تسلط الأضواء على قمة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، غداً الثلاثاء في سنغافورة، وسط حالة من الذهول في واشنطن لما يبديه ترامب من خصومة متزايدة مع حلفاء الولايات المتحدة الأميركية التقليديين ومن رغبة وسعي للتقارب مع خصومها. آخر شاهد على ذلك كانت مغادرته أول من أمس قمة الدول السبع في كندا قبل اختتام أعمالها ثم سحب توقيعه وهو على متن طائرته من بيانها الختامي، بذريعة واهية وبما كشف أن مشاركته فيها كانت أصلاً من قبيل رفع العتب لا أكثر.
وما عزز الشكوك لدى جهات أميركية كثيرة، أن موقفه هذا يأتي على خلفية مواصلة "تودده" لموسكو وبكين والآن لبيونغ يانغ، مقابل إشكالاته المتتالية مع الأوروبيين خاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا ومع المكسيك وأخيراً مع كندا ورئيس حكومتها جاستن ترودو، حول ملفات مختلفة شملت الاتفاقيات الدولية مثل باريس للمناخ والنووي الإيراني وموضوع الرسوم الجمركية على استيراد الحديد والألمنيوم.
توجه يثير الخشية حتى لدى المحافظين، لأن الرئيس يعتمد هذا النهج عن سبق تصور وتصميم لتفكيك تركيبة التحالفات الموروثة التي يراها "مكلفة"، وربما للتحلل من الالتزامات التي تترتب عليها وتفرض التشاور بدلاً من الفردية في القرار. إذ كيف يمكن التفاوض مع الخصم العتيق بيونغ يانغ حول مسألة بحجم النووي في حين يتعذر التفاهم مع الشركاء حول مسألة بحجم الخلاف على رسوم استيراد يمكن تجاوزها بالحوار أو عن طريق منظمة التجارة الدولية بدلاً من شحنها بالمزيد من التعقيدات والتحديات.
في ظل هذه الأجواء تنعقد قمة سنغافورة؛ ولذلك تسود التوقعات في واشنطن بأن ينتهي هذا الحدث إلى نتائج "معقولة" أفضل نسبياً من تلك التي انتهت إليها قمة كندا، لأن ترامب يتوخى ذلك أكثر من كيم أون. فإذا كان الخروج منها بنتائج مدوية مستبعد، إلا أن انهيارها مستبعد أكثر. وكذلك انسحاب ترامب منها. على الأقل لأنه لا يقوى على تكرار مشهد المغادرة من قمتين متتاليتين.
المؤشرات سبقت الموعد التاريخي، بسرعة غاب شرط "النموذج الليبي" كمطلب أميركي وغاب معه صاحبه مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون عن مشهد القمة والتحركات التي سبقتها ورافقتها، فهذا احتمال "غير واقعي" جرى صرف النظر عنه. بدلاً منه ظهرت صيغ "العملية المديدة" و"المفاوضات" اللاحقة للقمة، فضلاً عن وضع هذه الأخيرة في إطار "جلسة للتعارف" بين الرئيسين.
كما غاب التلويح "بترك القاعة" إذا لم يصدر عن الرئيس الكوري "ما يرضي" من تنازلات. كل هذه الشعارات تجاوزتها التوليفة التي تم نسجها لسد حاجة الطرفين وللمجيء بمخرج يندرج في خانة "الحلحلة" لا زيادة التعقيد.
الانفراج الواعد، من غير المراهنة على قطف ثماره، "توقعوا مفاجأة من نوع إعلان سلام في بيان ختامي. وقد يكون مصحوباً بخطوات جزئية مثل قبول مبدئي من جانب كوريا بتسليم صواريخ عابرة للقارات تطاول واشنطن"، كما قال المسؤول السابق في البيت الأبيض والباحث حالياً المتخصص بالشأن الكوري في "مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية" في واشنطن، فكتور شا.
لكن كوريا في هذه الحالة لا بد من أن تطالب، كما يرى، بثمن من نوع "وضع حد للخصومة وتزويدها بمساعدات اقتصادية كبيرة مقابل تقديم ضمانات غامضة". بل أكثر من ذلك، حسب الباحث من المركز ذاته مايكل غرين، إذ قد تصرّ على "وقف المناورات المشتركة الأميركية الكورية الجنوبية وتقليص منظومة الصواريخ المضادة في كوريا الجنوبية فضلاً عن خفض العقوبات الأميركية".
القراءات في صفوف المراقبين ودوائر الأبحاث المتخصصة في واشنطن، تستعرض سيناريوهات عديدة في هذا الإطار. من أسوئها، كما يحذر الخبير شا "أن يطرح ترامب كل شيء على الطاولة ويرضى به كيم جونغ أون بصورة ضبابية، يقبلها ترامب غير المطلع كفاية على دقائق الملف وخلفياته".
ومن أفضلها، الخروج بتوافق حول "تجميد المشروع الكوري والسماح بمراقبته". وبين الإثنين تتراوح التقديرات حول الإشارات المفتوحة على أكثر من تفسير التي أطلقها الجانبان، بين أن تتمخض القمة التاريخية عن "رسم مخرج" ولو طويل الأمد للنووي الكوري وبين اقتصار اللقاء على "التقاط صورة تذكارية" في أحسن أحواله.
حتى الآن خرج كيم بصورة "اللاعب الماهر"، قبوله بالقمة وبطرح الموضوع النووي على طاولة البحث، كسب المقبولية والاعتراف، حسب المتخصصة سابقاً بالملف الكوري في وكالة الاستخبارات المركزية، (سي أي إيه)، سو ماي تاري، وبذلك دخل في اللعبة بصفة اللاعب المشروع.
في حال سارت الأمور وفق هذه التوقعات الراجحة في مداولات اللحظة الراهنة في واشنطن، فإن الدرس من هذا الحدث أنّ النووي قابل للحل أو في أقله لتفادي خطره، عن طريق إدارة أزمته كمدخل لتفكيك مشروعه. صيغته الليبية كانت الاستثناء عن القاعدة ولأسباب تتصل بأولويات النظام آنذاك وافتقاره لشروط الحماية.