يخشى السويديون تأثيراً روسياً على انتخاباتهم العامة بعد أشهر، فيما يحذّر جيرانهم الدنماركيون من"عدوانية" روسية في ممارسة التجسس والتأثير بوسائط التواصل الاجتماعي لزعزعة "أمن المجتمع والديمقراطية والحريات".
وخلص تقرير سنوي للاستخبارات الدنماركية، "بِيت"، نشرت بعض مقتطفاته اليوم السبت، إلى "التحضر جيداً لأعمال تجسسية كبيرة"، مشيراً إلى أن أعمال التجسس تمثل التهديد الأكبر للمصالح القومية، مع التحذير طبعاً من التهديدات الإرهابية. واعتبر الجهاز الأمني المنوط به "الحفاظ على الحريات والنظام الديمقراطي وأمن المجتمع الدنماركي"، أنه سيكون لزاماً "العمل وفق خطة مكافحة التجسس، للوصول إلى هؤلاء الذين يعملون على تهديد مجتمعنا".
ويبدو أن الثقة حول مصادر تهديد التجسس وأدواته تجعل الاستخبارات الدنماركية تجزم أن "الأمر يتمّ عبر ضباط استخبارات من أجهزة أجنبية، إما في الدنمارك أو خارجها، ويتخفون تحت صفة دبلوماسية، أو صحافية أو تحت غطاء الأعمال والسياحة".
وتأتي التقديرات الاستخبارية الدنماركية على خلفية تزايد التوتر بين أوروبا وروسيا خلال السنوات الماضية. ويعمل أيضاً جهاز الاستخبارات العسكري الدنماركي بشكل نشط لمتابعة الأعمال الروسية في منطقة البلطيق. وتذهب الأجهزة الدنماركية إلى مطالبة السياسيين، منذ العام الماضي، بتقوية "أعمال مكافحة التجسس لمواجهة التهديدات الواضحة من قبل حكومات أجنبية ضد بلدنا".
وفي تقديرات خبراء أمنيين، مثل الباحث في شؤون الإرهاب في الأكاديمية الدفاعية في استوكهولم، مانوس راسنتروب، فإن التوترات مع روسيا "تخلق أجواءً استخبارية صعبة في مجال مكافحة التجسس لعدد من الأجهزة الغربية". ويرى رانستروب، وفقاً لما تنقل عنه صحيفة "يولاندس بوستن" في كوبنهاغن، أن "أعمال التجسس الروسية والصينية عبر الإنترنت غير كافية لها، فلذلك هي تعمل عبر عملاء للوصول إلى معلومات سرّية عن مسائل دفاعية وأمنية وسياسية وتجارية، وهي أعمال عدوانية وصعبة المواجهة".
ويبيّن الخبير الأمني والعسكري أنه على ضوء النشاطات الأمنية خلال الفترة الماضية، وما تحمله تقديرات الأجهزة الاستخبارية الأوروبية، "هناك فرق بين عمل الصينيين والروس في المجال التجسسي، فالطرف الأول مهتم بالتجسس الصناعي والتجاري، فيما الروس يذهبون مباشرة نحو العمل للتأثير من خلال هذه الأعمال، على السياسات والحياة في الغرب، وخصوصاً باستخدام التجسس والمعلومات لبثّ أخبار ومعطيات مزيفة وخلق أوضاع غير مستقرة في عدد من دول الغرب".
وكانت دول أوروبية قد رصدت أموالاً، من خلال المفوضية الأوروبية، على مدى سنوات الأزمة الأوكرانية المستمرة، لمتابعة وتفنيد "التزييف" الذي يبثه الروس، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لما لها من تأثير على الشارع في الغرب.
وبالرغم من أن الاستخبارات الدنماركية لم تشر إلى الوسائل المستخدمة، غير أن الجهاز يخلص إلى أن "النشاطات التي تجري هي ذاتها في بقية دول الشمال ومنطقة البلطيق".
ومن الملاحظ أن الجارة الاسكندنافية، السويد، تذهب أيضاً في الاتجاه ذاته، في تقدير أخطار التجسس عليها.
إلى جانب الكشف عن تلاعب روسي، وخلق جماعات ضغط وتشبيك مع أصدقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في معسكر اليمين المتشدد، والكشف عن محاولات تجسس عبر رجال أعمال داخل برلمان استوكهولم، بدأت الأصوات الأمنية في جهاز الاستخبارات "سابو"، وعدد من المتخصصين في "سياسات روسيا الإعلامية والأمنية"، التحذير من قدرة روسيا على التأثير في سياسات استوكهولم.
ويشير هؤلاء تحديداً إلى "المخاوف" من تأثير الكرملين على انتخابات سبتمبر/أيلول المقبل البرلمانية. وفي هذا السياق، يشير رانستروب إلى أنه "رغم العمل لدرء مثل هذا التأثير الروسي على الانتخابات العامة، فإن صعوبات كثيرة تواجهها السويد والدنمارك في إمكانية محاصرتها، وخصوصاً إذا ما استخدم الإنترنت في هذا السياق".
ويقول المدير السابق لعمليات الجهاز الدنماركي، فرانك ينسن، للقناة الثانية الدنماركية "لقد جرى منذ 2015 مراسلة السياسيين حول هذه المخاطر التجسسية لتخصيص المزيد من الموازنات لمكافحة الأعمال الخطرة".
وعلى الرغم من أن أنظار الأجهزة الاستخبارية تركز اليوم على الخطر الروسي، إلا أن "مواجهة التحول الراديكالي (بشتى أنواعه، وأبرزها الديني والقومي المتطرف)، لا يزال من الأولويات، خصوصاً عبر متابعته على الشبكة"، بحسب ما يؤكد مدير جهاز الاستخبارات الدنماركي فين أندرسن. ولا يخفي أندرسن أن "مواجهة التهديدات الجديدة، الراديكالية والتجسس، تدفعنا اليوم لاختيار تعاون استراتيجي مع أجهزة أجنبية". وتسعى الاستخبارات في الدنمارك إلى "تأمين المنشآت العسكرية والبنية التحتية الحيوية والاقتصاد والعاملين في التجمعات الدولية، كأهداف محتملة".
ومنذ العام الماضي، وبعد تسرب ما يسمى "لائحة تهديد بالقتل"، تنشغل الاستخبارات الدنماركية بتأمين شخصيات سياسية وعامة في البلاد، وأضيفت تلك التهديدات إلى تشديد مراقبة من يعتقد أنهم يعملون "جواسيس" لمصلحة حكومات أجنبية.