وعززت هذه التطورات الاتهامات، الأميركية والفرنسية على وجه التحديد، لروسيا ونظام الأسد بالعمل على تدمير أدلة الهجوم الكيميائي لا سيما بعد إعلان مدير منظمة (الخوذ البيضاء) السورية للإغاثة، رائد الصالح، أن المنظمة حددت للمفتشين الدوليين أماكن دفن ضحايا الهجوم الكيميائي، الأمر الذي سيؤدي إلى توفر أدلة إضافية بشأن الهجوم وطبيعته. وبينما تتحرك روسيا والنظام السوري لمحو أي أدلة من شأن إدانتهما بمجزرة الكيميائي، بدأ المبعوث الأممي إلى سورية سيتفان دي ميستورا، من تركيا، حراكاً من أجل إعادة تفعيل مسار المفاوضات السياسية، فيما أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إريك باهون، أن "الولايات المتحدة طلبت من حلفائها، بمن فيهم شركاؤنا بالمنطقة (لم يسمهم)، تقديم مساهمة أكبر لتحويل سورية إلى مكان للاستقرار والسلام وغير قابل لعودة داعش إليه مرة أخرى"، وذلك رداً على ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، الثلاثاء، بأن إدارة دونالد ترامب تسعى إلى تشكيل قوة عربية لتعويض الوحدات الأميركية الموجودة في سورية.
عرقلة زيارة المفتشين الدوليين
وتعثر دخول فريق المفتشين الدوليين إلى دوما، بعدما نقلت مصادر، تحدثت مع وكالة "رويترز"، عن المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أحمد أوزومجو قوله إن الفريق الأمني التابع للأمم المتحدة الذي كان يقوم بمهمة استطلاعية في دوما السورية تعرض لإطلاق نار أول من أمس الثلاثاء. وبحسب أوزومجو، إن الفريق الأمني اضطر للانسحاب مؤجلاً وصول مفتشي الأسلحة الكيميائية للمكان والذي كان مقرراً أمس. كذلك قال المندوب البريطاني لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بيتر ويلسون، أمس الأربعاء إنه من غير الواضح متى ستتمكن بعثة تقصي الحقائق التابعة للمنظمة من دخول دوما بسلام.
من جهته، روج مسؤول مقرب من النظام السوري لرواية أن الفريق الأمني قابل محتجين يتظاهرون ضد الضربات التي تقودها الولايات المتحدة، لكنه لم يذكر أي إطلاق للنار. وقال إنها كانت رسالة من الشعب، مضيفاً أن البعثة ستواصل عملها. وكان النظام السوري قد حاول الترويج، منذ يوم الثلاثاء، لأن المفتشين دخلوا إلى دوما، وهو ما ردت عليه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر نويرت، التي أكدت أن الولايات المتحدة لا تعتقد أن المفتشين دخلوا دوما، وأن الأدلة عرضة للتلف بسبب التأخير. وأضافت: "رأينا أن هدف الحكومتين الروسية والسورية من هذا الأمر هو محاولة التغطية. هدفهما هو محاولة صرف الانتباه". وقالت: "لكن حقيقة الأمر هي أن بشار الأسد مسؤول من جديد عن قتل الرجال والنساء والأطفال الأبرياء بالغاز"، فيما اعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية، أول من أمس الثلاثاء، أنه "من المحتمل للغاية أن تختفي أدلّة عناصر أساسية من موقع الهجوم الكيميائي المفترض".
كما تضمنت محاولات العرقلة، إبلاغ السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا مجلس الأمن الدولي أنه "لا جدوى من إجراء تحقيق جديد لتحديد المسؤول عن الهجمات بالأسلحة الكيميائية، لأن الولايات المتحدة وحلفاءها تصرّفوا على أنّهم القاضي والجلّاد". وجاء ذلك خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي للمرّة السادسة خلال تسعة أيام بشأن الوضع السوري ولا سيما الهجوم الكيميائي على مدينة دوما. وكان من المتوقّع أن يبدأ الفريق عمله في تقصّي الحقائق، يوم الأحد الماضي، لكنّ "المسؤولين السوريين والروس أبلغوا الفريق بأنه لا تزال هناك قضايا أمنية عالقة يجب الانتهاء منها قبل الانتشار"، وذلك وفقاً لما ذكرت المنظمة ومقرها لاهاي.
وفيما تقول الولايات المتحدة وفرنسا إن التأجيل قد يُستخدم لتدمير أدلة على الهجوم، تنفي روسيا والنظام السوري استخدام الغاز السام أو إعاقة التحقيق أو العبث بالأدلة.
ويحاول النظام والروس الترويج لأن إخفاء الأدلة أمر مستحيل. لكن مسؤول العلاقات الخارجية في مركز توثيق الانتهاكات الكيمائية في سورية، نضال شيخاني، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "من الممكن إخفاء أدلة استخدام الغازات السامة، وإن كان تعمد تأجيل دخول اللجنة المكلفة بجمع الأدلة من لبنان إلى سورية ليومين، ومن ثم إبقاءها في دمشق نحو 3 أيام من دون أن تدخل إلى دوما، وبالرغم من أنها تحت سيطرة النظام، ومن السهل دخولها حيث كان إعلام النظام يتجول في جميع أرجاء المنطقة، وهنا لدينا احتمال كبير أن تكون مواقع الهجوم الكيميائي قد تم مسحها من قبل فرق مختصة تتبع للهندسة الكيميائية".
وأعرب عن اعتقاده بأن "النظام والروس لديهم أكثر من آلية للعمل على إخفاء الغازات السامة إن كان كلور أو سارين أو ما يشابههما"، مبيناً أن "تلك الغازات تم استخدامها في ثلاث نقاط محددة، إحداها على الطريق العام، وهنا يرجح استخدام الكلور. النقطة الثانية داخل مبنى والنقطة الثالثة هي مستشفى". وأوضح أنه "في النقطة الثانية أو الثالثة يرجح استخدام غاز أعصاب قد يكون السارين".
واعتبر أن "من الآليات التي قد تتم لإخفاء آثار الغازات السامة التي استخدمت في دوما، مسح المناطق بمواد كيميائية أخرى، أو تدمير الأبنية المستهدفة؛ وهنا يتم تدمير مسرح الجريمة وتفقد اللجنة القدرة على أخذ عينات، أما نقطة الشارع العام فقد يتم تجريفها إذا افترضنا أن غاز السارين استخدم به، وإن كان المستخدم غاز الكلور فأثره يتلاشى بعد 48 ساعة تقريباً، وحتى غاز السارين يمكن أن يتلاشى بعد 10-15 يوماً". ولفت إلى أنه "كان لدى النظام والروس الوقت الكافي لعمل ذلك"، مشيراً إلى أن "هناك احتمال أن يكون النظام استخدم تركيبات كيميائية خاصة مع غاز السارين بهدف التضليل، لكن من المؤكد أنه استخدم غاز أعصاب استناداً إلى الأعراض التي أصابت الضحايا".
وعلى الرغم من أن البعض يراهن على تقديم أهل المنطقة شهادات حول ما حصل، إلا أن ذلك يبدو صعباً؛ خصوصاً أن هؤلاء باتوا يعيشون تحت سيطرة النظام، ولا ضمانات لهم في حال رغبوا في التحدث بحرية. ورأى ناشطون من ريف دمشق، أن القلة المتبقية من المصابين في دوما، لن تجرؤ على مقابلة اللجنة حتى، لافتين إلى أنه لا أحد يعلم مدى الرعب الذي يسببه النظام للأهالي، خصوصاً في ظل عدم وجود قانون أو رادع حتى أخلاقي.
حراك دي ميستورا
في غضون ذلك، وصل دي ميستورا، أمس الأربعاء، إلى العاصمة التركية أنقرة في وقت يتوقع فيه أن يلتقي، غداً الجمعة، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو قبل أن ينتقل إلى طهران أيضاً لبحث سبل حل الأزمة السورية، وكيفية إكساب زخم لمحادثات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة.
كما من المتوقع أن يستشير دي ميستورا عدداً من الوزراء الأوروبيين وكبار ممثلي الولايات المتحدة، في مؤتمر بروكسل حول سورية المقرر عقده يومي 24 و25 إبريل/ نيسان الحالي. وكانت أحدث جولة من المباحثات السورية - السورية وهي التاسعة من نوعها قد عقدت بمقر الأمم المتحدة في العاصمة النمساوية فيينا في 25 و 26 يناير/ كانون الثاني الماضي ولم تسفر عن نتائج مثمرة، فيما حمّل دي ميستورا يومذاك النظام السوري مسؤولية عدم تقدم مسار الحل السياسي.
وفي السياق، تلقى دي ميستورا عرضاً من المستشار النمساوي سيباستيان كورتس بأن تعمل بلاده وسيطاً محتملاً لحل الأزمة السورية. وقال المستشار النمساوي، في بيان، أمس الأربعاء، إنه ووزيرة الخارجية النمساوية كارين كنايسل اتصلا بدي ميستورا وأبلغاه رغبة النمسا في القيام بهذا الدور انطلاقاً من كون فيينا مكاناً معروفاً للحوار الدولي وبناء الجسور بين الأطراف المتنازعة. وأكد كورتس في بيانه عدم إمكانية الحل العسكري للنزاع في سورية، مبيناً أنه تحدث مع المبعوث الدولي بشأن تدابير بناء الثقة المحتملة والخطوات الأولى نحو التوصل إلى حل سلمي لهذا النزاع المستمر منذ عدة سنوات. وأضاف: "ليست هناك حاجة إلى مزيد من التصعيد بخاصة بين الدولتين الكبريين روسيا والولايات المتحدة مهما كان الثمن".
من جهته، وصف رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، أمس الأربعاء، الضربة الأميركية- الفرنسية- البريطانية ضد مواقع للنظام السوري بأنها كانت "ضرورية"، داعياً إيران وروسيا إلى المشاركة "بجدية" في العملية السياسية لحل الأزمة السورية.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)