موجة هدم منازل في العريش... ومخاوف من تهجير

27 مارس 2018
كل مقومات الحياة في سيناء باتت معدومة (عبدالرحيم خطيب/الأناضول)
+ الخط -
بدأ الأمن المصري هدم منازل مواطنين في الأحياء الداخلية لمدينة العريش في محافظة شمال سيناء، على غرار ما جرى سابقاً في مدينتي رفح والشيخ زويد، مما حدا أهالي سيناء والمتابعين للشأن السيناوي على الاستشعار بخطر التهجير تحت شعار الحرب على الإرهاب. ووفقاً لمصادر قبلية، فإن الأمن المصري "هدم ما لا يقل عن عشرين منزلاً داخل أحياء مدينة العريش منذ بدء العملية العسكرية الشاملة في 9 فبراير/شباط الماضي"، مشيرةً إلى أن هذه التطورات الميدانية "تمثّل ظاهرة جديدة مفادها إعلان تمدّد عمليات هدم المنازل إلى داخل مدينة العريش، بدلاً من الأطراف".

وقالت المصادر القبلية لـ "العربي الجديد" إن قوات الأمن "هدمت منازل في شارع القاهرة وحي آل أيوب، وميدان العتلاوي وسط المدينة، بحجة أنها تعود لمطلوبين أمنياً، رغم أن بعض تلك المنازل تعود لمعتقلين لدى الأمن المصري منذ سنوات"، مضيفةً أن "حالة من القلق تنتاب سكان المدينة على مستقبل وجودهم فيها".

وبات سكّان العمارات السكنية التي تم تدميرها، في وضع إنساني صعب، بعد فقدانهم المأوى من دون تأمين بديل، وعدم تعويضهم من قبل الحكومة المصرية، كما جرى مع مئات المهجّرين من مدينة رفح في إطار تنفيذ المنطقة العازلة مع قطاع غزة بمساحة 5 كيلومترات، وعدم السماح لهم بمغادرة المدينة باتجاه مناطق أخرى، للبحث عن مأوى جديد، يكفل لهم عدم الهدم مجدداً والمطاردة من قبل قوات الأمن المصرية.

وفي المقابل، تواصل قوات الجيش عمليات هدم منازل المواطنين وتجريف الأراضي الزراعية الواقعة في نطاق حرم مطار العريش، الذي أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن توسيعه قبل شهرين، ويتضمن ذلك إزالة المزارع والمنازل الواقعة في نطاق 5 كيلومترات في اتجاهات المطار، مما يعني مسح جزء كبير من المدينة التي تمثّل عاصمة محافظة شمال سيناء.

وفي هذا الإطار، أكّد أحد وجهاء مدينة العريش لـ "العربي الجديد"، أن قوات الجيش "جرفت مئات الأفدنة الزراعية منذ إعلان السيسي عن إنشاء حرم المطار، إلّا أنّ عمليات التجريف تصاعدت بشكل جنوني منذ بدء العملية العسكرية، فمسحت جرّافات الجيش أراضيَ زراعية تمثّل مصدر رزق لآلاف السكان في العريش، مما يزيد من معاناتهم ويُدخلهم في سجلّات البطالة التي تشتكي منها المدينة المحاصرة منذ أكثر من 40 يوماً".


وأوضح أنّ حالة من الاستياء الشديد تسود أوساط المواطنين نتيجة تصرّفات الأمن المصري من تجريف للأراضي الزراعية وهدم للمنازل والمنشآت الصناعية بشكل عشوائي منذ بدء العملية العسكرية، قائلاً: "لا أحد يعرف من المستفيد من هذه الأعمال المريبة، ماذا يريدون من سكّان المدينة، النزوح كما حصل مع إخوتهم في مدينتي رفح والشيخ زويد، هذا لن يحصل".

وتتزامن عمليات هدم المنازل مع حصار مشدّد تعاني منه مدن محافظة شمال سيناء، بما فيها مدينة العريش، وذلك للمرة الأولى في تاريخها، إذ منعت قوات الجيش الحركة التجارية وحركة المواطنين من وإلى المدينة منذ بدء العملية العسكرية، وحتى إشعار آخر، مما فاقم الوضع الإنساني في المحافظة بشكل عام.

ولاقت حملات الجيش ضد منازل المواطنين وممتلكاتهم في مدينة العريش رفضاً واسعاً، ومن ذلك ما جاء على لسان النائب السابق في مجلس الشعب المصري عن محافظة شمال سيناء، يحيى عقيل، الذي قال عبر صفحته على موقع "فيسبوك": "إن سياسة هدم البيوت في مدينة العريش لا يمكن تبريرها في إطار محاربة الإرهاب، والصمت عليها تدريب على التقبّل حتى يتم هدم آخر بيت في المدينة"، مضيفاً "وفي كل حالة ستجد من يبرّرها ظنّا أنه لن يأتيه الدور، لا أحد يتعلّم... لا الحكومة ولا الشعب، هنيئاً لك نتنياهو"، في إشارة إلى مخططات تفريغ سيناء لحساب المشروعات الإسرائيلية.

وفي هذا التوقيت، يختفي صوت محافظة شمال سيناء ونواب مجلس الشعب عن المحافظة والمسؤولين الحكوميين، رغم علمهم بخطورة ما يحصل على الوجود السكاني في المدينة التي تمثل الثقل الأكبر في المحافظة، وخطّ الدفاع الأول عن الأمن القومي المصري، بعد تدمير مدينة رفح الحدودية وتهجير أهلها على مدار الأعوام الماضية، وكذلك إفراغ مناطق واسعة من مدينة الشيخ زويد.

وفي تعقيبه على ذلك، يقول باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد" إن النظام المصري "يعمل وفق مخطط مسبق، يقضي بإفراغ أكبر قدر ممكن من محافظة شمال سيناء تحت حجج واهية، وهذا ما تم فعلياً في مدينتي رفح والشيخ زويد، وفيما يبدو فإن الدور وصل إلى مدينتي العريش وبئر العبد من خلال فرض الحصار المشدد تزامنا مع هدم المنازل وتجريف المزارع، مع استمرار حملات الدهم والاعتقال العشوائي في صفوف المواطنين".

وأضاف الباحث الذي رفض الكشف عن اسمه، أن "كل مقومات الحياة في سيناء باتت معدومة بقرار من النظام، فلم يعد هناك شيء يشجّع المواطنين على البقاء فيها، مما يعني أننا قد نكون على أعتاب موجات نزوح جديدة، ولكن في هذه المرة لن تكون داخل سيناء، بل إلى مدن ما وراء قناة السويس"، مؤكداً أنّ ذلك "يمثّل خطراً حقيقياً على الأمن القومي المصري، لما تمثله سيناء من بوابة للأمن على الحدود مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبالقرب من فلسطين المحتلة".

يشار إلى أن الجيش المصري بدأ عملية عسكرية واسعة النطاق في 9 فبراير/شباط الماضي، بهدف القضاء على تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم داعش، إلا أنّ عمليات التنظيم ما زالت مستمرة، موقِعاً خسائر بشرية ومادية في صفوف قوات الأمن التي ما زالت تحاصر المحافظة من الاتجاهات كافة، من دون وجود موعد لانتهاء الأزمة الإنسانية في المحافظة.