ووفقاً لمسؤول رفيع في الحكومة العراقية، تحدّث لـ"العربي الجديد"، فإن "رئيس الوزراء يواجه مزايدات وطنية من قبل كتل سياسية وفصائل في الحشد الشعبي، تطالبه بأن يتخذ موقف السلب من الوجود الأميركي في العراق"، مضيفاً أن "القوات الأميركية على وجه التحديد قدّمت خلال أقل من عام، 300 مليون دولار لنزع الألغام ورفع مخلفات داعش، ودفعت نفقات صيانة طائرات سلاح الجو العراقي وقدمت ذخيرة مقاتلات الـ"أف 16". وعوضاً عن ذلك تقوم حالياً بتدريب وبناء جديد لأولوية ووحدات خاصة في الجيش العراقي، فضلاً عن أفواج من الشرطة، كما تسعى لبناء جهاز استخبارات عراقي متخصص بالإرهاب، وهذا ما لا يمكن التفريط به حالياً".
ولفت المسؤول إلى أنّ "العبادي يناور بالملف بين الكتل السياسية الشيعية هذه، كونه يعلم أن الموضوع محصور بين أجندة إيرانية تريد إخراج القوات الأميركية من العراق وتدفع تلك الجهات، وبين مزايدات انتخابية"، مرجحاً أن يتم الإعلان عن تخفيض للقوات الأجنبية ككل في البلاد من قبل الحكومة "لسحب الزخم الهجومي الحالي، لكن ذلك لا يعني خروجاً تاماً كاملاً لهذه القوات من العراق".
وختم المسؤول بالقول إن "القوات الأميركية هي من خلعت صدام وجاءت بالنظام السياسي الحالي، والحديث من قبل أركان هذا النظام عن أنها احتلال، يمكن اعتباره انفصام شخصية".
ويوجد نحو 11 ألفاً و800 جندي وعسكري أميركي في العراق، فضلاً عن المئات من القوات الأجنبية الأخرى كالبريطانية والألمانية والإيطالية والفرنسية والكندية والأسترالية، يتوزعون على 11 معسكراً وقاعدة غالبيتها مشتركة مع القوات العراقية، من بينها 6 معسكرات أميركية وسط وشمال وغرب العراق.
من جانبه، قال القيادي في "التحالف الوطني"، عمار الطعمة، لـ"العربي الجديد"، إن "العراق لا يحتاج اليوم لأي قوات من أي دولة كانت، فالحاجة انتفت الآن وعليهم المغادرة"، مضيفاً "قرار وجود مدربين أو مستشارين، يجب أن نطلع عليه في حال كان بين الحكومة والأميركيين اتفاقٌ"، وفقاً لقوله.
واعتبر الطعمة أن الوجود الأميركي الحالي "سيكون حجة للتطرف وإنشاء جماعات إرهابية، بحجة الجهاد ضد الأميركيين. كما أنّ هناك خشية من تحرّك منفرد لفصائل أو جهات ضد الوجود الأميركي"، في إشارة إلى مليشيا "الحشد الشعبي" وتهديداتها الأخيرة.
بدوره، أشار عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، إسكندر وتوت، إلى أنّ القوات الأميركية "في حال كان وجودها مؤقّتاً، فلا بأس به، لكن في حال كانت تخطط لبقاء طويل، فيجب أن يكون هناك موقفٌ من الآن للحكومة"، مضيفاً "نريد من الحكومة أن تطلعنا على تفاصيل الوجود الأميركي، كم هو عدد هذه القوات، ومقراتها وسلاحها وكل ما يتعلّق بها، خصوصاً وأنّ تصريحات مقربين من (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب تتحدّث عن أنهم لن ينسحبوا وأنّ وجودهم سيكون طويلاً في العراق".
إلاّ أنّ الخبير في الشأن السياسي العراقي، أعيان الطوفان، أكّد أنه "لا أحد يعرف عدد الجيش الأميركي اليوم في العراق، حتى رئيس الوزراء نفسه"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ وجودهم في ستة قواعد "يشير إلى أنّ عددهم أكبر بكثير من المعلن، وهناك لواء قتالي كامل يقوم بمهام خاصة في العراق على الأرض".
وأضاف الطوفان أنّ "الوجود الأميركي سيكون مادة دسمة للانتخابات، فهناك من سيقوم بشتم الأميركيين وسبهم، والمطالبة بإخراجهم، لكنه في الخفاء متفقٌ معهم، ويحتاج لدعمهم ويجاملهم".
في غضون ذلك، لا يبدو مطلب سحب القوات الأميركية من العراق موحداً، فالقوى السياسية السنية والكردية والمدنية الأخرى، تعتبر بقاء القوات الأميركية مطالباً مهماً في الوقت الحالي، للحدّ من النفوذ الإيراني أو مقاومته على الأقل بعد أن كان سابقاً مطلباً لطرده من العراق.
وقال عضو التحالف الكردستاني، حمة أمين، في هذا الإطار، لـ"العربي الجديد"، إن "الوجود الأميركي بالنسبة لكردستان مهم، ونعتقد أنه يحمينا من الهيمنة الإيرانية وأي تهديد إرهابي آخر. كما أنه لولا هذا الوجود، لتمادت بغداد في أذيتنا بعد مشروع استفتاء الانفصال"، وفقاً لقوله.
أمّا القيادي في الحراك الشعبي العراقي، محمد عبد الله، فأشار إلى أنّ "المكوّن السني في العراق الذي أعلن قادته الجهاد ضد الأميركيين عام 2003 وحاربوه، يعتبرون اليوم وجوده ضرورة لا بدّ منها"، مضيفاً أن "الأميركيين أفضل في النهاية من الإيرانيين، ونأمل أن يصححوا جزءاً من أخطائهم، لأن انسحابهم يعني أنّ الساحة باتت للإيرانيين فقط، وهؤلاء لديهم حرس ثوري وباسيج وسليماني و73 فصيلا مسلّحا بقيادتهم في العراق"، وفقاً لقوله.
ولوّحت مليشيات موالية لإيران خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية باستهداف القوات الأميركية في العراق، واعتبارها أهدافاً شرعية، أبرزها مليشيات "النجباء" و"حزب الله"، وهو ما قد يفتح باباً للتصعيد الجديد، خصوصاً وأن ثلاثة من المعسكرات الأميركية في العراق تقع على مقربة من مناطق نفوذ تلك المليشيات.
من جهة أخرى، قال دبلوماسيون إن الولايات المتحدة تجدد ضغوطها على شركائها الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي، لبدء مهمة طويلة الأجل في العراق للتدريب وتقديم المشورة. وأوضح خمسة دبلوماسيين كبار في الحلف، بحسب ما نقلت وكالة "رويترز"، أن وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، بعث برسالة إلى مقر الحلف في يناير/ كانون الثاني تدعو إلى تشكيل بعثة رسمية للحلف في العراق بقيادة دائمة أو شبه دائمة لتدريب القوات العراقية.
ومن المتوقع أن يبحث وزراء الدفاع بدول الحلف المطلب الأميركي في بروكسل الأسبوع المقبل، ومن المحتمل أن يصدر قرار في هذا الشأن في قمة تعقد في يوليو/ تموز المقبل.