تتميز الزيارة الحالية التي يقوم بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للولايات المتحدة، بأنها تأتي وسط تطورات، وعشية استحقاقات كبيرة وهامة في المنطقة؛ منها الملف النووي الإيراني والأزمة السورية كما في ظل استمرار الأزمة الخليجية.
والأهم أنها تحصل وفق قاعدة الحوار الاستراتيجي "الذي تم التوقيع على تفاهماته بين البلدين في يناير/كانو الثاني الماضي. وبذلك، فهي تشكل محطة أخرى في البناء على هذه الشراكة الاستراتيجية في إطار تفعيلها وتحصينها، على الصعيدين الثنائي والإقليمي.
وتشمل الزيارة مروحة واسعة من الاتصالات والمباحثات مع سائر الجهات الأميركية المعنية، السياسية والدفاعية والاقتصادية والفكرية، فقد بدأت من الجنوب، من ولاية فلوريدا، حيث التقى أمير قطر مع قيادة "المنطقة الوسطى" في تامبا، التي تتولى أمر القوات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط.
واليوم الاثنين، يبدأ الأمير مع الوفد المرافق، سلسلة اتصالات ومشاورات مع أركان الإدارة وقيادات الكونغرس في واشنطن، بالإضافة إلى لقاءات مع بعض النخب في مراكز الدراسات والأبحاث ووسائل الإعلام، لتكون ذروتها في اجتماع البيت الأبيض مع الرئيس دونالد ترامب غداً الثلاثاء.
وإذا كان الإطار الاستراتيجي للعلاقات القطرية – الأميركية والذي لا تنسجه واشنطن إلا مع دول محددة وقليلة، يضفي على الزيارة طابعاً خاصاً، يبعدها عن سياق الترويج والتسويق، فإن هناك عوامل أخرى جعلت الأجواء مواتية ومسهلة لها، ومنها أو على رأسها تعامل قطر الإيجابي مع أزمة الخليج، والقمة المقترحة في منتجع كامب دافيد.
تفيد القناعة الراجحة بل السائدة في واشنطن، بأن الاستمرار في حصار قطر لم يعد مقبولاً، بل إن جهات كثيرة رفضته منذ البداية، ولعلّ الأبرز كان وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي اصطدم مع البيت الأبيض بشأنه، وكذلك وزير الدفاع جيمس ماتيس ولو بصورة هادئة، بالإضافة إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور بوب كوركر. لكن موقف البيت الأبيض عطّل المعالجات وأطال أمد الأزمة. وهذا ليس سراً في واشنطن، كما ليس بسر أن بإمكان ترامب فك الحصار "بمكالمة هاتفية" كما صرّح وزير الدفاع خالد بن محمد العطية خلال زيارته إلى واشنطن في يناير الماضي.
ثم تعزز هذا الموقف المتعاطف مع قطر بعد عرقلة الوساطة الكويتية، وقد ظهر ذلك في وسائل الإعلام كما في الكونغرس، وكذلك أثناء الاجتماعات والنشاطات التي رافقت "الحوار الاستراتيجي" في أواخر يناير الماضي، حيث أبدى الجانب القطري استعداده للتفاوض الذي لا يمس بالسيادة. ومنذ يومين جدد السفير القطري في واشنطن الشيخ مشعل بن حمد آل ثاني، التزام الدوحة "بحل الأزمة مع جيرانها من خلال الحوار".
في المقابل، كانت وما زالت اللغة السعودية فوقية، إذ مرّ وزير خارجية السعودية عادل الجبير، على هذا الموضوع باستخفاف لا يخلو من الاستعلاء، عندما قال في واشنطن مع بداية زيارة ولي العهد محمد بن سلمان الأميركية بأن الأزمة مع قطر "فاصلة صغيرة" في برنامج الزيارة.
كما تعامل بن سلمان مع الموضوع في مقابلته مع مجلة أتلانتيك، بنفس الطريقة تقريباً حين حاول وضع الكرة في ملعب قطر، قائلاً "الجواب عندها"، أي أن عليها تلبية الشروط المطلوبة. الفارق بين الموقفين واضح وتعرفه واشنطن جيداً. وكذلك الموقف من قمة كامب ديفيد الخليجية المرتقبة.
ومقابل انفتاح قطر على عقد القمة، تردد أن السعودية عملت على ترحيلها إلى سبتمبر/أيلول المقبل، وبدا أن البيت الأبيض تجاوب مع الطلب.
المؤكد أن من شأن زيارة أمير قطر أن تزيد من وضع النقاط على حروف الفوارق بين الموقفين السعودي والقطري تجاه الأزمة، لكن مناخات التوتر السياسي الأميركي المحلي، خاصة داخل الإدارة وفي علاقاتها مع الكونغرس والآخرين، قد تشوش على هذا التوضيح.