التزمت السلطات المصرية الصمت، ولم تعلق أية جهة حكومية معنية على تقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الخميس، حول حملة الاعتقالات لنشطاء سياسيين مصريين، نفّذتها الأجهزة الأمنية.
وقالت المنظمة، اليوم، إن الشرطة المصرية و"قطاع الأمن الوطني" نفّذا حملة اعتقالات ضد منتقدي الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال مداهمات جرت فجراً، منذ بداية مايو/أيار الجاري، بتهم استندت إلى منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشاطهم السلمي فقط.
وأضافت المنظمة، في بيان لها، أن الأمن المصري احتجز، لفترة وجيزة، العديد من المعتقلين سراً، بمعزل عن العالم، ومن بينهم الناشط السياسي حازم عبد العظيم، المحتجز منذ 27 مايو/أيار، والصحافي والناشط الحقوقي المعروف وائل عباس، منذ 23 مايو/أيار، والذي غطت قوات الأمن عينيه، واحتجزته 36 ساعة تقريباً في مكان مجهول قبل عرضه على النيابة.
وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، سارة ليا ويتسن، إن "الاضطهاد في مصر وصل إلى درجة اعتقال قوات السيسي نشطاء معروفين خلال نومهم، لمجرد كلامهم"، مضيفة "الرسالة واضحة: الانتقاد، بل وحتى التهكم البسيط، يؤدي بالمصريين إلى السجن الفوري".
وتأتي الاعتقالات عقب إصدار النائب العام، نبيل صادق، بياناً، في فبراير/شباط الماضي، يأمر فيه النيابة العامة بمراقبة مواقع التواصل التي "تنشر الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية"، واتخاذ المحامين العموم، ورؤساء النيابة، إجراءات قانونية ضد وسائل الإعلام والمواقع التي تبث أخباراً كاذبة، من شأنها إلقاء الرعب في نفوس أفراد المجتمع أو "تكدير الأمن العام".
وكان عبد العظيم شخصية بارزة في حملة انتخاب السيسي عام 2014، لكنه أصبح لاحقاً من منتقديه. وفي مارس/آذار الماضي، نشر عبد العظيم على حسابه بموقع "تويتر" تسجيلات لمكالمتين هاتفيتين، قال إنهما من عناصر أمن يهددونه لانتقاداته. بينما أمرت نيابة أمن الدولة العليا بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق، متهمةً إياه بـ"الانضمام لجماعة إرهابية"، و"بث ونشر أخبار كاذبة".
كما نقلت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، وهي جماعة حقوقية مستقلة، عدم تقديم قوات الشرطة التي داهمت منزل عباس مذكرة أو شرحا لأسباب اعتقاله، فضلاً عن مصادرة ممتلكاته الشخصية، كحاسبه المحمول، وبعض الكتب. ونشر عباس رسالة على حسابه بموقع "فيسبوك" الساعة 5 صباحاً، قائلا: "أنا ببتقبض عليا (يتم القبض عليّ)".
ولم يتمكن محامو عباس من تحديد مكانه أو الاتصال به في البداية، لكنهم عثروا عليه لاحقاً في مقر النيابة العامة، التي أمرت بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق، متهمةً إياه بالانتماء إلى "منظمة إرهابية"، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأفكار الجماعة و"نشر أخبار كاذبة"، وذلك بعد استجوابه من قبل عناصر الأمن الوطني مرات عدة، بحسب رئيس الشبكة، الحقوقي جمال عيد.
وأسس عباس مدونة "الوعي المصري"، وكتب عن تعذيب الشرطة والفساد، ونشر مقاطع فيديو، وصورا للاحتجاجات، وحاز جوائز عدة، منها جائزة "هيلمان هاميت" لعام 2008 من "هيومن رايتس ووتش"، و"جائزة نايت للصحافة الدولية" عام 2007، في حين سمّته شبكة "سي إن إن" الإخبارية شخصية العام في الشرق الأوسط في 2007.
ونقلت "هيومن رايتس ووتش" عن عيد، قوله إن "النيابة اتهمت عباس في القضية رقم 441 لعام 2018، والتي ادعت فيها أن المعتقلين كانوا جزءاً من الجناح الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين". وواجه صحافيون وناشطون اتهامات عديدة، خلال الأسابيع الماضية، من بينهم منتقدون لجماعة الإخوان، كرئيس تحرير موقع "مصر العربية" الإخباري، الصحافي عادل صبري.
وأشارت المنظمة إلى أنه، في 15 مايو/أيار الماضي، استدعت نيابة الجيزة الناشط شادي الغزالي حرب للاستجواب، بعد شكوى من أحد المحامين، استناداً إلى منشوراته على موقع "تويتر"، والتي تناولت مواضيع متصلة بشؤون خارجية مثيرة للجدل، مثل تنازل السيسي عن جزيرتي "تيران وصنافير" الواقعتين في البحر الأحمر للسعودية.
واتهمه الادعاء في البداية بإهانة السيسي، قائلاً إنه سيُطلق سراحه بكفالة قيمتها 50 ألف جنيه، لكن عندما ذهب محاميه لإنهاء إجراءات إطلاق سراحه، وجد أنه أحيل إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا في قضية أخرى، والتي أمرت بحجزه 15 يوماً على ذمة التحقيق، واتّهمته بـ"نشر أخبار كاذبة"، و"الانضمام إلى جماعة محظورة".
كذلك، أمرت نيابة أمن الدولة العليا بحبس المحامي والناشط المدافع عن حقوق العمال، هيثم محمدين، لمدة 15 يوماً، بتهمة "الانضمام إلى منظمة إرهابية"، و"التحريض على الاحتجاجات"، في نفس القضية التي استجوبت فيها السلطات الغزالي حرب. واعتقل "الأمن الوطني" محمدين، في 18 مايو/أيار، واحتجزه ليومين بمعزل عن العالم الخارجي.
وفي 11 مايو/أيار، اعتقلت قوات الأمن الناشطة أمل فتحي، من منزلها، بعد أن نشرت فيديو على حسابها في موقع "فيسبوك"، تنتقد فيه عدم حماية الحكومة والشرطة النساء من التحرش في الأماكن العامة، وعدم كفاءة موظفي مصرف حكومي. وألقت قوات الأمن القبض على زوجها محمد لطفي، رئيس "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، وهي مجموعة حقوقية مستقلة.
ونوهت "هيومن رايتس ووتش" إلى أن الشرطة أخذت ابنهما البالغ من العمر 3 سنوات إلى مركز الشرطة معهما، وأطلقت سراحه ولطفي بعد بضع ساعات، لكنها أبقت على فتحي، مدعيةً أن قضيتها بحاجة إلى مراجعة النيابة. وأبقت نيابة حي المعادي في القاهرة على احتجازها بتهمة "النية بإسقاط النظام الحاكم" و"إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي" و"نشر الشائعات".
وقالت شقيقة المراسل التليفزيوني الساخر، شادي أبو زيد، إن الشرطة اعتقلته، في 6 مايو/أيار الجاري، وصادرت جهازي حاسب محمول، وهاتفين، ونقودا، وكاميرا، ومتعلقات شخصية أخرى، خلال مداهمتها منزله. وقالت المحامية عزة سليمان إن مكانه غير معروف، غير أنه في وقت لاحق أمرت نيابة أمن الدولة العليا بتوقيفه بتهمة "الانضمام إلى منظمة إرهابية" و"نشر أخبار كاذبة".
واشتهر أبو زيد بفيديو ساخر يوزع فيه بالونات مصنوعة من واقيات ذكرية لعناصر شرطة، وكان في السابق مراسلاً للبرنامج الكوميدي "أبلة فاهيتا". وفي 28 مايو/أيار، تقدم محامو "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" بشكوى تتهم الشرطة بسرقة ممتلكات أبو زيد، بعد أن أبلغت الشرطة النيابة بأن كل ما صادرته من منزله كان نقوداً، ولم يتم إرجاع العناصر المصادرة.
ويمنح القانون المصري لأعضاء النيابة صلاحيات واسعة، في انتهاك للقانون الدولي، إذ تسمح لهم باحتجاز المشتبه في ارتكابهم جنايات في الحبس الاحتياطي لمدة تصل إلى 5 أشهر من دون عرضهم أمام قاضٍ. ويمكن للقضاة تمديد المدة حتى عامين من دون جلسات استماع مناسبة، أو مبرر حقيقي، حيث إن هناك عشرات الآلاف من المحتجزين في السجون من دون محاكمة في مصر.
وتنص المادة (57) من الدستور المصري على أنه "لا يجوز حرمان المواطنين من الحق في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها تعسفاً". كما تنص المادة (71) منه على أنه: "يُحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية، أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها".
وذكرت بعض وسائل الإعلام أن نيابة أمن الدولة أدرجت فتحي وأبو زيد في نفس قضية الغزالي حرب ومحمدين، بدعوى انتمائهم إلى "منظمة إرهابية" تستهدف نشر أخبار كاذبة، والإطاحة بالحكومة. واختتمت ليا ويتسن بيان المنظمة بالقول: "على السلطات المصرية وقف اعتقال منتقديها، والإفراج عن أي شخص سُجن أو حُوكم لعمله الحقوقي السلمي، أو ممارسة حقه في حرية التعبير".