لا يعود تأجيل التصويت في مجلس الشيوخ للمرة الثانية خلال أسبوع، على تعيين القاضي بريت كافانو في المحكمة العليا فقط إلى نبش قضية اغتصاب وتحرش جنسي ضده حصلت قبل 36 سنة، بل أيضاً إلى تزايد التحدي لخيارات الرئيس دونالد ترامب وسياساته عموماً، وفي صفوف الجمهوريين بالذات الذين من المفترض أن يقفوا بالإجماع إلى جانبه في مسألة بالغة الأهمية وتخدم خط حزبهم في قمة السلطة القضائية.
صحيح أن مثل هذا الاشتباه يشكل عقبة مانعة في طريق الموافقة على تعيين كافانو، لكن الرئيس يمكنه تجاوزها ولو بصورة ملتوية، إذا كانت التهمة ضبابية وقديمة، وإذا امتلك الحضور و"المَونة" في مجلس الشيوخ. قضية مشابهة كانت ضد القاضي كلارنس توماس، مرشح جورج بوش الأب عام 1991 عن مقعد في هذه المحكمة، جرت تحقيقات طويلة بشأنها والاستماع إلى العديد من الشهود في عدة جلسات رافقها الكثير من الصخب والأضواء والاعتراض والدراما ذاتها التي شهدتها واشنطن الأسبوع الماضي. وفي النهاية تمكن بوش من تنصيب توماس بـ52 صوتاً مقابل 48 في مجلس الشيوخ، بالرغم من أن الأكثرية فيه كانت لصالح خصمه الحزب الديمقراطي.
اقــرأ أيضاً
الآن الأكثرية 51 شيخاً، بيد حزب الرئيس. مع ذلك، تعذر عليه ضمان هذه الأصوات لتعويم كافانو. بعد كل الضغوط، بقي ثلاثة من الجمهوريين خارج الصف، مثّلهم السيناتور جيف فليك، الذي اشترط تأجيل التصويت في مجلس الشيوخ لمدة أسبوع، يتولى خلاله مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" استكمال التحقيقات والقيام بالمزيد من التقصي عن سيرة كافانو، وخاصة حادثة الاعتداء الجنسي قبل 36 سنة، حسب زعم الضحية الأستاذة الجامعية كريستين بلازي فورد، التي سردت القصة أول من أمس الخميس بصورة مؤثرة ومقنعة أمام اللجنة العدلية في مجلس الشيوخ.
ما فعله، أو بالأحرى ما فرضه السناتور فليك، وبدعم اثنين من زملائه الجمهوريين، كان عملية شراء وقت لتدبير مخرج لسحب ترشيح كافانو أو حمله على الانسحاب. أو ربما لاستكشاف حيثيات جديدة تعرقل تعيينه، فهو لم يعد مقبولاً إلا من المحافظين، باعتباره واحداً منهم في تفسيره للقوانين، بحيث تتلاءم مع توجهاتهم المتشددة اجتماعياً ونقابياً وحكومياً (في الإنفاق العام)، ومتراخية مع المصالح الكبيرة وعالم المال والأعمال. ومن هنا تأتي أهمية اختيار قضاتها من الرئيس وموافقة مجلس الشيوخ على تعيينهم. القاضي فيها أهم من وزير. وظيفته مدى الحياة، وصوته قد يرجّح كفة القرارات التي تأتي إجمالاً، وليس دائماً، لصالح الخط المحسوب عليه. ولذا يجهد كلا الحزبين لضمان وجود خمسة من أصل قضاتها التسعة إلى جانبه.
لكن القاضي كافانو صار من الصعب عليه اجتياز الامتحان، فتأييد تعيينه تراجع بمعدل 8 إلى 10 نقاط بعد سلسلة الفضائح المزعومة التي توالت ضده، وبعد أدائه المنفعل والاستفزازي في شهادته أمام اللجنة العدلية. صار التمسك به مكلفاً انتخابياً، ولا سيما أن الصوت النسائي بات يميل بقوة لصالح الحزب الديمقراطي، وأميركا على موعد مع انتخابات الكونغرس بعد 36 يوماً.
الأهم من ذلك، أن الجدل حوله قد عمّق الانقسام الذي تحول من خلاف سياسي إلى "حالة عدائية" بين خندق ترامب، ومعه المحافظون، وبين خندق خصومه. صارت تتردد في هذا السياق مفردات "القسمة" و"الاندماج أو الحرب الأهلية" أو "الافتراق" الجغرافي، على حد تعبير باتريك بيوكانن، عميد الداعين إلى الصفاء العرقي". قاموس أخاف جهات مثل السناتور فليك، الذي لم يخف قلقه من احتمال "تمزق البلاد " لو بقيت ثقافة التنابذ تتفاعل، التي يحمّل البعض مسؤولية تأجيجها لترامب، مع أن بذورها سابقة لمجيئه.
اقــرأ أيضاً
فترة الأسبوع جاءت لتبريد الرؤوس والمراجعة. لكن لا ضمان من عودة السخونة إذا لم يتيسر توليف مخرج لأزمة القاضي، وخاصة لو تعذر المجيء بمستمسكات وازنة لإطاحته. موافقة ترامب أمس على تكليف "إف بي آي" بالمهمة، تنطوي على استعداد للبحث عن حلحلة، إلا إذا كانت للتواري خلفها والعودة من خلالها إلى المطالبة بالتصويت على تعيينه. لكن عوامل كثيرة ترجح التراجع والانتظار. الرئيس ليس في موقع الدخول في معركة طاحنة فيما يواجه أكثر من مشكلة وملف؛ بدءاً من خلافه مع نائب وزير العدل، وانتهاءً بهموم التحقيقات الروسية وقرب الانتخابات. كما أن تعيين كافانو وقفت ضده مرجعيات قانونية ونقابة المحامين والرأي العام. والحزب الديمقراطي تمكن من تسجيل نقطة لصالحه عشية الانتخابات، من خلال تأجيل بت مصير كافانو الذي بات من الصعب تمريره بعد كل الغيوم الداكنة التي تحوم فوق تعيينه.
صحيح أن مثل هذا الاشتباه يشكل عقبة مانعة في طريق الموافقة على تعيين كافانو، لكن الرئيس يمكنه تجاوزها ولو بصورة ملتوية، إذا كانت التهمة ضبابية وقديمة، وإذا امتلك الحضور و"المَونة" في مجلس الشيوخ. قضية مشابهة كانت ضد القاضي كلارنس توماس، مرشح جورج بوش الأب عام 1991 عن مقعد في هذه المحكمة، جرت تحقيقات طويلة بشأنها والاستماع إلى العديد من الشهود في عدة جلسات رافقها الكثير من الصخب والأضواء والاعتراض والدراما ذاتها التي شهدتها واشنطن الأسبوع الماضي. وفي النهاية تمكن بوش من تنصيب توماس بـ52 صوتاً مقابل 48 في مجلس الشيوخ، بالرغم من أن الأكثرية فيه كانت لصالح خصمه الحزب الديمقراطي.
الآن الأكثرية 51 شيخاً، بيد حزب الرئيس. مع ذلك، تعذر عليه ضمان هذه الأصوات لتعويم كافانو. بعد كل الضغوط، بقي ثلاثة من الجمهوريين خارج الصف، مثّلهم السيناتور جيف فليك، الذي اشترط تأجيل التصويت في مجلس الشيوخ لمدة أسبوع، يتولى خلاله مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" استكمال التحقيقات والقيام بالمزيد من التقصي عن سيرة كافانو، وخاصة حادثة الاعتداء الجنسي قبل 36 سنة، حسب زعم الضحية الأستاذة الجامعية كريستين بلازي فورد، التي سردت القصة أول من أمس الخميس بصورة مؤثرة ومقنعة أمام اللجنة العدلية في مجلس الشيوخ.
ما فعله، أو بالأحرى ما فرضه السناتور فليك، وبدعم اثنين من زملائه الجمهوريين، كان عملية شراء وقت لتدبير مخرج لسحب ترشيح كافانو أو حمله على الانسحاب. أو ربما لاستكشاف حيثيات جديدة تعرقل تعيينه، فهو لم يعد مقبولاً إلا من المحافظين، باعتباره واحداً منهم في تفسيره للقوانين، بحيث تتلاءم مع توجهاتهم المتشددة اجتماعياً ونقابياً وحكومياً (في الإنفاق العام)، ومتراخية مع المصالح الكبيرة وعالم المال والأعمال. ومن هنا تأتي أهمية اختيار قضاتها من الرئيس وموافقة مجلس الشيوخ على تعيينهم. القاضي فيها أهم من وزير. وظيفته مدى الحياة، وصوته قد يرجّح كفة القرارات التي تأتي إجمالاً، وليس دائماً، لصالح الخط المحسوب عليه. ولذا يجهد كلا الحزبين لضمان وجود خمسة من أصل قضاتها التسعة إلى جانبه.
لكن القاضي كافانو صار من الصعب عليه اجتياز الامتحان، فتأييد تعيينه تراجع بمعدل 8 إلى 10 نقاط بعد سلسلة الفضائح المزعومة التي توالت ضده، وبعد أدائه المنفعل والاستفزازي في شهادته أمام اللجنة العدلية. صار التمسك به مكلفاً انتخابياً، ولا سيما أن الصوت النسائي بات يميل بقوة لصالح الحزب الديمقراطي، وأميركا على موعد مع انتخابات الكونغرس بعد 36 يوماً.
الأهم من ذلك، أن الجدل حوله قد عمّق الانقسام الذي تحول من خلاف سياسي إلى "حالة عدائية" بين خندق ترامب، ومعه المحافظون، وبين خندق خصومه. صارت تتردد في هذا السياق مفردات "القسمة" و"الاندماج أو الحرب الأهلية" أو "الافتراق" الجغرافي، على حد تعبير باتريك بيوكانن، عميد الداعين إلى الصفاء العرقي". قاموس أخاف جهات مثل السناتور فليك، الذي لم يخف قلقه من احتمال "تمزق البلاد " لو بقيت ثقافة التنابذ تتفاعل، التي يحمّل البعض مسؤولية تأجيجها لترامب، مع أن بذورها سابقة لمجيئه.
فترة الأسبوع جاءت لتبريد الرؤوس والمراجعة. لكن لا ضمان من عودة السخونة إذا لم يتيسر توليف مخرج لأزمة القاضي، وخاصة لو تعذر المجيء بمستمسكات وازنة لإطاحته. موافقة ترامب أمس على تكليف "إف بي آي" بالمهمة، تنطوي على استعداد للبحث عن حلحلة، إلا إذا كانت للتواري خلفها والعودة من خلالها إلى المطالبة بالتصويت على تعيينه. لكن عوامل كثيرة ترجح التراجع والانتظار. الرئيس ليس في موقع الدخول في معركة طاحنة فيما يواجه أكثر من مشكلة وملف؛ بدءاً من خلافه مع نائب وزير العدل، وانتهاءً بهموم التحقيقات الروسية وقرب الانتخابات. كما أن تعيين كافانو وقفت ضده مرجعيات قانونية ونقابة المحامين والرأي العام. والحزب الديمقراطي تمكن من تسجيل نقطة لصالحه عشية الانتخابات، من خلال تأجيل بت مصير كافانو الذي بات من الصعب تمريره بعد كل الغيوم الداكنة التي تحوم فوق تعيينه.