تفجير موكب حكومة "الوفاق" في غزة: إسرائيل متهمة وقلق على المصالحة الفلسطينية
وأصاب الانفجار السيارات الثلاث الأخيرة في الموكب، ما أدى إلى أضرار جسيمة فيها، وإصابة سبعة مرافقين من الأمن الرئاسي جرى نقلهم على عجل إلى رام الله لتلقّي العلاج في إحدى المشافي الحكومية، في الوقت الذي واصل فيه الموكب مسيره. وحدث التفجير على بعد نحو سبعمائة متر فقط من الجانب الفلسطيني من حاجز بيت حانون، بعد دقائق فقط من عبور الوفد.
ولاحق أمن غزة، وفق شهود عيان تحدثوا لـ "العربي الجديد"، أشخاصاً كانوا على مقربة من مكان الحادث وهربوا عبر دراجة نارية، واعتقل اثنين على الأقل، وتمّ وضعهما كمشتبه بهما في الحادث، كذلك حضر خبراء متفجرات ومسؤولون أمنيون إلى المكان للمعاينة والتفحّص.
وعقب الاعتداء بوقت قصير، ألقى رئيس الحكومة كلمة في حفل أقيم لافتتاح محطة مياه للصرف الصحي بتبرع دولي شمال القطاع، غير أنّ الرجل كان واضحاً في قوله إنّ الحدث والتفجير لن ينالا من عزيمته ولن يوقفاه عن العمل من أجل المصالحة وغزة. وحتى بعد عودته إلى رام الله، تمسّك الحمدالله بالحكمة في التعامل مع الحدث، إذ قال إنّ استهداف موكب الحكومة "لا يمثّل الوطنية الفلسطينية، وهو عمل جبان لا يمثّل شعبنا، ولا أهلنا في غزة، وهي الجزء المهم من الوطن"، موضحاً أنه جرى استهداف الموكب بعبوات مزروعة بعمق مترين. لكن مصادر أمنية في غزة قالت لـ "العربي الجديد" إنّ "التحقيقات الأولية تشير إلى وجود عبوة واحدة، وربما جرى إلقاء عبوة أخرى من دون أنّ تكون مزروعة".
وجدّد الحمدالله التأكيد على أنّ "الحديث عن سلاح واحد وشرعية واحدة ضروري للمصالحة"، مطالباً حركة "حماس" بتمكين الحكومة وتسليم الأمن الداخلي (أجهزة الأمن المدنية وتشمل الشرطة والدفاع المدني).
كذلك نقل عن رئيس جهاز الاستخبارات العامة قوله إنه من "المبكر اتهام أحد" باستهداف موكب رئيس الوزراء، لكنه أشار إلى أن "من هو موجود يتحمل المسؤولية الكاملة عن ضمان سلامة الأراضي".
ولم يكن مدرجاً على جدول أعمال الوفد الحكومي لقاء أي من قيادات حركة "حماس" خلال الزيارة التي كان مقرراً لها أن تكون قصيرة، لارتباط الحمدالله بسفر إلى العاصمة الإيطالية روما، إلّا أنّ الأخير أكّد أنه سيعود إلى غزة في وقت قريب.
وأجرى رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، اتصالاً بالحمدالله مطمئناً على صحته. وقال مكتب هنية في تصريح مقتضب إنّ "الطرفين اتفقا على تحميل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية التفجير".
وفي جولاته الإخبارية، تحدّث مذيعو تلفزيون فلسطين الرسمي عن علاقة بين اللقاءات التي جرت أخيراً بين "حماس" والقيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، بالحادثة، في ربط "لم يكن متوقعاً". ولوحظ التركيز على اتهام دحلان بعد اتهام "حماس" بالمسؤولية عن التفجير.
لكنّ "حماس" التي دانت العملية ووصفتها بالجريمة، استهجنت الاتهامات الجاهزة من الرئاسة الفلسطينية لها، و"التي تحقّق أهداف المجرمين"، وطالبت الجهات الأمنية ووزارة الداخلية بفتح تحقيق فوري وعاجل لكشف كل ملابسات الجريمة ومحاسبة مرتكبيها وتقديمهم للعدالة. وربطت الحركة بين التفجير الذي استهدف موكب الحمدالله والجرائم الأخيرة التي "استهدفت العبث في أمن غزة وضرب جهود المصالحة والوحدة، ومنها اغتيال القيادي في كتائب القسام مازن فقها، ومحاولة اغتيال المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء توفيق أبو نعيم".
وبعيْد وقوع الانفجار مباشرة، أصدرت الرئاسة الفلسطينية بياناً نقلته وكالة الأنباء الرسمية "وفا"، حمّلت فيه حركة "حماس" المسؤولية عنه. ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة قوله إن الاعتداء على موكب الحمدالله "هو اعتداء على وحدة الشعب الفلسطيني".
أما وكيل وزارة الإعلام الفلسطينية، القيادي في حركة "فتح" فايز أبو عيطة، فقال إنّ استهداف موكب رئيس الوزراء والوفد المرافق له، "عمل جبان، ونحمّل حركة حماس المسؤولية عن هذا العمل، وعن سلامة رئيس الوزراء والوفد المرافق له".
من جهتها، دانت كل فصائل العمل الوطني والإسلامي استهداف الموكب، وطالبت في بيانات منفصلة تم إصدارها بـ "عدم ربط القضية بالمصالحة الوطنية"، ودعت إلى إتمام المصالحة وإنجاز الوحدة الداخلية وإنهاء الانقسام.
وطالبت لجنة المتابعة في القوى الوطنية والإسلامية في بيان مشترك، صدر عقب البيانات الفردية، الأجهزة الأمنية في غزة بـ"ضرورة الكشف السريع عن مرتكبي الجريمة وتقديمهم للمحاكمة وكشف خيوطها أمام الجماهير".
أما الوفد الأمني المصري الموجود في غزة، فدان كذلك محاولة استهداف الموكب، مؤكداً بقاءه في القطاع واستمرار الجهود المصرية في إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة، مثمناً في الوقت ذاته موقف الحمدالله بأنّ الحادث لن "يزيدهم إلّا إصراراً على المصالحة وإنهاء الانقسام".
لكن في غزة، بات يُخشى من عقوبات جديدة تفرضها السلطة الفلسطينية ضدّ القطاع على خلفية هذا التطور الخطير وغير المتوقّع الذي قلب موازين ومسار المصالحة الفلسطينية بشكل كامل.
وعلى الرغم من الإدانات المتواصلة، أحدث التفجير انقساماً وبلبلة غير مسبوقة، بين من حمّل "حماس" المسؤولية عنها، وآخرين اعتبروها "لعبة" من السلطة الفلسطينية للتهرّب من استحقاقات المصالحة مع "حماس". لكن الطرفين لم ينتظرا نتائج التحقيق التي من المتوقّع أن تعلن أمام الفلسطينيين عند كشف كامل الخيوط.
أمّا المصالحة الفلسطينية، فيرجّح أن تتجه إلى تعثّر إضافي، في ظلّ الجمود الذي تعيشه أساساً منذ أكثر من شهرين، وإنّ لم يكن هناك تدخّل حقيقي وجدي من مصر على أرض الواقع، فلن يتم إحياؤها في وقت قريب، في ظلّ تصاعد الاتهامات وحديث السلطة الفلسطينية المستمر عن عدم جدية "حماس" في تسليمها الأمن والجباية.
ووسط كل ذلك، باتت الخشية تتصاعد في الشارع الغزّي من استمرار الأزمات وتعمّقها وتفاقمها في ظلّ الاتهامات الأخيرة، واستمرار حالة الخلاف العلني بين طرفي الانقسام.