ويُعد سيف الإسلام القذافي، الأكثر حظاً بين أخوته، الهاربين من ليبيا، والمغيبة أصواتهم في إحدى الدول العربية، بينما يقبع أحدهم، وهو هنبيال، داخل سجن في لبنان، بسبب تهم لم تستقر حتى الآن على قضيةٍ ثابتة ، وآخر، وهو الساعدي، الذي لا يزال مغيباً في أحد سجون طرابلس.
وأكدت مصادر وثيقة الصلة بمدينة الزنتان، لـ"العربي الجديد"، أن سيف لم يغادرها، ولا يزال يحظى بحماية الكتيبة ذاتها، التي احتفظت به داخل سجونها طيلة السنوات الماضية، والتي يترأسها العجمي العتيري، الذي يبدو أن سيف نجح في عقد صفقة معه، مقابل استمرار حمايته له، وإعلان إطلاق سراحه في يونيو/حزيران الماضي، بموجب قانون العفو العام الصادر عن مجلس النواب.
ومنذ ذلك التاريخ، تاريخ إعلان "إطلاق سراحه"، لم يظهر سيف الإسلام القذافي شخصياً في أي مكان، ولا عبر الإعلام، رغم رصيده داخل صفوف مؤيدي نظام والده شعبياً في ليبيا، وبين رموز نظام القذافي الفارين في الخارج، في ظلّ تكهنات تحدثت عن انتقاله إلى أماكن عدة، من بينها البيضاء شرق البلاد، موطن أخواله من قبيلة البراعصة، لكن الأرجح، من بين هذه السيناريوهات، أنه لا يزال يتنقل بين منازل في الزنتان.
وفيما تثار أسئلة كثيرة حول مصير سيف الإسلام، يتأكد من بينها أن القذافي الابن لا يزال طامحاً في لعب دور مستقبلي في ليبيا، دون أن تتكشف ملامح هذا الدور، وماهية الوسائل المتاحة أمام سيف، محاولا دخول مضمار اللعبة السياسية التي اختلفت في ليبيا اليوم، بسبب تمترسها وراء السلاح، لاسيما أن نظام والد سيف انكسر في معركة السلاح، وتبعثرت جبهة مؤيديه قبل سبع سنوات.
وتصاعد الجدل منذ الإثنين الماضي، إذ ظهر "محامي" سيف، أيمن بوراس، خلال مؤتمر صحافي في تونس، زاعماً أنه ممثلٌ لسيف، ليعلن ترشّح الأخير للانتخابات الرئاسية المقبلة، وحاثاً الليبيين على البدء في مشروع للمصالحة، يتولاه القذافي الابن.
ولم تمرّ ساعات حتى ظهرت "كتيبة أبو بكر الصديق"، التي أعلنت عن حلّ نفسها إثر إطلاقها لسراح سيف في يونيو/حزيران الماضي، لتنفي في اليوم التالي تصريحات بوراس.
وقالت الكتيبة، في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك" الثلاثاء الماضي: "لقد تكاثر الهرج والمرج بعد المؤتمر الصحافي الذي عقد الإثنين فى تونس، بين نفيٍ وتأكيد، لما نسب للقذافي، في المؤتمر الذي تحدث فيه شخص يدعى أيمن ابوراس"، مضيفاً أنه "إظهاراً للحقيقة، تواصلنا مع الأخ سيف الإسلام بالخصوص، وأجاب بأنه لا علم له بهذه الندوة، ولم يكلف أحداً بالحديث نيابة عنه".
وأشار البيان إلى أن "سيف مستعد لتلبية رغبة الليبيين في حال طلبوا منه الترشح"، ليختم بالتأكيد على أن القذافي "لم يكلف أحداً للحديث نيابة عنه، وبأنه يشدد على عدم سماع أي شخص يدعي التواصل معه أو الحديث عنه إلا بعض الأشخاص المعروفين بقربهم منه، أو متواصلين معه، وهم معروفون للجميع، كما أنه يؤكد على أن ما صدر عن بوراس ومن معه، يخصّهم، ويعدّ تعبيراً عن رأيهم فقط".
وطال انتظار أنصار القذافي الابن الذي أعلن بوراس أنه سيظهر قريباً لشرح مشروعه الإنتخابي و"مبادرته الوطنية للمصالحة" بين الليبيين، ليتفاجأ متابعو الرأي العام في ليبيا بتقرير مكتوب نشره موقع "أفريقيا نيوز"، نقل خلاله تصريحات لسيف، قال إنها "حصرية" له، لكن تلك التصريحات المزعومة لم تتحدث عن الانتخابات كما كان متوقعاً، ولا عن المصالحة الوطنية، بل جاء مضمونها في سياق الجدل القائم في فرنسا، والمرتبط بتورط الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في السعي للحصول على أموال من القذافي الأب، لتمويل حملته الانتخابية الرئاسية.
ويبدو أن اختفاء القذافي الابن عن الأنظار، وربما عدم قدرته على الظهور لكونه مطلوبا دولياً ومحلياً، قد شكّل مادةً خصبة لأطراف تريد استثمار صوته. ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، نشرت وسائل إعلام محلية ودولية، تصريحات لسيف، نقلاً عن موقع إخباري مصري، تفيد بنيته تقديم رئيس جهاز الأمن الخارجي السابق بوزيد دوردة، الذي يقبع في أحد سجون طرابلس، للانتخابات المقبلة، مؤكداً أن قبيلة القذاذفة بأسرها ستؤيد هذا الخيار، لكن هذه التصريحات المزعومة تبخرت سريعاً، بعدما تبين أن الأمر مرتبط بخلافاتٍ داخلية بين مناطق وقبائل قريبة من الزنتان، ومنها قبيلة الرحيبات، التي ينتمي إليها دوردة.
ويبدو أن تقرير "أفريقيا نيوز" لا يختلف كثيراً عن التضارب الكبير بين "إعلان بوراس" ونفي "كتيبة أبو بكر الصديق"، حيث دخل على خط الجدل موسى إبراهيم، المتحدث الرسمي باسم نظام القذافي عام 2011، والذي يمتلك موقع "أفريقيا نيوز"، لا ليكشف عن شيء سوى عن الخلافات الكبيرة في أوساط بقايا النظام السابق، الذين يبدو أنهم باتوا لا يمتلكون أكثر من سيف الإسلام ممثلاً لهم، بحكم الرصيد الذي لا يزال يمتلكه بين القبائل، الثابتة على موقفها المؤيد للنظام الليبي السابق.