ووصل الصلف الإسرائيلي في الإنذار حد عرض المساعدة على أهالي الخان الأحمر في هدم منازلهم ذاتياً، إذ جاء في الإنذار: "أي مواطن يرغب بالحصول على المساعدة في الهدم أو نقل الأغراض عليه التوجه لمديرية التنسيق والارتباط ضواحي القدس لغاية التاريخ المذكور أعلاه بواسطة هاتف رقم ..."
موقف أهالي القرية لخصه رئيس مجلس قرية الخان الأحمر، عيد خميس، الذي أكد في حديث مع "العربي الجديد"، رفض الأهالي التعامل مع هذا القرار بالمطلق وتصميمهم على التصدي لقوات الاحتلال إن جاءت لتنفيذ عملية الهدم" وأضاف: "حتى لو فعلوا ذلك، سنعيد بناءها، إما في موقعها الحالي أو في أقرب منطقة منها، لن نغادر المكان".
يبقى أنه بعد الإنذار بهدم الخان الأحمر ذاتياً، أي على يد قاطنيها من الفلسطينيين، يكون الاحتلال قد قطع شوطاً طويلاً في عقوبة لم يسبق أن مارسها احتلال في العالم كما يفعل الاحتلال الإسرائيلي من إجبار الفلسطيني على هدم السقف الذي يأويه بيديه.
صور الفلسطينيين، وتحديداً أهل القدس المحتلة الذين يرغمهم الاحتلال على هدم منازلهم بأيديهم بحجة البناء غير المرخص، وكم القهر والإذلال الذي تحمله وجوههم وهم يحملون معاولهم ويهدمون جدران بيوتهم، يؤرخ للفصل ما قبل الأخير من هيمنة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية تحت غطاء محاكم الاحتلال التي تنحاز للاستيطان والمستوطنين بشكل مطلق.
وفي السياق، يرى الخبير في شؤون القدس والاستيطان، جمال عمرو، أن "سياسة الهدم الذاتي كانت دوماً متبعة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لكنها برزت وترسخت بشكل كبير منذ اتفاق أوسلو 1993، إذ أصبح الاحتلال أكثر حرصاً على ملاحقة الفلسطينيين بهدف السيطرة على مساحات إضافية من الأرض ومنع الفلسطينيين من الامتداد بناء على ما تم توقيعه من تقسيم أراضي الضفة الغربية إلى مناطق (أ، ب، ج)، لذلك فإن أي بناء أو امتداد عمراني للفلسطينيين بدون ترخيص سواء في مناطق "ج" أو القدس فإن الاحتلال بالمرصاد".
ويقول عمرو "يتم تخيير الفلسطيني بأن تخرج قوة من الاحتلال الإسرائيلي، تضم الجيش والشرطة والمخابرات وعمال المعدات الثقيلة، لتهدم البناء وتحميل الفلسطيني نفقات ساعات العمل لكل قوى الاحتلال المشاركة بكلفة تبدأ من 20 ألف دولار وتصل إلى 40 ألف دولار لعملية الهدم التي تستغرق من نصف ساعة إلى ساعة كاملة أو أن يهدم منزله بيده". وتابع: "لا يوجد احتلال بالعالم يفرض مثل هذه العقوبة، وعندما يختارها الفلسطيني فإنه يقوم بذلك لتجنب التكلفة العالية التي سوف تفرض عليها لاحقاً، إذ تكلّف عملية الهدم الذاتي نحو ستة آلاف دولار لكن تستغرق ساعات طويلة وربما أياما، لكن شعور الحسرة والإذلال يفوق كل شيء، مع الأخذ بعين الاعتبار أن امتناع الفلسطيني عن دفع تكاليف الهدم إن قامت به قوات الاحتلال سيترتب عليه السجن".
ووفقاً لعمرو فإن الاحتلال يحقق أهدافاً عدة عبر اتباعه سياسة "الهدم الذاتي" أولاً تحقيق قوة الردع وكسر المعنويات وإذلال الفلسطيني الذي يهدم منزله بنفسه، وإثارة الرعب بقلب كل فلسطيني يفكر في البناء بدون ترخيص، إذ سيكون مصيره هدم منزله بيديه، وترسيخ هيمنة دولة الاحتلال أكثر.
وإضافة لما سبق يوجد هدف آخر لا يقل أهمية يتلخص بإن إسرائيل، وعبر الهدم الذاتي، تتخلص من الكاميرات والتوثيق الإعلامي عندما تقوم قواتها بهدم المنشآت الفلسطينية، وبالتالي تتم عملية الهدم بدون أي إدانات قانونية أو إحراج دولي، مع تحقيق أعلى المكاسب الممكنة وهي التخلص من بناء فلسطيني قائم على يد الفلسطيني نفسه.
وتصل سياسة الإذلال إلى أقصاها عندما يتم الطلب من الفلسطيني أن يقدم أوراقا وصورا تثبت أنه هدم منزله وسواه بالأرض تجنباً لأي غرامات أو عقوبات أخرى، بعد أن يكون قد أثقل بالفعل بغرامات فرضتها محاكم الاحتلال عبر سنوات بتّها بالقضية. ويقول عمرو إن "من يهدم بيته سلفاً، يكون قد دفع عبر سنوات عشرات آلاف الدولارات لاستصدار أوامر مؤقتة من محاكم الاحتلال بتأجيل الهدم، واستنفد كل إجراءات المحاكم الإسرائيلية بالحصول على ترخيص، والتي استنفدت أمواله، وفي نهاية الأمر يأتي قرار المحكمة أخيراً بالهدم، ويتم تخييره بالهدم من خلال قوات الاحتلال أو من خلال الهدم الذاتي".
وعادة ما تتذرع المحاكم الإسرائيلية في قراراتها بأن أوامر الهدم سببها عدم قيام الفلسطيني بالحصول على الترخيص اللازم، لكن نظرة قريبة على وضع المقدسيين تؤكد أن إعطاء الترخيص للفلسطيني أمر يكاد يكون مستحيلاً، وإن حصل فإنه يصل إلى تكلفة بناء منزل في أي مكان آخر.
وفيما تصل تكلفة الترخيص في القدس المحتلة لعشرات آلاف الدولارات في حال تم منح الترخيص لفلسطيني وهو أمر نادر، إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحظر أي ترخيص لإقامة بناء او منشآت فلسطينية في جميع الأراضي الفلسطينية المصنفة "ج" حسب أوسلو، والتي تبلغ نحو 62 في المائة من مساحة الضفة الغربية المحتلة، إذ تعتبر هذه المنطقة الخزان الاستيطاني للاحتلال.
ويقول عمرو: "تم التوافق على أن مناطق "ج" حسب أوسلو، وبموافقة القيادة الفلسطينية، تحت سيطرة إسرائيلية كاملة، لكن القدس تم تأجيلها إلى ملفات الحل النهائي، ورغم ذلك إلا أن غالبية أوامر الهدم الذاتي تتم في القدس، التي يبدو أن الاحتلال حسم أمر قرارها بدون الحاجة لأي مفاوضات مع الفلسطينيين".
ورصد مركز معلومات "وادي حلوة" في القدس هدم 27 منشأة فلسطينية ذاتياً خلال عام 2017، و30 منشأة فلسطينية خلال عام 2016، و7 منشآت خلال عام 2015، فيما رصد المركز نفسه منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية أغسطس/آب الماضي هدم 15 منشأة ذاتياً في القدس.
ورغم الأرقام التي ترصدها المراكز المختصة إلا انه حتى الآن لا يوجد إحصائية دقيقة لعدد حالات الهدم الذاتي، وكل ما ترصده هذه المؤسسات هو بعد تداول الحدث في الإعلام أو بعد الإخبار عنه، إذ لا يعلن كثير من الفلسطينيين عن هذا الأمر، لأسباب تتعلق بتحفظات الفلسطيني على ذلك وما يتبعه من نظرة مجتمعية سلبية لمن يهدم منزله بيده وإن كان مرغماً على ذلك.
وحسب القسم الإعلامي في مركز "وادي حلوة"، فإن المواطن المقدسي يضطر إلى "هدم منزله بيده بعد تهديده بفرض غرامات مالية عليه وهي عبارة عن ما يسمى "أجرة الهدم" حيث يدفع المقدسي لطواقم البلدية (العمال والجرافات) التي نفذت الهدم ولقوات الاحتلال التي وفرت لها الحماية الكاملة خلال عملية الهدم، وكذلك يهدد المقدسي بالحبس الفعلي لفترات متفاوتة في حال عدم تنفيذ الهدم يدوياً".
ويقول الخبير في شؤون الاستيطان، خليل التفكجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه ليس هناك نص قانوني يتحدث عن الهدم الذاتي، وإنما هي سياسة متبعة لدى الاحتلال يتم فيها تخيير المواطن المقدسي بين أن يهدم منزله بيديه ويفلت من رسوم الهدم وبين أن تقوم بلدية الاحتلال بالهدم ويتكبد تكلفة العملية التي تتراوح بين 20 و40 ألف دولار وتذهب لطواقم الهدم وقوات الاحتلال التي توفر الحماية، وبالتالي الفلسطيني سيدفع قسراً جميع هذه الرسوم.