بموازاة توجيه القضاء الفرنسي الاتهام لألكسندر بنعلا، المستشار الأمني السابق للرئيس إيمانويل ماكرون وأربعة آخرين من ضباط الشرطة، بدأت لجنة التحقيق البرلمانية أعمالها، المرشحة كي تدوم شهرا من الزمن، باستجواب مجلس النواب لوزير الداخلية جيرار كولومب، على مدى ساعتين ونصف من صباح اليوم الاثنين، قبل أن يُستجوَب، غدا، من قبل مجلس الشيوخ.
ثم يواصل مجلس النواب استجواب مفوض الشرطة ميشال ديلبويش، في الساعة الثانية بعد الظهر، على أن يتوالى استجواب شخصيات أمنية وسياسية، منها رؤساء مكتب وزير الداخلية ومكتب الإليزيه وقياديين سياسيين في "الجمهورية إلى الأمام"، بعد اتفاق المجموعات البرلمانية.
وكل من كان ينتظر، من المواطنين ومن نواب الأمّة، أن يحصل على أجوبة شافية لكثير من الأسئلة الملحة، خاب أمله. فقد كانت إجاباتُ وزير الداخلية، مُحبطةً للأمل، واعترف بلقاءاته مع الرئيس إيمانويل ماكرون، نهاية الأسبوع الماضي، وقد استبق وصوله إلى البرلمان تصريح وزارة الداخلية عن تجديد الرئيس ماكرون لثقته في وزير داخليته. فقد التزم الوزير باستراتيجية دفاعية، مبنية على جهله بكثير من التفاصيل وعدم مسؤوليته عن أخرى.
وكان أقصى ما حصل عليه النواب من وزير الداخلية، الذي كان تحت القَسَم، هو أن مكتب وزارته أطلع مكتب الإليزيه على ما حدث يوم 1 مايو/أيار، وأنه، شخصياً، شاهد الفيديو في يوم 2 مايو/أيار، وأنّ ردَّ مكتب الإليزيه كان اعتبار ما حدث "غير مقبول"، وأنه "ستكون هناك عقوبات مناسبة". وبالتالي فالأمر ينتهي هنا. ولم يتغير الأمر، إلا بعد ظهور مقال لوموند حول الفيديو، الذي شُوهد فيه ألكسندر بنعلا مرتديا قبعة وشارة، وهو يُعنّف متظاهرَين، ويتحدث في راديو الشرطة. وهنا أكّد وزير الداخلية أنه لم يتمَّ إخباره، أبدا، بحضور مراقبين أثناء عمليات الشرطة في 1 مايو/أيار.
وقد أصرّ كولومب على عدم معرفته بالمستشار السابق بنعلا، رغم أنهما كانا معا في صلب حملة ماكرون الانتخابية. يعترف بأنه رآه، بعض المرات في مقر الداخلية وفي باص الفريق الفرنسي لكرة القدم، ولا يتذكر جيدا، إن عانقه، لأنه يعانق كثيرين، بسبب طبيعته "المدينية". كما يصر على أنه كان يجعل طبيعة عمله، باعتباره مستشارا لرئيس الجمهورية.
وفي كل مرة يلتجئ الوزير خلف "المفتشية العامة للشرطة الوطنية"، التي تم تكليفها، بعد نشر صحيفة لوموند لمقالها عن الفيديو، والذي يكشف اسم بنعلا، لأول مرة، بتسليط الضوء على كثير من الحقائق، من بينها طبيعة العلاقة بين بنعلا وضباط الشرطة، وحقيقة حصول بنعلا على قبعة وشارة وراديو الشرطة، وأيضا سيارة الشرطة الخاصة.
كما أن من صلاحيات "المفتشية العامة للشرطة الوطنية" معرفة حصول بنعلا على سكن وظيفي في نفس ملحقة الإليزيه، التي أخفى فيها الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران، ابنته غير الشرعية، مازارين بانجو، وأيضا معرفة مرتب بنعلا الشهري، الذي يصل إلى 10 آلاف يورو.
كما أن الوزير في خضم إجاباته على أسئلة النواب، وخاصة على سؤال لمارين لوبان، نفى معرفته بوجود جهاز أمني موازٍ، كان بنعلا، قبل اندلاع الفضيحة، بصدد إنشائه. كما نفى، بحزم، ما يقال عن "تكليف بنعلا بإدارة مشروع إعادة تنظيم الأمن في الإليزيه".
وكان صادماً لكثير من النواب، تأكيد وزير الداخلية جهله بموقف وبيانات العديد من نقابات الشرطة، التي كانت على علمٍ بتصرفات بنعلا والتي انتقدتها بدون أي لبس. وأيضا عدم إطلاعه على قرار ولاية الأمن السماح لبنعلا بحمل السلاح، بعد أن رفضت كثيرا من طلباته السابقة.
ورفض وزير الداخلية تحميله مسؤولية عدم إبلاغ العدالة بما علم، لأنه "ليس من واجب وزير الداخلية استدعاء العدالة"، خاصة أن من "صلاحيات ولاية الأمن ومكتب الإليزيه فعل ما يلزم".
وأمام أجوبة الوزير التي لم تَرو ظمأ نواب يتوقون لمعرفة حقيقة ما حدث، من أجل تحديد المسؤوليات، أكد كثير من النواب على ضرورة عودة وزير الداخلية، مرة أخرى، بعد استجواب كل من يستطيع إضاءة الحقيقة، ولعلّ مفوّض الشرطة السامي ميشال ديلبويش من بينهم.
وفي هذه الأثناء، وعلى رغم تأكيد وزير الداخلية، أن الرئيس ماكرون منشغلٌ بتوقف النقاش حول الإصلاح الدستوري، أكثر من انشغاله بقضية مستشاره الأمني السابق، بنعلا، إلا أن تكليف الأمين العام للإليزيه، ألكسي كوهلر، بإعادة ترتيب وضع حرس الرئاسة، يكشف انزعاج الرئيس ماكرون الكبير من مستجدّات ومآلات القضية، التي تقترب من رجالاته، المقرَّبين، والتي سيكون عليه، أن يتحدث بشكل مباشر عنها، أمام المواطنين.
ومن هنا يمكن فهم إلغاء الرئيس، اليوم الاثنين، لحضوره مرحلة اليوم من سباق الدراجات، الذي يتابعه الفرنسيون بشغف كبير.