بعد أيام على انتهاء ولايته الرئاسية، وتحوّله لرئيس سابق، عاد سركيسيان من البوابة الواسعة إلى السلطة في يريفان، عبر ترؤسه الحكومة. ففي ظلّ تعديل الدستور في البلاد عام 2015، الذي جعل من منصب الرئاسة فخرياً، ومنصب رئاسة الحكومة متقدّماً على رئيسي البرلمان والجمهورية، بات جلياً أن التعديل استهدف ديمومة القبضة الحديدية لسركيسيان أطول فترة ممكنة. فهو بعد مضيّ ولايتين رئاسيتين، تحوّل لرئاسة الحكومة، حاملاً معه قوته الدستورية. مع العلم أن أرمين سركسيان، حليف سيرج (لا قرابة بينهما)، أدى اليمين الدستورية رئيساً الأسبوع الماضي بعدما انتخبه البرلمان، وقال سيرج سركيسيان المنتهية ولايته في مارس/آذار الماضي، إنه "سيصبح رئيساً للوزراء كي يسمح لحليفه بالاستفادة من خبرته"، مضيفاً "لدي من النفوذ والسلطة ما يكفي لجعل فرعي السلطة التنفيذي والتشريعي يعملان بفاعلية". وصوّت البرلمان بواقع 77 مقابل 17 لصالح تعيين سيرج سركيسيان. لم تستسغ المعارضة الأرمينية خطوات سركيسيان، فانتفضت ضده، وسبق لها أن فهمت الوضع الأسبوع الماضي، فنظمت تظاهرات استباقية لم تردعه من مواصلة خطواته.
أدى كل ذلك إلى تظاهر عشرات الآلاف يوم الثلاثاء في يريفان. وقال زعيم المعارضة نيكول باتشينيان، الذي دعا إلى التظاهر، إن "عشرات الآلاف احتشدوا في ساحة الجمهورية في وسط العاصمة، احتجاجاً على تعزيز سلطات سركيسيان، إثر تخليه عن منصب الرئيس الأسبوع الماضي بعد أن بات فخرياً". وأعلن باتشينيان أن "اليوم هو بداية ثورة مخملية سلمية في أرمينيا"، داعياً المحتجين إلى "عرقلة عمل كافة الهيئات الحكومية". وقالت الطالبة كارن ميرزويان لـ"فرانس برس" خلال التظاهرة، إنه "لا يجب أن ندع أرمينيا تتحول إلى حكم الفرد الواحد فيبقى رجل في السلطة لفترة غير محدودة". كما رأت المتظاهرة روزا تونيان، أن "سركيسيان كذب على الناس بعد أن وعد بأنه لن يصبح رئيساً للوزراء بعد فترتين رئاسيتين". وتحرّك المتظاهرون حاملين أعلام أرمينيا وهم يهتفون "أرمينيا بدون سيرج".
وإثر الإعلان عن "الثورة المخملية" بحسب ما يسميها المعارضون، حاصر متظاهرون مداخل أكثر من عشرة مبان حكومية بينها وزارة الخارجية والمصرف المركزي، لكن الحزب الجمهوري الحاكم تجاهل الاحتجاجات. وخرجت مسيرات معارضة أيضا في ثاني وثالث أكبر مدن البلاد غومري وفانادزور. وقالت الشرطة إنها "أوقفت 80 متظاهراً لفترة وجيزة". كما استخدمت الشرطة قنابل الصوت لتفريق متظاهرين حاولوا عبور حواجز من الأسلاك الشائكة بالقوة سعياً للوصول لمبنى البرلمان. وأعلنت إصابة 46 شخصاً بجروح طفيفة بينهم باتشينيان وبعض رجال الشرطة. ودان المتحدث باسم الحزب الجمهوري، نائب رئيس البرلمان إدوارد تشارمازانوف التظاهرات التي وصفها بـ"أجندة المعارضة المصطنعة والمزيفة".
ويحكم سركيسيان أرمينيا منذ فوزه بالرئاسة في عام 2008، وسبق أن تولّى أيضاً رئاسة الوزراء بين 2007 و2008. وفي كل مرة كان يرغب بتمرير إصلاحات دستورية أو الردّ على المعارضة والاحتجاجات ضده، كان يستغلّ الصدام العسكري مع أذربيجان في شأن إقليم ناغورنو ـ كاراباخ، وهو ما دفعه للاستمرار في الحكم. كما عوّل على روسيا في شأن ضمّ أرمينيا إلى منظومة "الاتحاد الأوراسي"، إحياءً لفكرة جمع جمهوريات سوفييتية سابقة تحت راية الكرملين. ومع أن سركيسيان ممسك بأرمينيا عسكرياً وأمنياً، إلا أنه بعد سقوط العديد من الجرحى، فإن الاضطراب الأرميني سيدفع روسيا للتدخّل سياسياً، لنصرة رجلها في يريفان أو لفتح الباب الخلفي لتأمين خروجه من البلاد، كما فعلت مع يانوكوفيتش في أوكرانيا. وتأتي الاحتجاجات الأرمينية قبل أيام على الذكرى السنوية الـ103 لما يعتبرونه "الإبادة الأرمينية" في 24 إبريل/نيسان الحالي.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)