السياسي في سورية"، داعياً "مجلس الأمن إلى التحرك المباشر والجاد، لحماية 400 ألف مدني محاصرين منذ 5 سنوات في الغوطة الشرقية، والتصرف وفق مسؤوليته القانونية والسياسية والأخلاقية".
ويعتبر هذا التصعيد غير المسبوق، بالقصف والغارات، مع حشد النظام فرقا عسكرية، واستدعائه مليشيات موالية له من جبهات إدلب وحماة ودير الزور وغيرها للهجوم على الغوطة، بمثابة إعلان من النظام وبدعم روسي - إيراني، نهاية اتفاق "خفض التصعيد" في الغوطة، التي تعتبر واحدة من المناطق الأربع التي تم إعلانها من قبل الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) لاتفاقيات "أستانة"، كمناطق من المفترض أن لا تشهد تصعيداً للعمليات العسكرية فيها.
ووصف المحلل العسكري أحمد رحال، هذه الاتفاقيات، بأنها أتت "لتبريد جبهاتٍ معينة، وأتاحت للنظام الاستفراد في جبهات أخرى، كما يحصل الآن في الغوطة الشرقية"، معتبراً، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "كل هذه الاتفاقيات فشلت، بل وخدمت المشروع الإيراني الروسي في سورية، ولم يصمد سوى اتفاق خفض التصعيد في المنطقة الجنوبية، لكون إسرائيل معنية به"، قائلاً إن "الروس احتالوا عبر اختراعهم اسم مناطق خفض التصعيد، وهو غير موجود في الأعراف والمصطلحات العسكرية الدولية. نحن نعرف مصطلحات الهدن ووقف إطلاق النار، ولكل منها خصوصيتها وأبعادها، لكن خفض التصعيد ما كان إلا مصطلحاً غامضاً لشراء الوقت، والاستفراد بجبهات دون أخرى".