عقب انتهاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة التي أجريت في تركيا في 24 يونيو/حزيران الماضي، وانتقال البلاد إلى النظام الرئاسي، فقد حزب العدالة والتنمية الحاكم الأغلبية في البرلمان، على عكس الانتخابات السابقة، لكنه نجا بفعل تحالفه مع حزب الحركة القومية اليميني المتشدد في "التحالف الجمهوري"، ليخرج الرئيس رجب طيب أردوغان معلقاً على النتيجة بأنه فهم رسالة الشعب التي قالت نعم لأردوغان ولا لحزب العدالة والتنمية من دون إصلاح.
واستناداً لهذه النتيجة، اجتمع أردوغان مع قياداته الحزبية عقب الانتخابات، واتفقوا على تقديم موعد الاجتماع العام السادس، لتجديد الحزب، والتحضير لانتخابات الإدارة المحلية، التي ستجرى في مارس/آذار المقبل، وهو ما جرى بالفعل، أول من أمس، إذ عقد الحزب مؤتمره العام بحضور نحو 1400 مندوب من مختلف الولايات التركية، بالإضافة إلى حضور دبلوماسي، عربي ودولي. وخلال الاجتماع انتخب أردوغان مجدداً زعيماً للحزب، إذ حصل على كامل الأصوات الصحيحة للمندوبين المصوتين، التي بلغت 1380 صوتاً، في حين جرى اختيار مجلس قيادة الحزب المؤلف من 50 اسماً، منهم 29 اسماً جديداً. ومعنى ذلك أن أردوغان نفذ تعهداته بضخ أسماء جديدة في الحزب، عبر تغيير شمل أكثر من نصف مجلس القيادة.
لكن المتابع لهذه التغييرات لا يجد أن هناك تعديلاً كبيراً من ناحية الحزب وتغييراته وتطوراته، أو إدخال تيارات على حساب تيارات أخرى، أو تعديل مناطقي، أو حتى الزج بأسماء بارزة جديدة انضمت بشكل حديث للحزب. فقائمة الخمسين اسماً تضمنت 42 نائباً من البرلمان السابق الذي يحمل الرقم 27، أي أن 8 أسماء فقط ليست من البرلمان، في حين اتخذ وزراء وأسماء معروفة مكاناً لهم في مجلس القيادة الجديد. وحتى أن المناصب التي وزعت هي لأسماء معروفة داخل الحزب والحكومة والبرلمان، وبالتالي كان التغيير بإضافة أسماء حزبية معروفة لم تكن في قيادة الحزب، في حين كانت التوقعات تشير إلى أنه سيتم الزج بأسماء جديدة تشكل مفاجأة كبرى. وهذا النمط يعتمد عليه أردوغان بتبديل مواقع من يثق بهم، فتارة في قيادة الحزب، ومرة في البرلمان، ومرات في مناصب حكومية، ليظهر ذلك خشية أردوغان من ضخ أسماء جديدة بالفعل، تستطيع إنقاذ الحزب وقيادته في الاستحقاقات المقبلة. وتشير كذلك إلى أن أردوغان في ظل الأزمات المستمرة التي يعانيها مع الخارج، يلجأ دوماً للشخصيات التي يثق بها للتقدم في مسيرة قيادة البلاد، ومنحه مزيداً من الأريحية في قيادة البلاد دون اعتراضات، أي أنه يميل للموالاة دون وجود لتيار معارض له.
وبالعودة إلى قائمة مجلس قيادة الحزب، يتبين أنها تضم خبرات كبيرة من الحزب سبق وتسلمت مناصب. وكان لافتاً وجود اسم خديجة مروة ططر من ولاية غازي عنتاب، وهي من مواليد العام 1977. كما ضمت القائمة أسماء معروفة، مثل وزير المواصلات السابق وعضو البرلمان، أحمد أرسلان، والمحامي والنائب السابق، علي إحسان ياووز، ووزير التجارة والجمارك السابق والنائب السابق، بولنت توفنكجي، فضلاً عن النائب والوزير السابق، جودت يلماز، والنائبة السابقة تشيدم قاره أصلان، والوزير السابق أفكان آلا، ونائب رئيس الحكومة السابق نعمان قورتولموش، والنواب السابقين مصطفى كوسه، ومصطفى ينر أوغلو، ومحمود أتيلا كايا، وأمينة زيبكن، وإرول كايا، وفاتح شاهين وغيرهم. ومن الأسماء الجديدة، رئيس فرع الحزب في ولاية قونية، أحمد سورغون، ورجل الأعمال الذي عمل سابقاً في منظمات المجتمع المدني أحمد تان، والمسؤول الحزبي ورجل الأعمال أحمد سامي جيلان، والمسؤولة الحزبية بشرى بكر، بالإضافة إلى مصطفى يل، وأركان كان ديمير، وغيرهم.
والملاحظ في هذه اللائحة أنها لا تضم برلمانيين حاليين أو وزراء حاليين، وبالتالي فإن التركيز في المرحلة المقبلة سيكون على الخبرات في قيادة البلاد، في غياب واضح للشباب، مع تطعيم بسيط برجال أعمال وبيروقراطيين ونساء. كما أن الملاحظ في التيار الغالب على الحزب هو استمرار التيار المحافظ، إذ إن الأعضاء القدامى والجدد يرتبطون ببيئات محافظة، وبالتي فإن الحزب مستمر بخط سيره المحافظ مع الاعتماد على تراكم الخبرات وأسماء حققت نجاحات في ظل الحكومات السابقة، ومن يعتمد عليهم أردوغان. ويبقى السؤال المطروح عن مدى إرضاء هذه اللائحة لغالبية الشعب التي وجهت رسالة للحزب بأنها ترغب بالتغيير، إذ اتضح ذلك بانخفاض أصوات حزب العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة؟
كما يطرح تساؤل آخر يتعلق بمدى قدرة الحزب على المضي قدماً، في ظل تحديات اقتصادية داخلية، متمثلة بانخفاض قيمة صرف العملة المحلية، وتأثير ذلك على المستقبل البعيد، في ظل تذمر داخلي من استمرار تراجع العملة التركية على مدار الأشهر السابقة، من دون وجود حلول ناجعة توقف التدهور الكبير، والقلق من سياسات أردوغان الاقتصادية التي لا ترضي الدول الغربية والمؤسسات الرأسمالية الدولية. فضلاً عن التساؤل عن مدى إمكانية مواصلة المواجهة مع واشنطن حيال القس أندرو برانسون المعتقل بتهم تتعلق بالإرهاب في تركيا، في حين تطالب أميركا بالإفراج عنه من دون مقابل وبشكل فوري، وتطور الأمر لفرض عقوبات متبادلة بين الطرفين، شملت الاقتصاد، وهو ما وصفته أنقرة بأنه حرب اقتصادية أميركية.
أما في ما يتعلق بمناصب الحزب، فقد منحت أيضاً لأسماء معروفة جداً، إذ جرى تعيين الوزير السابق عمر جيليك متحدثاً باسم الحزب، ونعمان قورتولموش نائباً للأمين العام للحزب، ما يعني أنه بات الرجل الثاني في الحزب بعد أردوغان. وتم تكليف الوزير السابق حياتي يازجي بقيادة الشؤون السياسية والقانونية. كما تم تسليم بقية المناصب إلى برلمانيين ووزراء سابقين. وفي المكتب التنفيذي المكون من 15 اسماً، تم تعيين 9 شخصيات جديدة، فيما حافظ ستة أشخاص على مواقعهم. ومن بين الأسماء 6 وزراء سابقين، مثل وزير التنمية لطفي علوان، ووزيرة الشؤون الاجتماعية فاطمة بتول سايان. وخلال الاجتماع السادس، اعتمدت تغييرات في النظام الداخلي للحزب كانت اعتمدتها لجنة خاصة، عبر إدخال تعديلات على أعداد المندوبين، كما تم إدخال "التحالف الجمهوري" في النظام الداخلي، وهو اتفاق جرى بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية خلال الانتخابات السابقة، وحصل بموجبه التحالف على الأغلبية في البرلمان. وإزاء القرارات والتعيينات الجديدة، تتوجه الأنظار للفترة المقبلة، لمعرفة السياسات الجديدة التي سيعمل عليها أردوغان مستقبلاً، بعد أن رسخ أركان حكومته ونظامه الرئاسي، واختار قيادات حزبه، وكشف عن سياسته القريبة، عبر اختيار المواجهة مع أميركا، والتقارب مع أعداء واشنطن.