أول انتخابات بلدية تونسية بعد الثورة: الاستعدادات والحملات والرهانات

15 ابريل 2018
ستشكل الانتخابات لحظة فارقة لشكل الحكم (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
انطلقت أمس السبت في تونس الحملات الانتخابية الخاصة بالانتخابات البلدية، التي ستجرى في 6 مايو/أيار المقبل، وهي أول انتخابات محلية في تونس بعد الثورة، والتي طال انتظارها بسبب تدهور الأوضاع الخدماتية في المدن والقرى التونسية. كما انتظر المواطنون التونسيون لسنوات انتهاء الجدل السياسي حول هذه الانتخابات، التي تم تأجيلها أكثر من مرة، بسبب خوف الأحزاب السياسية من تداعيات نتائجها، بحكم أنها تأتي قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية نهاية العام المقبل. وإلى ما قبل أسابيع، كانت هذه الانتخابات بين الشك واليقين، بحكم الخلافات الداخلية والمواقف الخارجية. ولا ترتبط أهمية هذه الانتخابات بتحسين الأوضاع الخدماتية والبلدية المعروفة فقط، وإنما ستشكل لحظة فارقة في نوعية وشكل الحكم في تونس، وقد تلقي بظلالها على بعض الدول الأخرى، بحكم أنها ستحد من سطوة الحكم المركزي وستمنح الجهات الداخلية قدراً كبيراً من استقلالية القرار التنموي، أي أن الحكم سيتحول تدريجياً من المركز إلى الأطراف، ما سيعيد النظر في شكل الدولة أصلاً، وهو ما سيشكل تجربة مهمة للغاية، إذا نجحت، فإنها ستشكل مثالاً لدول عربية، وفي الوقت ذاته، تسبب خوفاً لسلطات بعض هذه الدول والحكومات التي يتركز الحكم فيها في دائرة مركزية ضيقة للغاية. وتثير هذه المسألة بالذات جدلاً متواصلاً في تونس، وذلك على هامش مناقشة مجلة الجماعات المحلية  (البلديات) في البرلمان التي ستوضح كيفية إدارة الشأن المحلي والجهوي. ويأمل التونسيون أن يتم الانتهاء من المصادقة على فصولها قبل يوم الاقتراع في 6 مايو المقبل.

لكن الرهانات على هذه الانتخابات كثيرة ومتعددة، أبرزها أن تشكل محطة جديدة لنجاح التجربة الديمقراطية التونسية وإن كان ذلك نسبياً، بعد نجاح انتخابات 2011 و2014، التي كانت محل إشادة دولية بحكم شفافيتها ونزاهتها وقبول الفرقاء التونسيين بنتائجها وتعودهم على التداول السلمي للسلطة، برغم كل النقائص والشوائب التي عرفتها تلك الانتخابات. وأكد عضو الهيئة المستقلة للانتخابات، فاروق بو عسكر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الهيئة بصدد وضع اللمسات الأخيرة لتكون على أتم الاستعداد لهذا الموعد، مشيراً إلى وجود 1400 شخص سيتولون مراقبة الحملة الانتخابية، وأن هؤلاء أدوا اليمين وسيتم توزيعهم على مختلف البلديات يوم انطلاق الحملة الانتخابية. وبين أنه تم تخصيص قاعة عمليات مركزية، يتواجد فيها 16 شخصاً، لمراقبة أنشطة الحملات والتمويل، كما توجد قاعات لرصد الأنشطة الإعلامية للحملة الانتخابية. وأكد أن الهيئة عقدت عدة لقاءات مع المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وذلك بهدف عرض ضوابط وقواعد الحملة الانتخابية. ولفت إلى أنه تم توفير الإمكانيات اللوجستية لتنقل المراقبين، إذ إن هناك نقصاً في بعض الهيئات الفرعية، وبالتالي فإن الرقابة ستكون متوفرة على المستويين المركزي والجهوي، إلى جانب الرقابة على جميع أنواع وسائل الإعلام، إذ تم التنسيق مع الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري بالنسبة للتلفزيونات، كما ستتم عملية المراقبة أيضاً من خلال وحدة الرصد التابعة لهيئة الانتخابات. وأكد بو عسكر أن الهيئة جاهزة، من حيث الموارد البشرية والمادية، لمراقبة الحملة الانتخابية، مبيناً أنه حتى وإن وجدت بعض النقائص في الأيام الأولى فإن العملية ستستقر تدريجياً وسيتم تنظيم عملية المراقبة.


ويتساءل التونسيون عن الكيفية التي ستسير بها الحملات الانتخابية بين الأحزاب والقوائم المستقلة وحول شكل الخطاب التنافسي ومضامينه وعن تمويل الحملات الانتخابية خصوصاً، وهي مهام تكفَّل بها المجتمع التونسي باقتدار كبير خلال التجارب الانتخابية الماضية، وسيكون أيضاً حاضراً بقوة خلال هذه الانتخابات. وأكدت رئيسة الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات (عتيد) ليلى الشرايبي، لـ"العربي الجديد"، أنّ جمعية "عتيد" نفذت دورة تدريبية لمراقبي الحملة الانتخابية، وسيتم وضع قرابة 10 مراقبين في كل مكتب جهوي للانتخابات. وأوضحت أنه سيتم مراقبة التظاهرات الانتخابية والدعائية، خصوصاً الخطابات، وإن كانت تتضمن أي دعوات عنف أو كراهية أو تفرقة، إلى جانب مراقبة مدى مشاركة المرأة في الحملات الانتخابية، والأشخاص ذوي الإعاقة وهل سيتم إشراكهم فعلياً أم لا؟. وأشارت إلى أنه سيتم مراقبة 20 في المائة من البلديات، أي نحو 72 بلدية من إجمالي 350، لأنه لا يمكن مراقبة جميع البلديات، وسيتم تدوين التجاوزات، لكنها أوضحت أنه إذا وقعت تجاوزات كبيرة، فإنه سيتم الاتصال بالهيئة العليا للانتخابات لضمان حسن سير الحملة الانتخابية واتخاذ الإجراءات اللازمة لتسجيل أقل عدد ممكن من التجاوزات.

وبشأن تمويل الحملات الانتخابية، قالت مديرة مشروع مراقبة تمويل الحملة الانتخابية لمنظمة "أنا يقظ"، يسرى مقدم، لـ"العربي الجديد"، إن "مبادرة أنا يقظ لمراقبة تمويل الحملة الانتخابية انطلقت مبكراً منذ 7 إبريل/نيسان وتنتهي في 5 مايو، وتتكون المجموعة من فريق ميداني يضم 12 منسقاً جهوياً و90 ملاحظاً، وفريقاً مركزياً". وأضافت أنه "سيتم مراقبة مدى احترام الأحزاب للقواعد المنظمة للإنفاق خلال الحملة الانتخابية"، موضحة أن "عملية مراقبة تمويل الحملة الانتخابية البلدية ستتم في 12 بلدية مركزية، وستقدم هذه المبادرة معطيات وملاحظات حول عمليات الإنفاق السياسي في إطار الاستحقاق الانتخابي". وأوضحت أن برنامج "أنا يقظ" سيركز على مراقبة مدى احترام الإنفاق "من خلال إتباع منهجية التتبع الموازي للنفقات وتقديم تقرير أولي، وتقرير نهائي سيصدر بعد انتهاء الحملة الانتخابية، بالتوازي مع الهيئات الرسمية المعنية بالرقابة كتقرير دائرة المحاسبات"، مؤكدة أن المبادرة ستعتمد على الملاحظة المباشرة لمظاهر الحملة بمختلف أنواعها في عديد القوائم ومقارنتها بالتكلفة الحقيقية ورصد مختلف التظاهرات للقوائم المترشحة. وبينت أن "المراقبة ستركز أيضاً على المخالفات المتعلقة بشراء الأصوات، وهي مشكلة يصعب مراقبتها وإثباتها في العالم، فالقانون الانتخابي يضم عدة ثغرات ويضم فصلاً واحداً حول شراء الأصوات، وبالتالي سيتم اعتماد الملاحظة الميدانية والبحث في محاولات شراء الأصوات في مختلف التظاهرات التي تقوم بها الأحزاب، والبحث عما إذا كانت هناك محاولات لاستمالة الناخبين". وأكدت أن المنظمة ستقوم بإجراء استبيان، سيشمل 400 مواطن، في أهم 6 بلديات، ومحاولة رصد هذه الظاهرة والبحث في مدى قبول التونسي لهذه الممارسة من الأحزاب. وبيّنت أنه سيتم التركيز على استغلال الموارد العمومية للدولة، باعتبار أن بعض الأحزاب المعنية بالانتخابات البلدية موجودة في السلطة، ويمكن أن تستغل موارد الدولة، رغم أن هذا الأمر لم يكن مطروحاً في انتخابات 2014.