لا حاجة لاستدعاء مقولات اليسار الصهيوني والوسط في إسرائيل حول السجال الذي دار الأسبوع الماضي والأسبوع الحالي حول القانون الأساسي بعنوان: "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي أقره الكنيست فجر الخميس. لا يأتي القانون عملياً بجديد، ولم يكن مدرجاً في قوانين إسرائيل القائمة والمتوفرة. ولكن السجال الإسرائيلي الداخلي لم يخلُ من نفاق واضح، حول حدود العنصرية المسموح بها في تعامل دولة الاحتلال مع الفلسطينيين في الداخل، أو في تكريس مقولة "حصر الحقوق الجماعية داخل إسرائيل لليهود". مع ذلك، من المهم الإشارة، قبل سرد بنود القانون المذكور، إلى أن السجال الشديد بين اليسار أو المعارضة، وبين الائتلاف الحكومي، لم يكن على الحقوق والامتيازات وتفضيل اليهود، أي أنه لم يكن على رفض جوهر التمييز العنصري، بقدر ما كان في جزء منه نقاشا ورفضا لإشهار العنصرية الإسرائيلية والتباهي بها، حتى لا يكون ذلك سلاحاً بأيدي أعداء إسرائيل، وفق ما ذهب إليه رئيس دولة الاحتلال، رؤبين ريفلين، أو تكريساً لصحة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الملغى تحت ضغوط الصهيونية، والذي حدد عام 1976 أن "الصهيونية حركة عنصرية".
ففي هذا السجال، دافع اليسار والوسط، أو ما يسمى بأنصار الحركة الصهيونية العمالية، عملياً عن تاريخ الصهيونية العمالية، لتنقيتها من تهم العنصرية في ممارساتها وحصر هذه التهم في الشق اليميني للحركة الصهيونية. وهو اتهام جاء الرد عليه سريعاً وبكلمات مقتضبة من اليمين الصهيوني الذي ردد أن "تأسيس الاستيطان العرقي من خلال إقصاء العرب وطردهم، حصل على يد اليسار الإسرائيلي بكل أطيافه ومنهم الحركة الكيبوتسية التي أقامت كيبوتساتها (قرى زراعية تعاونية بأعداد قليلة من السكان تفلح عشرات آلاف الدونمات المصادرة أصلاً من أصحابها العرب) على قرى المهجرين الفلسطينيين، ورفضت ولا تزال ترفض استيعاب وقبول عرب للعيش في كيبوتساتها، من دون أن يمنعها نفاقها هذا من الاعتراض على تشجيع الاستيطان اليهودي والحق في بناء مستوطنات لليهود فقط وفق البند 7 ب" من القانون العنصري الجديد.
وقد تم في نهاية المطاف إزالة البند المذكور الذي كان يسمح للدولة بإقامة تجمعات سكنية لليهود فقط بفعل المخاوف الإسرائيلية من التداعيات والتبعات الدولية والقانونية للقرار، وتم استبداله بنص لا يقل عنصرية، لكنه يتبنى عملياً مبدأ التشريع الإسرائيلي الذي يكرس الممارسة العنصرية على أساس "نصوص محايدة" يمكن الدفاع عنها أمام القضاء والمحاكم الدولية، وفق ما اعترف به نائب المستشار القضائي للحكومة، راز بنزري، خلال مداولات اللجنة الخاصة لتشريع القانون.
النص الحرفي للقانون
يتكوّن قانون "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي" من 11 مادة فقط تشكل بعضها "تعديلاً" لـ"وثيقة الاستقلال" الإسرائيلية لجهة تأكيد الهوية اليهودية وتقليص حقوق العرب في الدولة، وقصر هذه الحقوق على الحقوق الفردية، بعد أن كانت "وثيقة الاستقلال" الأولى تحدثت عن منحهم أيضا حقوقا سياسية.
(ب) دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، التي يحقق فيها حقه الطبيعي الثقافي والديني والتاريخي في تقرير المصير.
(ج) تحقيق حق تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل مقتصر على الشعب اليهودي.
2. (أ) اسم الدولة هو "إسرائيل".
(ب) علم الدولة هو أبيض، مع خطين باللون الأزرق السماوي عند طرفيه، ونجمة داود زرقاء في وسطه.
(ج) شعار الدولة هو شمعدان مع سبعة أذرع، وورق زيتون على طرفيه، وكلمة "إسرائيل" أسفله.
(د) النشيد الوطني هو "هتكفا" (الأمل).
(هـ) تفاصيل رموز الدولة تحدد في قانون.
3. القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل.
4. (أ) العبرية هي لغة الدولة.
(ب) للغة العربية مكانة خاصة في الدولة. تنظيم استخدام اللغة العربية في المؤسسات الرسمية أو أمامها يكون عبر قانون (خاص).
(ج) لا يعني ما ذكر في هذا البند مساً بالمكانة الفعلية المعطاة للغة العربية مع بدء سريان هذا القانون الأساسي.
5. تكون الدولة مفتوحة أمام الهجرة اليهودية وجمع الشتات (اليهودي).
6. (أ) تعمل الدولة على ضمان أمن وسلامة أبناء الشعب اليهودي ومواطنيها الذين يعانون الضائقة أو الأسر بسبب يهوديتهم أو مواطنتهم.
(ب) تعمل الدولة في الشتات (الدياسبورا اليهودية) للمحافظة على العلاقة بين الدولة وبين الشعب اليهودي.
(ج) تعمل الدولة على المحافظة على التراث الثقافي والتاريخي والديني للشعب اليهودي في صفوف يهود الشتات.
7. ترى الدولة بتطوير الاستيطان اليهودي قيمة قومية (وطنية)، وتعمل من أجل تشجيعه وتطويره وتعزيزه وتثبيته.
8. التقويم العبري هو التقويم الرسمي، ويستخدم إلى جانبه التقويم الغربي، كتقويم رسمي: استخدام التقويم العبري والتقويم الغربي سيحدد بموجب قانون.
9. (أ) يوم الاستقلال هو يوم العيد القومي الرسمي للدولة.
(ب) يوم ذكرى قتلى معارك إسرائيل ويوم ذكرى الهولوكوست، هما أيام ذكرى رسمية للدولة.
10. يوم السبت وأعياد إسرائيل (أي الأعياد اليهودية) هي أيام العطل الثابتة في الدولة. من ليسوا يهودا يحق لهم الراحة والعطلة في أعيادهم. تفاصيل هذا الأمر ستحدد في قانون.
11. لا يمكن تغيير هذا القانون إلا بقانون أساسي بتصويت أغلبية أعضاء الكنيست.
إلى هنا نصوص القانون تعكس بشكل واضح انتصار الصهيونية التنقيحية المتحالفة من التيار الديني الصهيوني على "وثيقة الاستقلال" الأولى التي صاغ بنودها الرئيسية دافيد بن غوريون، واستثناء تعريف حقه الديني (للشعب اليهودي) من عبارة حق تقرير المصير، كما أن الوثيقة الأولى تحدثت عن تطوير "البلاد بما يخدم رفاهية سكانها من دون تمييز على أساس الدين والعرق والجنس" فيما تلتزم دولة الاحتلال بموجب هذا القانون فقط بتشجيع الاستيطان اليهودي.
ولعل من المفيد عند هذه النقطة الإشارة إلى ثلاثة تصريحات رئيسية في هذا السياق تكشف سبب إصرار نتنياهو على سن القانون، الأول هو تصريح نتنياهو نفسه عندما تحدث عن أهمية القانون التاريخية، وعن كون اللحظة الحالية في ظل عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته الفرصة السانحة لتشريع هذا القانون، والذي بحسب ما كشفت مصادر مقربة من نتنياهو للإذاعة الإسرائيلية أخيراً، أن إدارة باراك أوباما كانت عارضت، على مدار السنوات الثماني الماضية، تشريع القانون، فيما يجد القانون قبولاً عند إدارة ترامب.
التصريح الثاني الذي لا يقل أهمية، ويثبت أن القانون هو أيضاً لتكريس مقولات اليمين الصهيوني التنقيحي، إذ أعلن رئيس الائتلاف الحكومي، دافيد عمسالم، أن القانون هو قانون "تصريحي بالأساس" هدف إلى تأكيد مقولة يهودية الدولة أولا، وضمان تهويد الجليل والنقب بأدوات قانونية لا يمكن الطعن فيها.
أما التصريح الثالث اللافت فهو الذي ورد على لسان رئيس اللجنة البرلمانية الخاصة التي أعدت القانون، أمير أوحانا، وهو التصريح الذي رد فيه على اليسار والوسط بقوله، إذا كان هذا القانون عنصريا فهذا يعني أن الصهيونية كلها عنصرية منذ تأسيسها. ومقابل هذه التصريحات كلها برز تصريح تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية السابقة، أن القانون يمد معارضي إسرائيل بدليل على أن إسرائيل دولة "أبرتهايد".
تعتبر مجموعة القوانين الأساسية في إسرائيل البنية الأساسية للدستور العام الذي لم يتم وضعه لغاية الآن، رغم مرور 70 عاماً على إقامة دولة الاحتلال بعد النكبة. وقد استعاضت الحكومة الإسرائيلية عن الدستور بتسوية قامت على وضع مجموعة قوانين (15 قانوناً غير القانون الجديد) سُمّيت بأنها قوانين أساسية، يلزم تغييرها أغلبية 61 صوتاً من أصل 120 عضواً في الكنيست الإسرائيلي. وقد سنّ أول قانون أساسي في عام 1958 هو قانون أساس الكنيست. والهدف من هذه القوانين أن تُشكّل مرجعاً للقضاء والحكم، ومنها يفترض أن تتفرع القوانين الثانوية الفرعية، بشرط ألا تتعارض معها. وفي حال نشأ تعارض بين قانون أساسي وبين قانون عادي يتم اعتماد ما ورد في القانون الأساسي.
ويمكن القول إن مجموعة القوانين الأساسية، التي أقرت في السنوات الأولى من عمر دولة الاحتلال، كانت قوانين للحكم والإدارة مثل قوانين الكنيست، والحكومة، ورئيس الدولة، والجيش، التي تنظم صلاحيات وعمل هذه المؤسسات السيادية. وكان أول قانون أساس سياسي لجهة تثبيت الاحتلال ومنع تسوية سياسية، هو القانون الذي أقرته حكومة بيغن في يوليو/تموز 1980 ونصّ على إعلان القدس عاصمة لإسرائيل. وتبعه في عام 2014 قانون أساسي حول الاستفتاء الشعبي بشأن الانسحاب من أراض احتلتها إسرائيل.
وتكمن خطورة قانون "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي"، في كونه يعتبر وثيقة لها سند ومكانة قانونية ملزمة للمحاكم والقضاء في حال تعارض مع نصوص أخرى في القانون الإسرائيلي، فيما لا تحظى "وثيقة إعلان إسرائيل" بأي مكانة دستورية أو قضائية ملزمة. ويعني هذا توفير سند قانوني للقضاء في إقرار سياسات عنصرية ما دامت تتوافق مع روح هذا القانون، تحديداً توزيع الأراضي وتشجيع الاستيطان اليهودي وتهويد الجليل والنقب، من دون حاجة إلى التستر وراء عبارات مثل "تطوير الجليل والنقب".