تستضيف العاصمة الأميركية واشنطن، اليوم الإثنين، اجتماعاً تركياً أميركياً بين وزيري خارجية البلدين، لحسم مصير مدينة منبج في محافظة حلب شمالي سورية، بعد التوافق على الخطوط العريضة لخارطة الطريق بين الطرفين، لجهة انسحاب المليشيات الكردية من المدينة.
ووصل، أمس الأحد، إلى واشنطن، وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، للقاء نظيره الأميركي مايك بومبيو، لبحث ملف مدينة منبج، وحسم مصيرها، لا سيما بشأن تواجد عناصر مليشيات "وحدات حماية الشعب" الكردية، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تصنّفها أنقرة منظمة إرهابية.
وبعد اجتماع تقني بين وفد من الخارجية الأميركية، زار أنقرة قبل أيام، مع نظرائهم الأتراك، أكد الجانب التركي، أنّ التوافق تم بين الطرفين بشأن خارطة الطريق التي سيتم اتباعها في منبج، معلناً أنّ المقاتلين الأكراد سينسحبون إلى شرق نهر الفرات، الأمر الذي نفاه الجانب الأميركي.
ويأتي الاجتماع بين جاووش أوغلو وبومبيو، اليوم الإثنين، في وقت دقيق لجهة تطورات الملف السوري، وتحديد نقاط وقف الاشتباك، وسط التوافقات الجارية بين الدول الفاعلة من جهة، وفي وقت تشهد فيه العلاقات التركية الأميركية، عدم ثقة وتجاذباً بين الطرفين من جهة أخرى، لا سيما في ظل اعتبار أنقرة، أنّ واشنطن لم تفِ بتعهداتها، حيال منبج.
وكان جاووش أوغلو قد قال، السبت الماضي، إنّه سيناقش، في لقائه مع نظيره الأميركي، عدة مواضيع؛ على رأسها إخراج مقاتلي مليشيات "وحدات حماية الشعب" الكردية من مدينة منبج، وإرساء الاستقرار في المنطقة، وتحديد من سيتولى إدارتها، إلى حين التوصل إلى حل سياسي في سورية.
كما لفت الوزير التركي إلى أنّ الاجتماع سيحسم من سينضم لقوات الأمن التي سيتم إنشاؤها في منبج، والتحرّك بشكل مشترك مع الولايات المتحدة في هذا الموضوع، فضلاً عن وضع خريطة طريق زمنية لتنفيذ الاتفاق.
وأضاف جاووش أوغلو، أنّ "الأمر لن يقتصر على منبج، ففي حال نجاح نموذج منبج سيتم تطبيقه على المناطق الأخرى التي يسيطر عليها عناصر الوحدات الكردية".
وكشفت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية، الأربعاء الماضي، تفاصيل الاتفاق التركي الأميركي حول منبج، الذي يتضمن خارطة طريق من 3 مراحل، تبدأ أولاها بعد التوقيع على الاتفاق بانسحاب المليشيات الكردية إلى شرق الفرات؛ والمرحلة الثانية بعدها بـ45 يوماً، وتشمل انتشاراً عسكرياً وأمنياً تركياً - أميركياً في المنطقة؛ والمرحلة الثالثة بعد الاتفاق بـ60 يوماً، وتتضمن تشكيل مجلس محلي ومجلس عسكري يراعي "التوزع العرقي" للمدينة.
وتصريحات جاووش أوغلو هذه، تتوافق مع ما كشفت عنه وكالة "الأناضول" التركية، بشأن تفاصيل خارطة الطريق حول منبج، وهو الأمر الذي نفته وزارة الخارجية الأميركية لاحقاً، على اعتبار أنّ أميركا وتركيا "لا تزالان في طور المحادثات ولم تتوصلا إلى اتفاق بعد"، على حد تعبير المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، هيذر ناورت.
وكان بومبيو قد قال، الأسبوع الماضي، إنّه يعلّق الآمال على الاجتماع الذي سيعقده مع جاووش أوغلو، "بخصوص حل المشاكل المتعلقة بشمالي سورية".
وفي ظل هذا التضارب، يُعقد الاجتماع بين جاووش أوغلو وبومبيو، اليوم الإثنين، وذلك بعد سنوات أيضاً من الوعود التي أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لتركيا، بشأن انسحاب المليشيات الكردية من منبج بعد تحريرها من "داعش"، الأمر الذي لم يحصل وأثار استياء أنقرة.
ومع تولّي الرئيس الحالي دونالد ترامب، الإدارة الأميركية، عاد الملف مجدداً إلى الواجهة، مع إطلاق أنقرة عملية "غصن الزيتون"، في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، في مدينة عفرين بمحافظة حلب شمالي سورية، والتي أفضت إلى سيطرة الجيش التركي عليها، وطرد المليشيات الكردية منها.
ودأبت أنقرة على المطالبة بانسحاب مقاتلي "وحدات حماية الشعب"، إلى شرق نهر الفرات في سورية، بعد رفضها تقديم واشنطن الدعم للمليشيات الكردية، وحذّرت من امتداد عملية "غصن الزيتون"، إلى مدينة منبج.
وبعد اجتماع جاووش أوغلو مع وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون، في مارس/آذار الماضي، جرى التوافق على إنشاء مجموعات عمل بين الجانبين، عقدت لاحقاً اجتماعات في أنقرة، واتفقت على خروج المليشيات الكردية من منبج.
وكان من المفترض تطبيق ما جرى التوافق عليه بين الطرفين، إلا أنّ ترامب عزل وزير خارجيته، فتأجل الأمر مجدداً لحين تعيين الوزير الجديد بومبيو، الذي ما إن تولى المهمة، حتى اجتمعت مجدداً مجموعات العمل التركية الأميركية، واتفقت على الخطوط العريضة لخارطة الطريق حول منبج من عدة مراحل، على أن يجري الإعلان عن الاتفاق، خلال اجتماع وزيري خارجية البلدين، اليوم الإثنين.
وبشكل عام، تشهد العلاقات الأميركية التركية، توتراً، في الفترة الأخيرة، لكثرة الملفات العالقة بين الطرفين، حيث سيناقش اللقاء بين الوزيرين، اليوم، أيضاً مسألة إعادة زعيم "حركة الخدمة"، فتح الله غولن، المقيم في الولايات المتحدة، والذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016.
كما أنّ ملف شراء تركيا مقاتلات "إف 35"، ومحاولة عرقلتها من قبل الكونغرس الأميركي، والعلاقات التركية الإسرائيلية، ومسألة نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، كلها ملفات عالقة بين البلدين، وربما ستكون عاملاً لجهة إعادة الثقة المفقودة بين الطرفين، من أجل حل بقية الملفات، لاسيما بعد حاجة الولايات المتحدة، لجلب تركيا إلى صفها، بعد تقرّب الأخيرة من إيران وروسيا بخصوص سورية، وفرض واشنطن عقوبات على طهران إثر انسحاب ترامب من الاتفاق النووي.
وبنهاية الاجتماع سيكشف، اليوم الإثنين، ما إذا ستفتح صفحة جيدة في ملف العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن، وكذلك حيال الملف السوري، لا سيما أنّ أنقرة تحدّثت عن أنّ الاتفاق حول منبج، سيشكّل أفقاً للحل بشأن مستقبل سورية.