قبل أيام، قال وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في خطاب له عن إيران، إن "الولايات المتحدة تدين الاضطهاد الذي يتعرض له الشعب الإيراني من جانب من يحكمونه بصورة منافية للعدالة"، بعده بأقل من 48 ساعة سُئلت المتحدثة باسم وزارة بومبيو، هاذر نيورت، عن "قانون الدولة القومية" الذي يشكل ذروة الاضطهاد المنظّم للفلسطينيين لما ينطوي عليه من مأسسة لنظام "الأبارتايد".
غاب عن الجواب أي أثر للإدانة، إذ اكتفت نيورت، بارتباك ظاهر، بالقول إن الإدارة إذ "تؤمن بالمساواة بين الناس أمام القانون، إلا أنها لا تعلّق على قوانين الدول الأخرى". وللمزيد من الاستفسار، أحالت المتسائلين إلى "مراجعة إسرائيل في هذا الموضوع".
المقاييس اختلفت، وكأن واشنطن التي جعلت من حقوق الإنسان أحد ركائز خطاب سياستها الخارجية، ليست معنية بالتمييز الصارخ الذي يكرسه هذا القانون ضد الآخرين في إسرائيل التي لا ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها. فهي تنعم بامتياز الاستثناء على القاعدة، وبما يسمح لواشنطن بأن تهرع في مثل هذه الحالة إلى الكيل بمكيالين ومن دون حرج، خاصة أن هذا القانون مرّ من غير ضجة في واشنطن، حيث اقتصرت حصته على إشارات شحيحة في الإعلام غابت عنها التساؤلات التي تكون عادة صارخة في مثل هذه الحالات.
وسبق أن انتقدت واشنطن قوانين أجنبية تفوح منها روائح التمييز. ففي يونيو/حزيران الماضي، ضجّت واشنطن، وبكثير من الاستياء والاعتراض، على مشروع قانون بولندي جديد عن "الهولوكست"، اعتبر أنه يستخدم لغة ملتوية لا تسمي الوقائع بأسمائها، ويزعم أن "بعض اليهود كانوا من بين الذين ارتكبوا المجزرة".
كذلك انتقدت واشنطن هنغاريا التي اعتمدت، في الشهر نفسه، قانوناً يعاقب "من يساعد المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون البلاد"، أثار الاعتراضات الأميركية من زاوية أنه يتسم بمسحة عنصرية. واشنطن فاتحت بودابست في الموضوع عبر مكالمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس حكومتها فيكتور أوربان، وإن لم يُعرف مضمون الحديث. كما صدرت احتجاجات أميركية على التضييق التركي الذي تجدد منذ 2015 على اللغة الكردية. كلها تدخل في باب التعليق المكشوف على قوانين أجنبية.
لكن ليس هذه المرة ولو أن القانون الإسرائيلي يعلن بدون مواربة أن "تقرير المصير في إسرائيل يخص الشعب اليهودي فقط... باعتبارها وطنه التاريخي". يشرّع التمييز بوضوح وبما يضمر النية في التعامل مع العرب الإسرائيليين "بصورة منافية للعدالة". مع ذلك "بلعوا لسانهم" لئلا تُستفز إسرائيل، وصرفوا النظر عن شروط المواطنة المطلوب توفرها في "الديمقراطية الإسرائيلية الوحيدة في المنطقة"، كما يسمونها.
مع ذلك، ربّ ضارة نافعة. فالقانون يفضح ومن شأنه أن يخلخل معادلة "إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية" في آن. تزييف انكشفت حقيقته وأثار تحفظات وقلقا، حتى في صفوف اليهود الأميركيين، الذين بات معظمهم، حوالي 65% حسب آخر استطلاع، يتأفف من تمادي إسرائيل في الإجراءات المتمادية في الفصل العنصري، كما قال الأستاذ الجامعي اليهودي اومري بوهام وغيره.
"إن هذا القانون سيدفع التوتر بين طرفي هذه المعادلة إلى مرحلة الغليان"، يتوقع المعلق جوشوا ميتنيك، فالجمع بين الهويتين كان من الأساس مهتزا. جرى ترويجه بسهولة في بيئة أميركية متعاطفة ومنحازة. لكن في الآونة الأخيرة ضعف التعاطف مع إسرائيل في بعض القطاعات الأميركية، خاصة الطلابية، وفي صفوف الديمقراطيين بالذات.
وبدا ذلك في تنامي الدعوة، في الفترة الأخيرة، إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية المصنّعة في المستوطنات الإسرائيلية، وبما اضطر الكونغرس وسلطات بعض الولايات إلى التدخل وفرض عقوبات لمنع المقاطعة. هذه الأجواء قد يعطيها قانون "الدولة القومية" شحنة إضافية من النفور والرفض، لو جرى تحريك الموضوع وتسليط الأضواء على هذا التطور، باعتباره خطوة على طريق الفصل العنصري في إسرائيل.