وكان ترامب قد أعلن، يوم الخميس الماضي، إلغاء القمة مندداً بـ"الموقف العدائي لنظام بيونغ يانغ"، محذّراً إياها من "أي عمل غبي أو غير مسؤول". وجاء في الرسالة المقتضبة والمؤلفة من 20 سطراً وجهها ترامب إلى كيم، أنه "تشاور مع وزير الدفاع جيمس ماتيس، وعلم أن القوة العسكرية الأميركية أقوى في كل مكان ما من العالم، لكنني آمل بأن تكون الأمور إيجابية". وبرر البيت الأبيض إلغاء القمة بـ"عدم وفاء بيونغ يانغ بسلسلة من الوعود". وقال مسؤول أميركي إن "ترامب أملى بنفسه كل كلمة في الرسالة". وأضاف أن "هناك فقداناً عميقاً للثقة"، معبّراً عن أسفه لأن "الكوريين الشماليين لم يحضروا إلى الاجتماع التحضيري الأسبوع الماضي في سنغافورة". وقال إن "البيت الأبيض أرسل مساعد أمينه العام وفريقاً. انتظروا وانتظروا، لم يصل الكوريون الشماليون. لم يقل لنا الكوريون الشماليون شيئاً". وفي إشارة إلى استمرار التوتر، أفاد وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي زار بيونغ يانغ سابقاً والتقى كيم، بأن "العقوبات الأميركية مع الحلفاء على كوريا الشمالية مستمرة، والضغط سيتواصل والأمر لن يتغير".
وجاء رد فعل بيونغ يانغ الفوري على الإعلان تصالحياً. فقد صرح كيم كي غوان، النائب الأول لوزير الخارجية الكوري الشمالي، في بيان نشرته وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية، بأن "الإعلان المباغت لإلغاء الاجتماع كان غير متوقع بالنسبة إلينا، ولا يسعنا إلا أن نجده مؤسفاً للغاية". وأضاف "نعلن مجدداً للولايات المتحدة رغبتنا بالجلوس وجهاً لوجه في أي موعد وبأي شكل لحل المشكلة". وقبل الإعلان الأميركي عن إلغاء القمة تماماً، قالت كوريا الشمالية إنها "دمّرت بالكامل موقعها للتجارب النووية في بونغي-ري"، في خطوة أكدت أنها "مبادرة حسن نية تمهيداً للقمة". وحضر عملية التفجير صحافيون أميركيون، بدعوة من كوريا الشمالية. وقال مراسل قناة "سي أن ان" ويل ريبلي: "قرأت رسالة ترامب للمسؤولين الكوريين الشماليين. صُعقوا بما احتوته الرسالة ثم غادروا سريعاً. وقد كانت لحظة غريبة وغير مريحة". مع العلم أن كيم أفرج عن 3 رهائن أميركيين في بادرة حسن نية لإنجاح الحوار.
مع ذلك، لام الكوريون الشماليون الثنائي نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، ومستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون. ووصفت نائبة وزير الشؤون الخارجية الشمالية، تشوي سون هوي، تصريحات كان أدلى بها بنس وهدد فيها بإلغاء القمة، بأنها "غبية وتنم عن جهل". وقالت "لا يمكنني أن أكتم مفاجأتي تجاه تصريحات غبية وتنم عن جهل تصدر عن نائب رئيس الولايات المتحدة". وأضافت "لن نتوسل إلى الولايات المتحدة من أجل الحوار أو نتعب أنفسنا باللجوء إلى إقناعهم إذا كانوا لا يريدون الجلوس معنا". وكان بنس قد حذّر، يوم الإثنين الماضي، خلال مقابلة مع قناة "فوكس"، الزعيم الكوري الشمالي من "المراوغة مع واشنطن قبل القمة"، معتبراً أن "ذلك سيكون خطأ كبيراً"، وقال إن "كوريا الشمالية قد ينتهي بها الأمر مثل ليبيا إذا لم يبرم كيم جونغ أون صفقة بشأن برنامجه النووي".
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فإن "الحلّ الليبي" هو ما جعل الكوريين الشماليين يلومون بولتون، الذي اتفق معه بنس في ذلك. ويعتقد الكوريون أن "الحلّ الليبي الذي تمّ في عامي 2003 و2004، عبر إنهاء البرنامج النووي الليبي، أدى إلى سقوط العقيد معمّر القذافي في عام 2011. واللوم على بولتون منبثق من أن ترامب بنفسه سبق له أن قال إن "الحلّ الليبي غير وارد"، قبل حديث بنس.
لكن الانتقادات التي تعرض لها ترامب وفريقه لم تتوقف عند كوريا الشمالية، بل شملت مساعدي باراك أوباما. وقالت مستشارة الأمن القومي في عهد أوباما، سوزان رايس، إن "تقارب الإدارة الأميركية مع كوريا الشمالية، كساعة طويلة للهواة"، معتبرة في تغريدة لها على موقع "تويتر"، أن "الأمر لا يختلف عن مقاربات ترامب تجاه كل القضايا الأخرى، لكن مع كوريا الشمالية إن المخاطر لا يمكن أن تكون أعلى". بدورها، وصفت إيفلين فاركاس، والتي عملت على ملف كوريا الشمالية في إدارة أوباما، ترامب بـ"الساذج"، وأنه "فشل في التصرّف كرئيس سلطة يُبدّي المصالح الوطنية على حساب المشاعر الشخصية".
وأثار قرار ترامب استياء كوريا الجنوبية التي بدأت مرحلة انفراج واضحة مع الشمال. وقال الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي ـ إن، إن "الإعلان شكّل صدمة، ومؤسف جداً". وأبدى رغبته في التوسط بين كيم وترامب لإزالة العقبات.
بدورها، دعت وزارة الخارجية الصينية، أمس، الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى "التحلّي بالصبر والتوصل إلى حلول وسط"، حسبما أشارت المتحدثة باسم الخارجية الصينية لو كانغ، في إفادة صحافية يومية، معتبرة أن "ترامب قال إنه لا يزال يرغب في لقاء كيم في المستقبل". مع العلم أن ترامب ألقى باللوم على الصين لـ"تأثيرها" على كيم، قائلاً "خلال لقاء كيم مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، في الصين، في الزيارة الثانية، أعتقد أن شيئاً تغير مع كيم. لا أحب ذلك من الصين، وآمل ألا يكون الأمر صحيحاً، لأنني أملك علاقة ممتازة مع الرئيس شي وهو صديقي. أحبه ويحبني".
وفي إشارة إلى الدور الصيني، نشر موقع "ذي أتلانتيك" تقريراً أشار فيه إلى أن "الولايات المتحدة قامت باستبعاد الصين من مناورات عسكرية لعدد من الدول المطلة على المحيط الهادئ والتي تجري مرتين كل سنة، وذلك بسبب انتهاك الصين لوعدها بعدم عسكرة جزر سبراتلي في بحر الصين الجنوبي، حسب ادّعاءات وزارة الدفاع (بنتاغون)". وأضاف التقرير أن "المسؤولين العسكريين الأميركيين قالوا إن لدى الولايات المتحدة أدلة على أن الصين قامت بنشر صواريخ مضادة للسفن وأنظمة صواريخ أرض جو وتجهيزات أخرى في جزر سبراتلي".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)