بالتزامن مع تصاعد التوتر والحرب التجارية بين الولايات المتحدة وتركيا، تشهد العلاقات بين موسكو وأنقرة تطوراً ملحوظاً في مجالات التجارة والطاقة والسياحة، بالإضافة إلى التنسيق المتزايد بالنسبة إلى الأزمة السورية. وأثار الفتور في العلاقات التركية - الأميركية إلى جانب تلاشي آمال أنقرة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تساؤلات حول ما إذا كانت ستتجه تركيا إلى تعزيز علاقاتها مع شركاء جدد خارج الكتلة الغربية، خصوصاً أنّ روسيا تواجه هي الأخرى تشديداً للعقوبات الأميركية عليها والتي أعلنت عنها واشنطن في وقت سابق من أغسطس/آب الجاري.
وفي هذا الإطار، اعتبر كبير الباحثين في "معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية" التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فيكتور ناديين-رايفسكي، أنّ "روسيا وتركيا باتتا في خندق واحد، في ظلّ سعي الولايات المتحدة إلى تقويض منظومتَيهما الاقتصاديتين"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "ولكن الصداقة في مواجهة طرف ثالث لها خصائصها، ولن يقدم الأتراك على ما لا يصب في مصلحتهم أبداً".
وتابع ناديين-رايفسكي: "قبلت تركيا تحدي الولايات المتحدة التي استهدفت منظومتها الاقتصادية وعملتها الليرة، في وقت يمنحها التعاون مع روسيا بدائل اقتصادية جديدة، بما فيها الانتقال إلى الحسابات بالعملتين الوطنيتين للبلدين".
وعلى مدى سنوات طويلة، بحثت تركيا عن عضوية في الاتحاد الأوروبي من دون أن تتحقّق آمالها بسبب مواقف دول بعينها. وعلّق ناديين-رايفسكي على ذلك قائلاً: "على تركيا البحث عن دعائم خارجية لاقتصادها وعن بديل للاتحاد الأوروبي الذي لا ينتظرها، إذ ستفرض دول مثل النمسا وفرنسا وألمانيا وقبرص الفيتو على انضمامها".
ومع تفاقم الأزمة السورية منذ عام 2011، باتت الخلافات بشأن مستقبل سورية تخيّم على العلاقات الروسية - التركية، وصولاً إلى واقعة الصدام المباشر وإسقاط قاذفة "سوخوي-24" من قبل سلاح الجو التركي في نهاية عام 2015، وما ترتّب على ذلك من وقف حركة السياحة وتجميد المشاريع المشتركة في مجال الطاقة. إلا أنّ اعتذار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والدعم الروسي لأنقرة في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف عام 2016، مهّدا الطريق لتطبيع العلاقات الاقتصادية والسياسية وحتى التنسيق ومراعاة مصالح الطرف الآخر في سورية.
وأعطى ناديين-رايفسكي مثلاً عن التنازلات الروسية - التركية المتبادلة في سورية، قائلاً: "لا تزال هناك خلافات بشأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن أنقرة تخلّت عن دعم الفصائل الإسلامية، بينما سمحت موسكو بتنفيذ عمليات عسكرية ضد الأكراد بالقرب من الحدود التركية في عفرين"، على حد وصفه.
وخلال زيارته إلى أنقرة في وقت سابق من هذا الأسبوع، عقد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خامس لقاء له مع نظيره التركي، مولود جاووش أوغلو، هذا العام. وأظهر الوزيران خلال اللقاء توافقاً في توجيه انتقادات إلى واشنطن والإشادة بتطوّر العلاقات الثنائية، حتى في القضية السورية.
إلى ذلك، رأت صحيفة "كوميرسانت" الروسية أنّ "الجانب التركي نظّم الزيارة بشكل يبدد أيّ شكّ في أنّ العلاقات مع موسكو بلغت ازدهاراً حقيقياً"، في ظلّ مشاركة لافروف في فعالية داخلية بحتة، وهي اجتماع السفراء والمندوبين الدائمين الأتراك.
وفي مقال بعنوان "المحور شرير جداً. كيف تقرّب الضغوط الأميركية روسيا وتركيا وألمانيا؟"، توقّعت الصحيفة ألا تسفر العقوبات الأميركية بحق وزيري الداخلية والعدل التركيين ورفع الرسوم الجمركية على المعادن التركية، عن تشكيل ثنائي بين موسكو وأنقرة فحسب، بل قد تنضم إليهما ألمانيا التي أعربت عن دعمها لتركيا.
وذكّرت "كوميرسانت" بأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيعقد محادثات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في ألمانيا يوم 18 أغسطس الحالي (غداً السبت)، ستتطرق إلى الملفين الأوكراني والسوري وكذلك مدّ خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي-2" والقيود التي تواجهها دول عدة، وفق ما صرح به الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف. وأضافت الصحيفة أنّ قادة روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا سيلتقون مرة أخرى في إسطنبول في 7 سبتمبر/أيلول المقبل لمناقشة الأوضاع في سورية، مرجحةً ألا تقتصر النقاشات على هذه القضية.
وكان لافروف قد صرّح خلال زيارته إلى أنقرة، بأنّ العقوبات الغربية على روسيا وتركيا وإيران تشكّل محاولة للتأثير في "نجاح" إطار أستانة حول سورية، مشيداً بموقف أنقرة الرافض الانضمامَ إلى العقوبات بحقّ بلاده.
وتعدّ تركيا شريكاً اقتصادياً رئيسياً لروسيا، إذ فاق التبادل التجاري بينهما في العام الماضي الـ20 مليار دولار، بالإضافة إلى تولي مؤسسة "روس آتوم" أعمال إنشاء محطة "أك كويو" النووية التركية، ومدّ خط "السيل التركي" لزيادة صادرات الغاز الروسي، فضلاً عن سعي تركيا إلى جذب 6 ملايين سائح روسي هذا العام.