قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن سفارات بعض الدول الأوروبية هددت بوقف التعامل مع الحكومة المصرية في دعم بعض المشاريع التنموية في مجالي التعليم والصحة، وعرقلة ضخ الاستثمارات من بلادها للسوق المصري، بسبب اتجاه الحكومة لفرض مزيد من القيود على عمل المنظمات والمؤسسات الأجنبية المانحة لمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية في مصر، بما في ذلك أنشطة التمويل التي تصل إلى المنظمات المصرية عبر وزارة التضامن الاجتماعي.
وأضافت المصادر أن وزارة الخارجية تلقت، الأسبوع الماضي، استفسارات من تلك السفارات عن إقرار سياسة جديدة للحكومة، تتمثل في ضرورة حصول الجهة المانحة، سواء كانت رسمية أو أهلية، على تصريح أمني من الاستخبارات العامة والأمن الوطني بوزارة الداخلية، لتتمكن من إرسال التمويل للمنظمات المصرية المتعاملة معها، سواء كانت رسمية وأوضاعها مقوننة أو لم تقونن أوضاعها وفق قانون الجمعيات الأهلية الجديد الصادر في مايو/ أيار 2017. وذكرت المصادر أن تلك الدول، بينها هولندا وبعض الدول الإسكندنافية، تعمل على تمويل برامج تنموية متعددة مع الحكومة المصرية وغيرها من المنظمات الأهلية التي تحظى بقبول النظام، وبعض المنظمات التي تنتمي إلى مجتمع العمل الأهلي، الذي يحاول نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي تقويضه منذ عدة سنوات. لكن المؤسسات المانحة الرسمية، التي تتبع حكومات تلك الدول، فوجئت بمطالبة وزارة التضامن الاجتماعي لها بضرورة الحصول على تصاريح أمنية واستخباراتية لتتمكن من إرسال منحها المالية، الأمر الذي يؤدي إلى عرقلة برامجها، ويدخلها في إجراءات بيروقراطية غير محددة التوقيت.
وأوضحت المصادر أن السفارات الأجنبية المتضررة من السياسة الحكومية الجديدة أكدت أنها ملتزمة باتفاقات سابقة مع الحكومة المصرية، بالتركيز على الأنشطة التعليمية والتثقيفية والابتعاد عن القضايا السياسية الخلافية مع النظام خشية تعطيل أعمالها في مصر، وكذلك بالابتعاد عن التواصل مع جماعات الضغط السياسي، من الأحزاب اليسارية والمنظمات الحقوقية غير المعترف بها من قبل الحكومة، أو النشطاء المشمولين في تحقيقات قضية "التمويل الأجنبي" الجارية حالياً وتتولاها هيئة تحقيق قضائية. وأشارت المصادر الدبلوماسية إلى أن السفارات أبدت استغراباً لتفعيل تلك السياسة غير المتصالحة مع العمل الأهلي، في الوقت الذي يدعي فيه النظام حرصه على إشراك الجمعيات الأهلية في خططه التنموية.
لكن مصدراً حكومياً في وزارة التضامن أكد، لـ"العربي الجديد"، أن السياسة الجديدة المعرقلة للتمويل تسعى في الأساس لدفع الجهات الأجنبية المانحة لإرسال تمويلاتها فقط للجمعيات المجازة أمنياً، والتابعة سياسياً للنظام، إذ إن منح التصاريح الأمنية للجهات المانحة يتوقف في الأساس على أنشطتها السابقة في مصر والجمعيات التي تتعامل معها. وذكر المصدر الحكومي أن العام الذي تبع إصدار قانون العمل الأهلي شهد إنشاء مئات الجمعيات الأهلية التي يديرها ضباط شرطة وعسكريون سابقون وشخصيات سياسية مقربة من الحكومة، لمحاولة ملء الفراغ الذي نشأ بسبب حل الجمعيات الخيرية الإسلامية والتابعة لجماعة الإخوان المسلمين أو التيارات الأخرى المناوئة للحكومة. لكن الجمعيات الجديدة الموالية للدولة ليست معروفة للمنظمات الأجنبية المانحة، وليست لها أنشطة سابقة تدعم حظوظها في الحصول على التمويل، وبالتالي لجأت مستشارة السيسي لشؤون الأمن القومي والوزيرة السابقة، فايزة أبو النجا، إلى هذا الإجراء لإجبار الجهات المانحة على التعاون مع جمعيات مجازة أمنياً ومقربة من النظام. وأضاف المصدر أن وزارة الخارجية المصرية، وبتعليمات من السيسي، كانت قد أبلغت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، العام الماضي، بالتزامن مع صدور القانون الجديد، بضرورة وقف كل أنشطة التمويل الرسمية وغير الرسمية، سواء كانت تمر عبر وزارة التضامن الاجتماعي أو وزارات أخرى أو مؤسسات تعليمية مصرية أو أجنبية عاملة داخل مصر، أو كانت تمر عبر قنوات غير شرعية وغير مراقبة إدارياً من قبل الحكومة المصرية، بهدف تجفيف منابع تمويل المنظمات الأهلية القائمة بصورة غير مشروعة، وكذلك وقف الأنشطة السياسية والتثقيفية والاجتماعية غير المرغوب فيها، وذلك بهدف إجبار الجمعيات الراغبة في التمويل على توفيق أوضاعها.
وأوضح المصدر أن هذه المطالبات أدت إلى تخفيض الدعم المالي المرسل من بعض المنظمات الأميركية والأوروبية والدولية، أو تعطيله مؤقتاً، فيما استمرت المنظمات التابعة لهولندا وبعض الدول الإسكندنافية في إرسال منح لتمويل مشاريع تنموية بواسطة الحكومة أو الجمعيات، لتفاجأ أخيراً بإقرار سياسة التصاريح الأمنية المسبقة دون الاكتفاء بمراقبة وزارة التضامن لحجم التمويل وأوجه استخدامه. وكانت وزارة التضامن قد شكلت أخيراً لجاناً، بالاشتراك مع وزارة المالية، لمراجعة التبرعات والمنح التي تلقتها الجمعيات الأهلية التي وفقت أوضاعها بعد صدور القانون الجديد، بالتزامن مع تصاعد الاتهامات لبعض الجمعيات الكبرى بإساءة استخدام التبرعات وتوجيهها لأغراض غير تنموية أو تهدف للربح.