عُقدت اليوم الثلاثاء أولى المحاكمات العلنية لمنتهكي حقوق الإنسان في عهد الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، والتي قدمتها هيئة الحقيقة والكرامة للدائرة المتخصصة في العدالة الانتقالية في قابس جنوب البلاد.
ويشتبه بتورط عدد من المسؤولين والأمنيين، وعدد من الوزراء والأطباء في عهد بن علي بتهمة التعذيب والقتل والإخفاء القسري، واستمرت الجلسة عدة ساعات وخصصت لسماع الشهود في قضية مقتل المعارض وعضو حركة النهضة (الاتجاه الإسلامي سابقًا)، كمال المطماطي.
وتميزت الجلسة، التي تأتي بعد مضي 7 سنوات من الثورة التونسية، بحضور مكثف للمحامين والحقوقيين والسياسيين والنواب وعائلة المطماطي وجمعيات ومنظمات دولية. ولئن كانت بعض الأطراف قد عولت على حضور الجلادين أو عدد منهم، فإن هؤلاء غابوا عن جلسة اليوم، فيما حضر بعض الشهود من الأمنيين ممن وجِدوا أثناء وقوع الحادثة.
ورفع حقوقيون ومناصرون للعدالة الانتقالية عددا من الشعارات أمام المحكمة الابتدائية بقابس، ومنها "الشهيد ترك وصية لا تنازل عن القضية"، و"أوفياء أوفياء لدماء الشهداء"، و"أين المطماطي؟" و"يا أحرار ويا ثوار سنكمل المشوار".
وعلم "العربي الجديد" أن الدعوة وجهت إلى القيادي بحركة "النهضة"، ونائب رئيس مجلس نواب الشعب، عبد الفتاح مورو، للإدلاء بشهادته، بحكم أنه سبق له وصرح بأن أحد المسؤولين الأمنيين أخبره أن جثة المطماطي مدفونة في أحد الأعمدة الأسفلتية بأحد الجسور.
وقال القيادي في حركة "النهضة"، وأحد الذين انتقلوا اليوم إلى محافظة قابس، نجيب مراد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ تونس عاشت يومًا تاريخيًا، بخاصة محافظة قابس، التي شهدت أولى محاكمات مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، مبينًا أن هذه المحاكمة أحيت وجددت وعود الثورة التونسية في محاسبة الدكتاتوريين والجلادين.
وأوضح أن قانون العدالة الانتقالية يشمل الفترة من 1951 إلى 15 ديسمبر/كانون الأول 2013، وأن مثل هذه القضايا لا تسقط بمفعول الزمن، وأنه رغم محاولات البعض إلغاء مسار العدالة الانتقالية، فإنها بدأت تخطو أولى خطواتها في كشف الانتهاكات.
وأضاف أنّ كثرا قدموا من محافظات القصرين وسوسة وقبلي والمهدية، وأن الأمل عاد للكثيرين منهم من أجل أن يستردوا حقوقهم التي ظلت مغيبة، ولكشف الانتهاكات التي حصلت في تلك الفترة، ولرد الاعتبار لعائلاتهم.
وأكدت نعمية المطماطي، شقيقة الراحل كمال المطماطي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنهم "انتظروا كثيرًا هذه اللحظة، ولم يتوقعوا يومًا أن تتم محاكمة الجلادين؛ الأمر الذي يشعرهم اليوم بالراحة، وبأن الحق مهما طال الزمن سيظهر ويعود إلى أصحابه، مضيفة أنهم تفاجأوا بالحضور الكبير لمواكبي الجلسة، سواء كان ذلك داخل المحكمة أو خارجها، مبينة أن بعض الشهادات التي قدمها شهود العيان من الأمنيين الذين واكبوا الحادثة لم تكن في حجم الانتظارات؛ إذ إنهم لم يقدموا التفاصيل، بخاصة تلك التي تتعلق بتهم التعذيب، ولكن الجلسة في العموم كانت جيدة وشكلت انتصارًا للحق".
وكشفت نعمية أن شقيقها كمال مولود في 3 مارس/آذار 1956، وكان عمره عند وقوع الحادثة 22 سنة، أما ابنته فقد تركها الراحل رضيعة ولم تتعد بضعة أشهر، مبينة أن ما حصل مأساة كبيرة وحطم العائلة، ولكنهم يأملون اليوم في معرفة مكان دفن شقيقها.
بدوره، قال جمال بركات، شقيق الراحل فيصل بركات، إنه ولأول مرة يتم السماح في جلسة مماثلة للمحامين بتوجيه الأسئلة للشهود، مبينًا أنهم كانوا يتوقعون تأجيل الجلسة، ولكن القاضي أدارها بطريقة راقية جدًا من حيث نوعية الأسئلة التي صاغها وكيفية الاستماع للشهود، مبينًا أن اللحظة فعلًا كانت هامة وتاريخية، وأنهم متمسكون كعائلات ضحايا بكشف الحقائق.
وأضاف جمال أن المتورطين في مثل هذه الانتهاكات ليسوا بشخص واحد، بل منظومة كاملة من مسؤولين أمنيين ووزراء، كالعدل والداخلية، وأمنيين، وحتى رأس النظام، إذ إن التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان كانت تتم بطريقة ممنهجة، مضيفًا أنه مباشرة بعد جلسة ملف المطماطي، إن القضايا ستتوالى، ومنها قضية شقيقه فيصل بركات، والتي سيتم خلالها كشف عدة حقائق، بخاصة أنه يملك أدلة مكتوبة من رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس المخلوع حول منهجية التعذيب والتصفية.
وبيّن أنه في 29 يونيو/حزيران سيتم تنظيم جلسة في نابل تهم ملف الراحل رشيد الشماخي، وفي 4 يوليو/تموز ستخصص جلسة بمحكمة الكاف لقضية نبيل بركاتي، ويوم 6 يوليو/تموز بنابل ستخصص جلسة لقضية فيصل بركات.
ويُذكر أن هيئة الحقيقة والكرامة نظرت في 62 ألف ملف، ووجهت 32 ملفًّا للقضاء المتخصص في العدالة الانتقالية بعدد من المحاكم التونسية، ومنها قابس والكاف ونابل وتونس.