ويعتبر "حزب الله" و"أمل" أن للجنوب أهمية خاصة وأساسية، ومع سعيهما لـ"إراحة نفسهما" في مواقع عدة، سواء في الزهراني وصور والنبطية وبنت جبيل، فإنهما يتركان للمنافسة مجالاً في صيدا وجزين ومرجعيون وحاصبيا، على أنها منافسة لا تضرّهما، لا على صعيد المقاعد النيابية ولا على صعيد الانتشار الشعبي. أمّا بالنسبة لليسار، فإنه أمام فرصة للعودة إلى قلاعه الأساسية في الجنوب من دون آمال كبيرة بقدرته على الوصول إلى البرلمان. اليسار الذي انطلق من الجنوب في سبعينيات القرن الماضي، لمواجهة احتكار شركة "الريجي" لزراعة التبغ، ومواجهة سوء التوظيف والمعاملة في معمل "غندور" في بيروت وبعمليات مقاومة نوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بات مؤهلاً للرجوع إلى الجنوب. مع العلم أنه لو اتحدت اللوائح المعارضة، خصوصاً اليساريين، لكان بالإمكان الحديث عن احتمالات للاختراق. لكن الحزب الشيوعي عمل أكثر تحت مظلة "حزب الله" في السياسة العامة، وهو ما أدى إلى ابتعاد أجزاء كبيرة من القواعد الشيوعية عن الحزب الأم. وتنحصر مشكلة الحزب الشيوعي مع "حزب الله" في الموقف الاجتماعي الاقتصادي لا السياسي العام، أكان في الموقف من سلاح الحزب والحرب السورية أم في ممارسات "حزب الله" في الداخل اللبناني كمهيمن على الدولة في معظم مؤسساتها.
في دائرة الجنوب الأولى (صيدا ـ جزين)، التي تضمّ 5 مقاعد نيابية، مقعدان سنيّان لصيدا، ومقعدان مارونيان وآخر كاثوليكي لجزين، تتنافس 4 لوائح. لائحة "صيدا وجزين معاً" التابعة لتحالف "التيار الوطني الحرّ" مع "الجماعة الإسلامية" ورئيس بلدية صيدا السابق عبدالرحمن البزري، في مشهد غير اعتيادي خصوصاً للعونيين، الذين وجدوا أنفسهم متحالفين مع أحفاد حسن البنّا، أي مع الجماعة الإسلامية (الجناح اللبناني للإخوان المسلمين) في صورة مناقضة لخطابهم السياسي المسيحي الطائفي والمحرض على الثورات العربية ووصفها بـ"الخراب العربي" و"الخريف العربي". مع العلم أن العونيين تعنيهم جزين كثيراً، خصوصاً أنه في عام 2008، قال رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل، إنه "يعمل لاستعادة جزين من الحلفاء"، أي من "حركة أمل" تحديداً، وهو ما أدى إلى انتصار كاسح للعونيين، في الانتخابات النيابية 2009 ثم البلدية 2010 في جزين، على حساب "أمل". بالتالي، فإن القانون الانتخابي الجديد النسبي المشوه، يتيح المجال لعودة جزئية لـ"حركة أمل" إلى القضاء عبر المرشح إبراهيم عازار.
في المقابل، تبرز لائحة "لكل الناس" التابعة لتحالف "حزب الله" و"أمل" و"التنظيم الشعبي الناصري"، في صورة شبه مؤكدة لعودة أسامة سعد إلى تحت قبة البرلمان، بعد غياب طويل دورة كاملة. كما تبرز لائحة "قدرة التغيير" غير المكتملة، التابعة لـ"القوات اللبنانية"، والساعية لخطف مقعد نيابي في جزين. بالنسبة لـ"القوات"، فإن العودة إلى جزين أو شرق صيدا، بعد سقوطهم العسكري فيها عام 1985، زمن الحرب اللبنانية، هو أمر "عاطفي" بدرجة أولى. أمّا "تيار المستقبل"، فيخوض معركته الصيداوية في عقر داره ومسقط رأس رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، بلائحة "التكامل والكرامة" بالتحالف مع نجل أحد قياديي "حزب الكتائب" وهو إدمون رزق، الذي كان أحد أبرز رجال الرئيس أمين الجميل أيام رئاسته الجمهورية (1982 ـ 1988)، في مسعى للمحافظة على المقعد النيابي لبهية الحريري، عمّة رئيس الحكومة سعد الحريري. ويبلغ عدد الناخبين في هذه الدائرة 122382 ناخباً، 119909 من المقيمين و2473 سيصوّتون في الخارج.
في دائرة الجنوب الثانية (صور ـ الزهراني)، التي تضمّ 7 مقاعد نيابية، 4 مقاعد شيعية لصور، ومقعدين شيعيين وآخر كاثوليكيا للزهراني، تتنافس لائحتان، واحدة مكتملة، وهي لائحة "الأمل والوفاء" التابعة لتحالف "حزب الله" و"أمل"، في مقابل لائحة غير مكتملة بعنوان "معاً نحو التغيير"، المدعومة من مستقلين وقوى يسارية و"التيار الوطني الحرّ". وتسعى هذه اللائحة لمحاولة خطف مقعد واحد، وهو إما مقعد شيعي لرياض الأسعد على حساب علي عسيران، أو مقعد كاثوليكي لوسام الحاج، على حساب ميشال موسى. مع العلم أن الرقم الأصعب في منطقة الزهراني، هو رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي لا يخوض معركة نيابية، بقدر خوضه معركة الاستمرار في رئاسة المجلس، إثر تداول أنباء عن مسعى لتغييره بعد الانتخابات النيابية. ويبلغ عدد الناخبين في هذه الدائرة 304217 ناخباً، 296242 من المقيمين، و7975 سيصوّتون في الخارج.
في دائرة الجنوب الثالثة (بنت جبيل - النبطية ــ حاصبيا ومرجعيون، وهي مناطق عمق الجنوب والشريط الحدودي)، التي تضمّ 11 مقعداً نيابياً، 3 شيعية لبنت جبيل و3 شيعية للنبطية، وشيعيين وسنيّا ودرزيا وأورثوذكسيا في حاصبيا ومرجعيون، تتنافس لائحة "الأمل والوفاء" التابعة لـ"حزب الله" و"أمل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" و"الحزب السوري القومي الاجتماعي" و"حزب البعث"، ولائحة "الجنوب يستحق" المدعومة من "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحرّ" و"الحزب الديمقراطي اللبناني"، ولائحة "شبعنا حكي" غير المكتملة، التابعة لـ"القوات اللبنانية" ومستقلين ومجموعات مدنية، ولائحة "صوت واحد للتغيير" التابعة للشيوعيين ومجموعات يسارية واليسار الديمقراطي، ولائحة "فينا نغيّر" التابعة لمجموعات مدنية ومستقلة وأحمد الأسعد، نجل رئيس المجلس النيابي الراحل كامل الأسعد، ولائحة "كلنا وطني" التي تشارك في تلك الدائرة من ضمن مشاركتها في 9 دوائر في لبنان.
في هذه الدائرة، من المفترض احتدام المعركة في حاصبيا ومرجعيون، لكن تعدّد اللوائح المنافسة لـ"حزب الله" و"أمل"، قد يجعل إمكانية الخرق واردة في مقعدين على الأكثر، وتحديداً في مقعد سنيّ وآخر أرثوذكسي، وذلك إثر فشل المفاوضات في توحيد صفوف المعارضين في لائحة واحدة. كما يعتبر "حزب الله" أن الامتداد الطبيعي له في تلك المنطقة بمواجهة "إصبع الجليل" المحتلّ، هو أساسي كمعركة بعلبك ـ الهرمل، من الجهة الشرقية للبنان. وينبع اطمئنانه أكثر في تلك الدائرة من تشتت المعارضين. وتشهد الدائرة هذه مشاركة رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" محمد رعد (الممثل الشخصي للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في طاولات الحوار والجلسات النيابية)، في المنافسة على مقعد نيابي في النبطية، مع شبه إقرار بفوزه المحتوم. ويبلغ عدد الناخبين 460491 ناخباً، 451759 من المقيمين و8732 سيصوّتون في الخارج.