وتمّ وضع المخطط الذي أفصحت مصادر سياسية وحكومية عن تفاصيله لـ"العربي الجديد"، بناءً على تعليمات أصدرها السيسي خلال الفترة السابقة للانتخابات الرئاسية، وتحديداً الأسبوعين اللذين شهدا ترشّح رئيس الأركان الأسبق ومؤسس حزب "مصر العروبة الديمقراطي" سامي عنان، ثمّ القبض عليه، وترشّح وانسحاب الناشط الحقوقي ووكيل مؤسسي حزب "العيش والحرية" خالد علي، وانتهاءً بالقبض على رئيس حزب "مصر القوية" عبد المنعم أبو الفتوح ونائبه محمد القصاص، وإدراج عدد من أعضاء الحزب على قائمة الإرهابيين.
وتمثّلت التعليمات في تخفيض عدد الأحزاب السياسية في مصر، والتي يبلغ عددها الآن نحو 150 حزباً. فعلى مستوى الأحزاب التي تديرها الأجهزة، سيتم دمج الأحزاب الصغيرة الموالية للنظام تحت مظلة حزبية واحدة، وهي الخطة التي انفردت بنشرها "العربي الجديد" في فبراير/ شباط الماضي، ويعجّل بتنفيذها اليوم فشل الأجهزة الأمنية والحملات في حشد الناخبين للمشاركة في انتخابات الرئاسة الأخيرة، لتصبح هذه المظلة الحزبية ظهيراً سياسياً موحداً للسيسي، تديره قيادة واحدة، لتلافي مشاكل تعدد القيادات واختلاف الرؤى.
وعلى مستوى المعارضة، تمثّلت التعليمات في التخلّص من الأحزاب المعارضة الحقيقية أو التي يمكن أن تمثل خطراً على النظام في المستقبل، وعلى رأسها "مصر القوية" و"العيش والحرية"، فضلاً عن حزب "البناء والتنمية" التابع للجماعة الإسلامية والذي ينظر القضاء حالياً في دعوى مقامة من لجنة الأحزاب لحله. وارتباطاً بذلك، تعدّدت خلال الأسابيع الستة الماضية الهجمات الأمنية بصور شتى على الحزبين الأولين، بما في ذلك محاصرة حزب أبو الفتوح وإرهاب من تبقى من أعضاء هيئته العليا، ورفع دعاوى لحظر نشاط حزب خالد علي الذي لم يولد رسمياً بعد.
وبين الموالاة والمعارضة، تطرّقت تعليمات السيسي إلى اصطناع معارضة سياسية في إطار النظام، من خلال السيطرة المباشرة على الأحزاب التي فقدت هويتها الليبرالية خلال السنوات الأربع الماضية وأصبحت أقرب للسلطة من المعارضة، كـ "الوفد" و"المصريين الأحرار"، وكذلك من خلال الاحتفاء ببعض الأحزاب ذات الشعبية المتراجعة، وتصويرها كبدائل واقعية للمعارضة لملء الفراغ الذي ستتركه الأحزاب التي سيتخلّص منها السيسي.
وسيطاول هذا الاحتفاء والدعم الإعلامي والأمني، وفقاً للمصادر، أحزاباً لم تكن يوماً ذات ثقل في الشارع، لكن سيتم الترويج لها عبر وسائل الإعلام الموالية للسلطة كأحزاب تقود معارضة النظام، في إطار محاولة السيسي لرسم صورة مغايرة لواقع المشهد السياسي، وعلى رأس تلك الأحزاب: "الغد" الذي يرأسه المرشح الرئاسي الصوري الخاسر موسى مصطفى موسى، والذي تعبّر تصريحاته الأخيرة عن سعيه لمكاسب حزبية بعد الدور الذي لعبه في الانتخابات، و"الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي" الذي يضم عدداً من أعضاء لجنة الخمسين ويمثله أعضاء في "المجلس القومي لحقوق الإنسان"، و"التجمع اليساري" الذي فقد شعبيته وحركته على الأرض ويقتصر نشاطه حالياً على إصدار صحيفة الأهالي الأسبوعية، و"العربي الناصري" الذي مازالت له بعض الكوادر القديمة في المحافظات، و"حزب المحافظين" الذي يملكه النائب ورجل الأعمال أكمل قرطام.
وما زال هناك خلاف بين دائرة السيسي والأجهزة الأمنية حول الوضع الجديد لحزب "المصريين الأحرار" الذي كان قد أسّسه رجل الأعمال نجيب ساويرس بعد ثورة 2011، ثمّ أقصاه النائب عصام خليل بدعم أمني صريح العام الماضي ليصبح رئيساً للحزب. فهذا الحزب سبق ورفض الانضمام لائتلاف الأكثرية النيابية "دعم مصر" لخلافات إدارية، مع تأكيد استمرار دعمه للسيسي، إلى حدّ تنظيمه مؤتمرات جماهيرية أخيراً لتعريف المواطنين بما يصفه "إنجازات الفترة الرئاسية الأولى".
وقالت المصادر السياسية إن بعض المسؤولين عن الخطة الجديدة يرغبون في دمج "المصريين الأحرار" في الظهير السياسي الجديد للسيسي، للاستفادة من خبرات أعضائه التي تفوق الأحزاب الصغيرة المرشحة للانضمام للظهير الجديد (مستقبل وطن، حماة الوطن، المؤتمر، مصر بلدي، الشعب الجمهوري، الحرية ومصر الحديثة)، بينما يرى آخرون أن الحزب بإمكانه الاستمرار في لعب دور المعارضة الصورية في بعض الملفات إلى جانب حزب "الوفد".