وجاءت تصريحات روحاني أثناء لقاءات عقدها مع سفراء جدد عدة في طهران، من بينهم السفير البريطاني الجديد روبرت مكير، وأبدى خلالها تعويلاً على الأطراف الأوروبية التي لا تزال تخوض حواراً مع طهران حول آليات ضمان استمرار الاتفاق النووي، معتبراً أن الكرة في ملعب الأوروبيين الآن.
الحرس الثوري لترامب: أحلامك واهمة
وجاءت أكثر الردود على ترامب حدة، على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، الذي قال إن "الشعب الإيراني لن يسمح لمسؤوليه بالتفاوض مع الشيطان الأكبر".
ومتوجهاً إلى ترامب، قال الجعفري "ستبقى أحلامك بالتفاوض واهمة، ولن تتحقق"، مضيفاً أن "مسؤولي الجمهورية الإسلامية يعلمون جيداً سيناريوهاتك الحمقاء، واختبروها مراراً".
وفي إشارة إلى الحوار الذي تجريه واشنطن مع بيونغ يانغ، شدد جعفري على أن بلاده "ليست كوريا الشمالية، لتوافق على عرض" ترامب، مضيفاً أن " رؤساء أميركا السابقين كانوا يعلمون أن إيران وشعبها لا يقبلون التهديد".
واعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية، مساء اليوم الثلاثاء، أن للتفاوض شروطاً ومقررات لم تلمسها طهران في سلوك الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه، وذلك في معرض ردّ الوزارة على إعلان ترامب جهوزيته للحوار مع طهران من دون شروط مسبقة.
قاسمي: ضياع البوصلة
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، إن "العقوبات والضغط يتضادان مع الحوار الذي يتطلب احتراماً متقابلاً والتزاماً بالتعهدات"، في إشارة إلى العقوبات الأميركية التي أعادت الولايات المتحدة بعد انسحابها من الاتفاق النووي فرضها على إيران، وإلى سياسة إدارة ترامب التي تتجه إلى ممارسة مزيد من الضغوط على طهران.
ورأى قاسمي أن التصريحات المتناقضة لترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو "تؤكد ضياع بوصلة السياسة الأميركية"، معيداً التشديد على أن "منطق إيران يقوم على الحوار الذي يتطلب احتراماً متبادلاً والتزاماً بالتعهدات".
ترامب تاجر سياسي
من جهته، وبعدما كانت نقلت عنه وكالة "إيسنا" للأنباء في وقت سابق اعتباره أن الحوار مع الولايات المتحدة "لا يجب أن يكون محرماً أو محظوراً"، أكد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، أن "التفاوض في إيران ليس محرماً، وستخوضه إذا ما كان يحقق مصالحها القومية"، معتبراً أن ذلك لا يزال غير
قطعي في الحالة الأميركية.
وأضاف فلاحت بيشه، نقلاً عن موقع "تسنيم" المقرب من المحافظين، أن إيران والولايات المتحدة لا تريدان الحرب، لأنها لا تؤمّن مصالح كل منهما، معتبراً أن "الأجواء الدولية لفتح الدبلوماسية بين البلدين مهيئة بالفعل، فالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والمنظمات الدولية تحاول إتاحة ذلك، وتضغط على واشنطن، لأنها هي الطرف الذي خرج من الاتفاق النووي مؤخراً".
وقال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني إن "الدبلوماسية بالمعنى الأميركي الراهن لا تحقق مصالح طهران، وواشنطن تريد الدخول في الحوار لمجرد الحوار، ودليل ذلك أن عرض ترامب بمفاوضات غير مشروطة، لحقه تصريحات على لسان وزير خارجيته (مايك بومبيو) تؤكد أن الولايات المتحدة تريد جرّ الآخرين إلى الطاولة، وتصنّف ذلك إنجازاً".
وأكد فلاحت بيشه أن واشنطن "عرضت التفاوض على إيران أكثر من مرة منذ انتصار الثورة الإسلامية في 1979، ولم يهتم بها الإيرانيون أبداً، باستثناء الحوار حول بعض العناوين الخلافية الثنائية التي تمّ حلها، أو التفاوض عبر وسيط ثالث باستخدام آلية جنيف، فضلاً عن التباحث حول النووي، وهو ما حصل ضمن إطار دولي".
ورأى أن كلاً من طهران وواشنطن "كانتا تدركان في السابق أن المفاوضات النووية، وقبل حاجتها للوساطة، فهي تحتاج لإدراك مشترك للوقائع، وهو ما حصل إلى حد ما في حينه، لكن ذلك غير متوفر في الوقت الراهن"، بحسب رأيه، مضيفاً أن بلاده "لا تزال تحاول التقليل من حالة النزاع والتوتر، لكن الطرف الأميركي هو من يوصل الأمور إلى الذروة"، ومقترحاً "إيجاد خط اتصال أحمر بين الطرفين يمنع تصاعد الأزمة من قبل اللاعبين المؤثرين في أسوأ الحالات".
وأوضح المسؤول الإيراني أن الثقة بالولايات المتحدة "قد خُدشت مجدداً بسبب موقفها من الاتفاق النووي، فعليها بالتالي أن تتخذ خطوات عملية لتجهز أرضية الحوار"، مجدداً تأكيده على مسألة "وجود أطراف ثالثة تستفيد من العداء الإيراني - الأميركي وتقدم معلومات خاطئة إلى واشنطن". وقال إنه "إذا ما درس ترامب والإدارة الأميركية موضوع إيران وفقاً لتحليلات واقعية، فسيدخلون في حوار حقيقي معها"، لافتاً إلى أن طهران "لا تزال تتعامل مع ترامب على أنه تاجر سياسي، لكنها لا تدرك نوع الأهداف التي يحملها، وفقدان الثقة يجعل البلاد لا تتعامل بشكل جدي، سواء مع الحوار المشروط أو غير المشروط".
بدوره، أبدى وزير الداخلية الإيرانية عبد الرضا رحماني فضلي، موقفاً مشككاً بالولايات المتحدة، قائلاً إن الولايات المتحدة "غير أهل للثقة، فكيف يمكن تصديقها والاعتماد على كلامها بعدما انسحبت من الاتفاق النووي"، ومعتبراً أن تصريحات واشنطن "متناقضة".
ونقلت وكالة "فارس" للأنباء عن فضلي قوله أيضاً إن أعداء إيران يواجهونها على مستويات عدة، الأول على مستوى التهديد العسكري، والثاني من خلال العقوبات الاقتصادية، أما الثالث فمن خلال محاولة زيادة التوتر وحالة عدم الرضا الاجتماعية في الداخل، وهو أخطرها، مؤكداً أن بلاده قادرة على مواجهة التهديدات العسكرية، وعلى الصمود في وجه العقوبات.
دعوة للحكمة
وفي السياق، رأى عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، والرئيس الأسبق لمكتب التفتيش لدى المرشد الأعلى، ناطق نوري، أنه يجب دراسة وبحث عرض التفاوض الأميركي، "فلا يجب رفض الأمر مباشرة، ولا التصرف بانفعالية، فهذا العنوان يجب أن يبحث في مجلس الأمن القومي الأعلى".
ونقل موقع "انتخاب" عن نوري قوله إن ما حصل "ليس سلبياً، بل كان متوقعاً من قبل شخص مثل ترامب"، داعياً صناع القرار المعنيين بهذا الملف للتعامل معه "بدراية وحكمة عالية".
وحول جهوزية سلطنة عمان للقيام بوساطة بين إيران والولايات المتحدة، وهي الشريك الاستراتيجي الذي لطالما لعب دوراً حين تصاعد التوتر بين البلدين، قال نوري إن زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي إلى طهران في الأيام القليلة المقبلة قادماً من واشنطن "قد تكون بهدف طرح مبادرة وساطة".
أما رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية كمال خرازي فذكر أنه على ترامب أن يعوض إيران عن قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي مشككا بنواياه كذلك، وقال إنه يحب اللقاءات ولا يفكر لا بنتائجها ولا بتصريحاته المتناقضة.
ويقترب موقف خرازي من موقف وزير الاستخبارات الإيراني محمود علوي، الذي أكد أن تهديدات ترامب لن تصل إلى أي مكان، وأن طهران ستبدلها إلى فرص ستستفيد منها، معتبراً أن الإيرانيين قادرون على مواجهة الصعوبات.
أما نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي مطهري فلم يبد هو الآخر تفاؤلاً من أن يتحول الحوار الإيراني - الأميركي إلى سيناريو عملي، قائلاً إن الوضع الراهن ليس مناسباً للدخول في مفاوضات، لأنها ستكون مرفقة بالإذلال.
ورأى مطهري أنه لو لم ينسحب ترامب من الاتفاق النووي، ولو لم يتم إعادة فرض العقوبات على بلاده، لما كان هناك أي إشكال في الحوار مع واشنطن. ورأى أنه "كان من الأفضل أن يفتح باب العلاقات مع أميركا في زمن (الرئيس الأميركي السابق باراك) أوباما، وحتى الدخول في مفاوضات معها، لكننا خسرنا الفرصة"، مؤكداً قبوله الحوار "من حيث المبدأ، لكنه يجب أن يتم في ظروف مناسبة وعادلة، كي يكون مفيداً".
وذكر مطهري أنه من الممكن فتح علاقة ثنائية لبحث التسهيلات المتعلقة بالإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة، وما إلى ذلك من قضايا متصلة، لكن التفاوض يعني ضرورة الاتفاق على عدد من المسائل. وحمل المسؤول الإيراني مسؤولية ما حصل للاتفاق النووي إلى أطراف في الداخل، معتبراً أنه لو سعى الجميع لتطبيق الاتفاق بشكل صحيح لدخلت العديد من الشركات الأوروبية والأميركية إلى إيران ولاستثمرت فيها، ولما استطاع ترامب الانسحاب منه بسهولة، مشدداً على أنه لا يمكن تحميل مسؤولية ما حصل لروحاني وحكومته فقط.