انتهت قبل يومين جلسات الحوار الداخلي الأولى والثانية لحزب "العدالة والتنمية"، الذي يقود الحكومة في المغرب، بتقليص حجم الخلافات داخل الحزب، التي اندلعت خصوصاً بعد إعفاء العاهل المغربي، الملك محمد السادس، عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة في ولايتها الثانية، وتعيين سعد الدين العثماني رئيساً لها، وكذلك بظهور توترات بين الحزب وأطراف خارجية.
وفي انتظار الجلسة الثالثة للحوار الداخلي لـ"العدالة والتنمية"، المقرر انعقادها يومي 22 و23 سبتمبر/ أيلول المقبل، لتقييم "الأداء السياسي للحزب في ضوء أطروحة الشراكة من أجل البناء الديمقراطي"، شرع الحزب يحصي مكاسبه وحتى خسائره السياسية من جلستي الحوار الأولى والثانية المنتهية.
المكاسب التي حققها حزب "العدالة والتنمية" من وراء جلسات الحوار المنتهية، أوجزها القيادي سليمان العمراني بالقول إنها مكنت من إعادة تماسك الصفوف الداخلية، ومساهمة الجميع بحرية في التعبير والإدلاء بآرائهم ومواقفهم من مسارات الحزب وقراراته ومكانته داخل المشهد السياسي بالبلاد.
وأوضح القيادي ذاته في تصريحات صحافية أن جلسات الحوار الداخلي، أظهرت أن حزب "العدالة والتنمية" يتسم بمناعة داخلية ضد محاولات الإفشال والضغوطات المختلفة التي يمارسها البعض عليه، مبرزاً أنه من حسنات هذا الحوار لمّ الشمل وتحسين الأداء الحزبي، ووحدة الصف أمام التحديات القائمة والمستقبلية في خضم مشهد سياسي متحرك ومتقلب.
وكان العثماني قد اعتبر أن جلسات الحوار الداخلي لحزبه، ساهمت بقوة في "تقريب وجهات النظر بين كل الأعضاء، من خلال التقييم والاقتراح، بهدف النظر للحاضر والمستقبل"، داعياً الأعضاء والأنصار إلى "الصمود والثبات أمام الأحداث والوقائع السياسية كيفما كان حجمها وطبيعتها".
في المقابل، ألحقت جلسات الحوار ما اعتبرها البعض خسائر سياسية للحزب، لعل أبرزها مقطع الفيديو الذي تم تسريبه على الموقع الرسمي للحزب، وتضمن رأي القيادي عبد العالي حامي الدين في شكل المؤسسة الملكية، عندما اعتبره "عائقا أمام التطور والتنمية في البلاد".
حديث حامي الدين عن المؤسسة الملكية أثار زوبعة من الردود السياسية الحادة، وألقى بحجر في بركة المياه السياسية للحزب، إذ وقع ارتباك ملحوظ في سير الجلسات والمواقف التي تلته، ووصل إلى حد إجراء تحقيق داخلي لمعرفة من يقف وراء نشر الفيديو، قبل أن يتم حذف جميع الفيديوهات المتعلقة بالحوار الداخلي من موقع الحزب.
وخلص التحقيق إلى أنه "ليس هناك ما يفيد وجود سوء نية في نشر بعض تسجيلات اليوم الأول من الحوار الداخلي بقصد التسريب أو التجزيء أو الانتقائية"، ليعزو البث إلى ما سماه "خطأ مهنياً جسيماً من طرف أحد المسؤولين بإدارة الموقع الإلكتروني للحزب، يتمثل في عدم الاطلاع والمصادقة قبل النشر للعموم، مخالفاً بذلك المسطرة المعتمدة بالحزب".
وبعيداً عما أثير بشأن وجود "تصفية حسابات" داخل حزب "العدالة والتنمية" أفضت إلى تعمد نشر فيديو حامي الدين وهو ينتقد شكل المؤسسة الملكية، قبل أن يخرج هذا الأخير لينتقد ما اعتبره تجزئة كلامه، معلناً تحمله مسؤولية ما قيل، فإن هذه الواقعة أعادت إلى الواجهة خصومة الحزب مع غريمه حزب "الأصالة والمعاصرة".
وتبادل الحزبان اتهامات سياسية حادة بشأن علاقة "إسلاميي الحكومة" بالمؤسسة الملكية ومدى ممارستهم التقية وإخفاء أهدافهم من ممارسة السلطة، بينما كان رد "العدالة والتنمية" رافضاً لهذه الاتهامات، واضطر العثماني إلى التأكيد علناً أن الحزب وفيٌ للمؤسسة الملكية، وأن هناك جهات تريد الإيقاع بين الطرفين.
ويرى مراقبون أنه على الرغم من محاولة حزب "العدالة والتنمية"، من خلال جلسات حواره الداخلي، تضييق الشرخ الذي حصل بعد إعفاء بنكيران وقبول العثماني بالشروط التي كان يرفضها سلفه، لكنها أدت من حيث لم يخطط له الحزب إلى عودة اتهامات "معاداة الملكية"، خصوصاً ظهور الحزب "ضيق الصدر" غير منفتح على مختلف الآراء، رغم تأكيد قيادته أن الحزب ينفرد بديمقراطيته الداخلية ورحابة آفاق التعبير السياسي داخله.