أطلق الجيش الجزائري عملية عسكرية خاصة، لملاحقة زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، عبد المالك دروكدال، ومجموعة مرافقة له، في معقله الرئيسي في جبال منطقة البويرة، 120 كيلومتراً شرقي العاصمة الجزائرية، في وقت تطرح التساؤلات حول أسباب إخفاق الجيش ومصالح الأمن في استهدافه.
وبدأ الجيش الجزائري عملية تعقب لقائد تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ناقلاً إلى منطقة البويرة قوات كبيرة لشن هذه العملية، وإجراء تمشيطٍ كامل للمنطقة الجبلية الممتدة من جبال الأخضرية إلى تخوم ولاية برج بوعريريج شرقي الجزائر، حيث تتمركز مجموعات مسلحة تتبع "القاعدة"، ويعتقد أنها تضمن مراكز حيوية لقيادات التنظيم الإرهابي.
وقال مصدر عسكري يشارك في العملية لـ"العربي الجديد" إن "عملية التمشيط الجديدة تستهدف القضاء على قيادات في القاعدة، وأبرزها دروكدال والمجموعات المقربة منه، التي هي في العادة مجموعات شرسة ومزودة بالسلاح بشكل جيد"، مضيفاً أنه "في مثل هذه العمليات، وفي حال كانت قيادات التنظيم موجودة فعلاً في هذه المنطقة، فإنها تعزز مجموعاتها لتأمين نفسها، كما أن عناصرها تستميت في الدفاع عنها وفق عقيدة التنظيم الإرهابي، ولذلك تحتاج عمليات كهذه إلى جهد عملياتي وقوات كبيرة لغلق كل منافذ هروب أو تخفّي المسلحين".
ويلاحق الجيش زعيم "القاعدة" منذ أكثر من عقد، لكن دروكدال نجح في الإفلات من عدد من عمليات الملاحقة الأمنية والعسكرية.
ويقود دروكدال تنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي منذ عام 2006، الذي كان قبل ذلك يسمّى "الجماعة السلفية للدعوة والقتال".
وكان الأمير السابق للتنظيم، حسان حطاب، قد تخلّى عن القيادة وسلّم نفسه للسلطات في منتصف 2006. وفي ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، أعلن دروكدال عن تحوّل "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" إلى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وتبنّى خلال عام 2007 أعنف التفجيرات الانتحارية التي استهدفت قصر الحكومة والمجلس الدستوري ومقر الأمم المتحدة ومراكز أمنية في العاصمة الجزائرية، وكذلك مقرات أمنية وعسكرية في مدن أخرى، منها ورقلة وتمنراست جنوبي الجزائر.
ويعدّ دروكدال أكثر أمراء المجموعات المسلحة الذين استمروا لفترة أطول من 12 سنة على رأس التنظيم من دون أن تتمكن قوات الجيش والاستخبارات من إطاحته، على الرغم من نجاحها في إطاحة قيادات مقربة منه، بينها صلاح أبو محمد، المتحدث باسم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" ومفتي التنظيم، علماً أن قوات الجيش والأجهزة الأمنية المختصة كانت في السابق تعرف بقدرتها على الوصول إلى رؤوس التنظيمات المسلحة وكبار القيادات في مهلٍ أقل بكثير، خاصة خلال التسعينيات، إذ لم يكن أمراء الجماعات المسلحة يتجاوزون فترة السنتين قبل أن يتم القضاء عليهم.
ويعزو الضابط السابق في جهاز الاستخبارات الجزائري، عبد المجيد العربي شريف، إخفاق الجيش والاستخبارات في إطاحة زعيم "القاعدة" إلى تغير الظروف التي تتحرك فيها مجموعات "القاعدة" حالياً، مقارنة مع تحرك الجماعات المسلحة في التسعينيات وما بعد ذلك.
ويوضح شريف لـ"العربي الجديد" أنه "سابقاً، كانت القيادات تتحرك بحرية في الجغرافيا المترامية، وكانت العديد من المواقع تنشط فيها كتائب تابعة لهم. وكان أمير التنظيم يتنقل ويشرف على العمليات وكانت إمكانية سقوطه في عملية أو كمين مرتفعة، أما اليوم، ومع تضاؤل المساحة والكتائب وتضييق الخناق وشل حركات هذه الجماعات داخلياً، والإغلاق المحكم للحدود واستحالة تأمين تحركات أمير التنظيم، أصبح أمير التنظيم مجبراً على التخفي عن الأنظار والعيش في عزلة، وهو يعمل على حماية نفسه قبل التفكير في تخطيط وإدارة العمليات الإرهابية أو التنقل، وكذلك اليوم انضمامه إلى تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين يسمح له بالابتعاد عن الميدان والتواري عن الأنظار حتى إشعار آخر".
ويقدر ضابط الاستخبارات الجزائري السابق أن أمير "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لم تعد له السيطرة على التنظيم، بفعل تفتت هذا الأخير إلى مجموعات صغيرة محاصرة في كل تحركاتها، مشيراً إلى أن الجيش والأجهزة الأمنية لا تعمل على أولوية القضاء على فرد معين، بقدر ما هي مهتمة بالقضاء على كل العناصر الإرهابية.
كذلك يرى شريف أنه "من الصعب أن يسيطر زعيم تنظيم في الظروف التي ذكرتها سابقاً، فهو يبقى زعيماً صورياً ما لم يتحرك ويُدر عمليات استعراضية، والقضاء عليه ليس أولوية بل القضاء على الإرهاب، وهو إرهابي مثله مثل الباقين، وعملية قتله لا تغير شيئاً ما لم يتم اجتثاث الإرهاب وفكره". ويضيف "اليوم، يتنقل الإرهابيون بمجموعات صغيرة جداً، مكونة من عنصرين إلى خمسة، فتحديدهم صعب في جغرافيا مثل الجزائر، علماً أن نشاطهم اليوم يكاد يكون معدوماً". أما بالنسبة إلى دروكدال، فإنه برأي الضابط السابق "محاصر وضعيف ومقيد الحركة، مثله مثل مجموعاته".
يذكر أن عبد المالك دروكدال اختفى عن الأنظار منذ آخر تسجيلات فيديو بثها عام 2012، لكن العمليات الإرهابية الأخيرة التي استهدفت وحدات الجيش الجزائري في منطقتي عين الدفلى غربي الجزائر وباتنة شرقاً، دفعت القيادة المكلفة بمكافحة الإرهاب إلى التفكير في إمكانية أن يكون التنظيم بصدد تنفيذ خطة هجمات مضادة لاستعادة زمام المبادرة على الأرض، بعد سلسلة طويلة من الضربات القاسية التي تلقاها، وهو ما يفرض السعي إلى قطع رأس "القاعدة" وإطاحته، لإحباط أي استهداف، وإحداث خلخلة إضافية في صفوف التنظيم وتسريع عمليات استسلام عناصره بشكل أكبر.