وفي آخر فصول مسلسل قضية بنعلا، كذَّب الإليزيه ما أوردته مجلة "لوبوان" الأسبوعية عن تخصيص 180 ألف يورو لإنجاز أشغال في شقة بنعلا التابعة لمقر الرئاسة الفرنسية، وتم فضح أمر بطاقة زيارة مغلوطة لألكسندر بنعلا، تظهر فيها وظيفته "الوهمية"، وهي "مدير مكتب الرئيس المساعد".
وفي استجوابه أمام البرلمان، أكد رئيس الحكومة الفرنسية، إدوار فيليب، على الأسئلة التي تنتقد تأخّر ردود الفعل الحكومية، أكثر من مرة، بالقول: "لقد سبق لي أن وصفتُ، يوم الخميس الماضي، ما حدث بأنه "صادمٌ وغيرُ مقبول".
وأضاف أنه "لا نغطّي على أحد، سيسلَّط الضوء، ولا أحد فوق القانون"، ونوّه إلى موقف الحكومة الحالية التي سارعت، وخلافاً لحكومات سابقة، إلى معالجة سريعة لما جرى، حيث ظهرت، في أقل من أسبوع، "لجان تحقيق عديدة".
وشدد على أنه، لا يمكن إنكار وجود عقوبة بعدما ظهر الفيديو، ولكن "يمكن فقط مناقشة طبيعة العقوبة". ورفض توصيف ما جرى بأنه "قضية دولة"، بل مجرد "انحراف فردي".
ودعا المعارضة إلى الالتزام بالهدوء وتجنب الخلط، مشددًا على أن "النواب ليسوا مدّعين عامين ولا قضاة". ووعد بأنه "بعد تقديم لجان التحقيق المفتوحة لخلاصاتها، سيتم استخلاص النتائج وتحديد المسؤوليات".
ورفض رئيس الحكومة طلب المعارضة استجواب أعضاء مكتب الرئيس من قبل لجنة التحقيق، كما اعترض فيليب على اتهام رئيس المعارضة الاشتراكية للحكومة بالكذب، منذ يوم الخميس الماضي، وقال إن "مجموع الإجراءات انطلق بصفة فورية. ويمكن لمجلس النواب أن يصرخ، ولكنه لن يغيّر الحقيقة"، مؤكدًا أن "إجراءً قضائياً فُتِحَ في الأسبوع الذي شهد ظهور الاعترافات. وإن هذا الأسبوع نموذجيّ".
وقد عبّر الكثير من نواب المعارضة عن خيبة أملهم من أجوبة رئيس الحكومة، الذي لم يضف أي جديد، غير الدفاع عن الموقف الرسمي، منذ اندلاع ما أصبح يعرف بـ"قضية بنعلا". أي التأكيد على ضرورة انتظار التحقيقات، وعلى أن ألكسندر بنعلا نال العقاب الذي يستحقه بعد ظهور الفيديو. واعتبرت مارين لوبان، رئيسة حزب "التجمع الوطني"، اليميني المتطرف، إجابات رئيس الحكومة بـ"الكذب"، واعتبرت أن "السؤال المطروح هو سؤال إخفاء سلوك السيد ألكسندر بنعلا".
وبعد استجواب وزير الداخلية جيرار كولومب، الذي أكّد أنه لم يكن على علم بأي أمر، مُلقياً بالمسؤولية على ولاية الأمن والإليزيه، وهو ما اعتبره بعض نواب المعارضة "جُبناً"، أكد مفوض الشرطة السامي ديلبويش، على مسؤولية الداخلية والإليزيه، حيث إنه بادر إلى إطلاع وزير الداخلية فور علمه بوجود فيديو يُظهر عنف بنعلا مع متظاهرين، وحيث إن قرار معاقبة المسؤول هو من اختصاص رؤساء بنعلا في الإليزيه.
وجاء استجواب آلان جيبلان، مدير النظام العام والمرور، بعد أدائه القَسَم، ليضعف رواية الإليزيه للأحداث، حين أكّد الأخير على أنه لم يكن من صلاحية ألكسندر بنعلا الحضور كمراقب في تظاهرة الأول من مايو/أيار (عيد العمال)، وأن رئيس أركان إدارة النظام العام والمرور، لوران سيمونان، وهو من المتابعين قضائياً، هو المسؤول عن السماح له بالتواجد في التظاهرة.
وأضاف آلان جيبلان، ردّاً على سؤال لمارين لوبان، أن بنعلا كان حاضراً في الاجتماعات ما بين مصالحه والإليزيه ما بين الرابع من مايو الماضي و19 منه، أي خلال الفترة التي تغطّيها العقوبة التي تلقّاها بعد ظهور الفيديو، في ما اعتبر ضربة قوية لرواية ومصداقية الإليزيه وتشكيكاً في تصريحات برونو روجي ــ بوتي، المتحدث باسم ماكرون، قبل أن يتراجع جيبلان لاحقاً، ويعترف بأنه "أخطأ" في فهم سؤال لوبان ولم "يكذب" في التواريخ.
وأثار هذا التراجُع غضب بعض النواب، خصوصًا نواب الأغلبية الرئاسية، وسط ذهول آخرين حذّروا من وجود ضغوط من الإليزيه، وهو موقف لوبان، ما سيستدعي حضور جيبلان، مرّة أخرى، أمام النواب، لتوضيح حقيقة الأمر، اليوم أو غداً.
استجواب باتريك ستزودا
وبالرغم من أهمية الاستجوابات السابقة، إلا أن النوّاب، وأمام استمرار تعطشهم للحقيقة التي تأبى الظهور، يعوّلون كثيراً على استجواب مدير مكتب الرئيس الفرنسي، باتريك ستزودا، اليوم، خاصة أن أصابع المستجوَبين السابقين كانت تشير إلى مسؤولية الأخير المباشرة، باعتبار وجود ألكسندر بنعلا تحت سلطته، وهو الذي سمح له بالحضور كمراقب في التظاهرة، إلى جانب رجال الشرطة، وباعتبار أنه هو الذي أصدر العقوبة في حقه، بعد اطلاعه على الفيديو المثير للجدل.
وثمة كثير من المراقبين يرون هذا الموظف السامي، الذي حقق نجاحات باهرة طوال حياته المهنية، أي باتريك ستزودا (66 عاماً)، في طريقه إلى حتفه، وهو رأي أغلبية كبيرة من النواب، الذين يستحضرون اقتراب تقاعده في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والذين ينتظرون سقوط أكباش فداء عديدة، خاصة مع الترتيب الجديد للإليزيه، الذي عهد به ماكرون إلى أمين عام مقر الرئاسة، ألكسي كوهلر.
وستتقاطر على هذا المسؤول التساؤلات التي يريد منها النواب معرفة حقيقة ما دار بينه وبين ماكرون، الذي كان موجوداً في أستراليا حين أعلمه بالأمر، وأيضاً طبيعة عمل بنعلا داخل الإليزيه وخارجه، وتبرير العقوبة الخفيفة التي نالها بنعلا في قضية أثارت الرأي العام وصدمته، واعتبرها الرئيس الفرنسي وآخرون "غير مقبولة"، وهل احترم بنعلا هذه العقوبة الإدارية وخضع لها، ثم التساؤل عن احتمال وجود حُماة ورعاة، من درجات عليا، لبنعلا، ما يعني أيضاً وجود مسؤوليات عليا.
وفي انتظار معرفة إجابات مدير مكتب ماكرون، سيكون النواب على موعد مع رئيس الحكومة إدوار فيليب، في "الأسئلة للحكومة"، والتي ستتركز حول "قضية بنعلا".
وقد استبق رئيس الحكومة لقاءه بالنواب، بالتأكيد على أن قضية بنعلا "أزمة إعلامية، ولها كلفة لنا جميعاً، من حيث صورة فرنسا"، قبل أن يضيف، منتقداً المعارضة بأنها "لا تريد الحقيقة، وإنما الأزمة".
وينوي حزب "الجمهوريون" (اليمين الفرنسي) في تصعيده أمام الحكومة، التقدم بسحب الثقة منها، رداً على صمتها وصمت رئيس الجمهورية حول القضية، كما يريد نواب الحزب معرفة طبيعة علاقة الرئيس الفرنسي بهذا المساعد، وسبب تبوئه مناصب مهمة رغم صغر سنه. كما تطالب حركة "فرنسا غير الخاضعة"، باستجواب ماكرون نفسه، فيما يتساءل أحد نواب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، عن سبب تواجد "حثالة" (وهو توصيف لبنعلا) في أعلى هرم السلطة. كما أن مجلس الشيوخ الفرنسي سيستجوب وزير الداخلية، جيرار كولومب، بعد حضوره، أمس، في مجلس النواب.