شروط أردنية تؤجّل فتح معبر نصيب

عدنان أحمد

عدنان أحمد
30 سبتمبر 2018
68310288-D81F-4A94-B2F6-BF22D7AD4C6B
+ الخط -
نفّذت سلطات النظام السوري، أمس السبت، مناورة سياسية بدا أنها فشلت في فرض أمر واقع على السلطات الأردنية، من خلال إعادة افتتاح معبر نصيب الحدودي من طرف واحد، سوري. لكن ظهر واضحاً أن إعادة افتتاح المعبر الأهم بالنسبة لدمشق، خصوصاً اقتصادياً، ستكون مسألة وقت، لأن الاستعجال الأردني على الخطوة، ينافس الحماسة السورية، وهو ما ستكون له تداعيات سياسية توازي الحدث من ناحيته الاقتصادية، أكان بالنسبة لتوفير عملة صعبة لحكّام دمشق، أو لإعادة فتح أسواق مهمة بالنسبة للأردن، ومن خلفه لبنان، الذي يعتبر معبر نصيب طريقاً وحيداً لتصدير بضائعه من خلال سورية.
وبدأت "المناورة" صباح أمس، عندما أعلنت وكالة أنباء النظام السوري "سانا"، أن "معبر نصيب الحدودي مع الأردن، قد تم فتحه من الجانب السوري، وأن حركة الشاحنات التجارية بدأت في العبور من وإلى الأردن". ومع مسارعة إعلان الحكومة الأردنية بأن "المعبر لا يزال مغلقاً ولم يتم فتحه"، عادت الوكالة السورية إلى سحب خبرها الأول، فنشرت خبراً جديداً مفاده "استكمال الاستعدادات لفتح المعبر الذي سيفتتح في العاشر من الشهر المقبل" (أكتوبر/تشرين الأول).

وقالت المتحدثة الرسمية باسم الحكومة الأردنية جمانة غنيمات، إن "معبر جابر نصيب ما يزال مغلقاً، ولم يتم افتتاحه أمام حركة نقل البضائع والمسافرين". لكنها أوحت بأن موعد فتحه قد لا يتأخر بما أن "الجانبين (الأردني والسوري) مستمران بدراسة موضوع فتح الحدود للوقوف على الأوضاع في المراكز الجمركية". وأوضحت غنيمات أن "الاجتماعات الفنية لفتح الحدود مستمرة"، مؤكدة أن "إعادة فتح الحدود تتطلب توفّر بنية تحتية ومعايير لوجستية وفنية يلزم تحقيقها".

ودلّ الارتباك في الإعلان عن افتتاح المعبر إلى مشكلة في التواصل والتنسيق بين النظام والجانب الأردني، خصوصاً بعد سلسلة من التصريحات الصادرة عن الجانبين، التي عبّر فيها كل طرف عن عدم استعجاله فتح المعبر، وأن "فتحه فيه مصلحة للطرف الآخر أكثر من مصلحته هو، ويترتب عليه بالتالي تقديم ثمن ما لقاء فتح المعبر".

وعلى الرغم من ترحيب الأردن الصريح باستعادة النظام السيطرة على المعبر، وعلى محافظة درعا الجنوبية التي يقع فيها، إلا أن مصادر إعلامية عدة أشارت إلى "انزعاج النظام السوري من لجوء الأردن إلى التنسيق مع روسيا بدلاً من التنسيق معه في موضوع فتح المعبر".

وبحسب مصادر إعلامية قريبة من النظام، فإن "فتح المعبر هو مصلحة أردنية بالدرجة الأولى، نظراً لأن العلاقات التجارية بين النظام ودول الخليج، مقطوعة منذ إغلاق المعبر عام 2015، ما يعني أن تجارة الترانزيت، التي ستعبر من المعبر ستفيد الأردن، بصورة رئيسية". لذلك، يريد النظام ثمناً لقاء فتح المعبر، مثل التطبيع الكامل للعلاقات السياسية بين عمّان ودمشق، علماً أن المملكة لم تخفِ حماستها الضمنية يوماً لإعادة سيطرة النظام على الأراضي السورية. في الجانب الآخر، نوّهت المصادر إلى أن "الجانب الأردني وضع شروطاً على فتح المعبر، منها منع الشاحنات السورية من دخول الأراضي الأردنية، على أن يتم إيصال البضائع إلى الحدود الأردنية ومن ثم يتم نقلها إلى شاحنات أردنية لنقلها إلى الجهة المصدرة لها". فضلاً عن ذلك، تحاول عمّان الربط ما بين موافقتها على فتح المعبر من جهة، وعودة عدد لا بأس به من اللاجئين من أراضيها إلى مناطقهم في الجنوب السوري، من جهة ثانية".

وفي إطار إظهار "عدم الاستعجال"، الأردني قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مطلع الشهر الماضي إن بلاده "ستعيد فتح المعبر عندما تكون مستعدة لذلك، وفق المعطيات الفنية على الأرض، والظروف السياسية". وفي حين اعتبر النظام السوري أنه "لم يتلقَّ طلباً من الأردن لفتح المعبر"، قال الصفدي إن "الأردن بدوره لم يتلقَّ طلباً لإعادة فتح المعبر". وحسب وكالة "رويترز" فإن "الأردن هو من قدم شروطاً للروس تحديداً، تتعلق بفتح معبر نصيب".

ونقلت الوكالة عن دبلوماسيين مطلعين قولهم إن "عمّان طلبت أن تقوم الشرطة العسكرية الروسية بدور أكبر في حماية النازحين الذين يريدون العودة لمناطق استعادها جيش النظام في الآونة الأخيرة". ونقلت "رويترز" عن مصادر غربية قولها إن "روسيا تضغط على عمان لفتح المعبر في مسعى لإظهار أن الحرب تقترب من نهايتها ولمساعدة الرئيس السوري بشار الأسد".

ورأى مراقبون أنه "بالنسبة لروسيا والنظام، فإن فتح المعبر سيمثل نصراً معنوياً كبيراً، إذ يريد كلاهما أن يظهر أن كل شيء يعود بسرعة لطبيعته وأن الحرب توشك على نهايتها، في حين أن الأردن المتلهف أيضاً على فتح المعبر لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، لا يريد أن تأتي هذه الخطوة بعوائد سياسية على النظام، ويحاول حصرها بالجوانب الاقتصادية، إضافة إلى محاولته الحصول على ضمانات تتعلق بالعودة الآمنة للاجئين السوريين على أراضيه من كلٍّ من النظام وروسيا".

وكانت حكومة النظام السوري، قد أصدرت الأسبوع الماضي قراراً قضى برفع رسوم عبور الترانزيت البري لشاحنات النقل السورية والعربية والأجنبية المحملة والفارغة عند عبور الأراضي السورية. وأفاد رئيس مجلس الوزراء عماد خميس أن "تعديل الرسوم يحقق مصلحة الدولة السورية فتم رفعها من 10 إلى 62 دولاراً لحمولة شاحنة بحدود 4 أطنان". وكانت محادثات جرت بين مسؤولين سوريين وأردنيين، في الأسابيع القليلة الماضية، لبحث الترتيبات اللازمة لإعادة فتح المعبر.

بالنسبة لروسيا والنظام السوري، فإنّ قضية إعادة فتح المعبر تعتبر هامة للغاية من الناحيتين الاقتصادية والسياسية. ولعل الناحية السياسية تفوق أهمية إذ سيكون فتحه بمثابة تتويج لنجاح الجهود الروسية في إعادة تأهيل النظام سياسياً، خصوصاً إذا ما ترافق مع فتح الطرقات الدولية في الشمال السوري، بحسب الاتفاق الأخير بين روسيا وتركيا الخاص بإدلب. ما يعني أن الطرقات باتت مفتوحة من تركيا شمالاً إلى الخليج العربي جنوباً، أمر لا بد أن تنظر إليه حتى تركيا بعين الارتياح، لأن حركة نقل البضائع التركية عبر الطريق البري باتجاه سورية وما بعدها جنوباً، توقف تقريباً منذ اندلاع الثورة السورية (2011). وقدّرت صحيفة "حرييت" التركية أن "تركيا فقدت 40 في المائة من تجارتها مع دول المنطقة نتيجة القضية السورية".

كما يدخل فتح المعبر في حسابات روسيا والنظام المتعلقة بإعادة الإعمار، وتنشيط حركة التبادل مع دول الجوار لإدخال مواد البناء ومستلزمات إعادة الإعمار. وإضافة إلى الاعتبار السياسي، لا شك أن فتح المعبر سيعود بفوائد كبيرة على النظام السوري من الناحية الاقتصادية، تحديداً استعادة حركة الترانزيت التي تُقدَّر خسارة النظام نتيجة فقدانها خلال السنوات الماضية بنحو خمسة مليارات دولار، في حين خسر الأردن 800 مليون دولار ولبنان 900 مليون دولار.

وبلغ حجم التبادل الاقتصادي بين سورية والأردن عام 2010 نحو 615 مليون دولار، ثم تراجع إلى أقل من 20 مليون دولار، ليتوقف وبشكل نهائي منذ عام 2015 بعد إغلاق المعبر. وبالنسبة للأردن، كان هناك نحو 172 شركة تخليص جمركي ونقل تعمل على الجانب الأردني من المعبر قبل إغلاقه، إضافة إلى وجود منطقة حرة مشتركة ترتبط مباشرة بين معبرين منفصلين إلى الداخل السوري والأردني. وهذه المنطقة كانت توفر فرص عمل لأكثر من 4 آلاف شخص من البلدين، وكانت تحوي حوالي 35 مصنعاً وأكثر من 100 سيارة وعشرات المحال التجارية وساحات للشاحنات ومستودعات لممارسة الأنشطة التجارية.

وتعرّض القطاع الزراعي الأردني إلى خسائر كبيرة منذ عام 2011 مع بدء الحرب في سورية وتراجع التصدير عبرها، إلى أن تم إغلاق الحدود بالكامل. ومثله أيضاً القطاع الصناعي، إذ قدّرت مصادر ارتفاع صادرات المنطقة الحرة في مدينة الزرقاء بعد فتح المعبر إلى قرابة مليار دولار سنوياً، فيما صادراتها السنوية حالياً تصل إلى 600 مليون دولار، والمنطقة الحرة في الزرقاء تضم 220 مصنعاً مختلفاً كانت تعمل على تصدير البضائع من خلال المعبر إلى لبنان وتركيا ودول أوروبية.

بدوره عبّر رئيس جمعية مصدري الخضار والفاكهة في الأردن زهير جويحان، عن أمله في أن "تسهم إعادة فتح المعبر في إنعاش القطاع الزراعي الأردني"، مبيناً أن "القطاع الزراعي يستفيد من المعبر بتصدير ما يقارب 250 ألف طن من الخضار والفواكه شتاءً وصيفاً إلى أوروبا". ولعل الأكثر توقاً لفتح المعبر هو لبنان الذي قدرت خسائره نتيجة إغلاق المعبر بـ 2.5 مليون دولار يومياً، بحسب تقرير مركز "جسور للدراسات".

ويستخدم لبنان "نصيب" كمعبر "ترانزيت" نحو الأردن، ومنه إلى دول الخليج، إذ تُشكّل السلع الزراعية عصب الصادرات اللبنانية، وهي تحتاج مسافة قصيرة، لتصل إلى المستهلك بحالة طازجة، غير أن إغلاق معبر نصيب جعل التجارة اللبنانية تضطر إلى الانتقال إلى طريق بحري، ينطلق من مرفأ طرابلس إلى ميناء العقبة الأردني ثم عمان، ثم دول الخليج. وتستمر هذه العملية قرابة 40 يوماً، ما يتسبب بتكاليف كبيرة على المصدر والمستورد. وقبل إقفال المعبر، كان يمرّ يومياً ما بين 250 إلى 300 شاحنة لبنانية محمّلة بالمنتوجات اللبنانية المتجهة إلى الأسواق العربية. وهذا الرقم وصل إلى الصفر بعد إغلاق المعبر.

ويقع معبر نصيب كما يُسمّى في سورية، ومعبر جابر في الأردن، بين كل من بلدتي نصيب السورية في محافظة درعا جنوبي البلاد، وجابر الأردنية في محافظة المفرق، وبدأ العمل عليه منذ عام 1991 لكنه أُنجز ودخل الخدمة اعتباراً من عام 1997 ويعدّ المعبر الأم من بين 19 معبراً برياً سورياً، ويصفه البعض بالمعبر الأهم في الشرق الأوسط. ووصل عدد الشاحنات التي كانت تجتاز المعبر قبل بدء الثورة السورية في عام 2011 إلى 7 آلاف شاحنة يومياً، وهو يضم 3 مسارات منفصلة، واحد للمسافرين الآتين وآخر للمغادرين بمركباتهم الخاصة أو وسائط النقل العمومية، وثالث مخصص للشاحنات القادمة والمغادرة، كما تحاذيه منطقة حرة سورية أردنية مشتركة.

ذات صلة

الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.
الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.
الصورة
مسيرة في رام الله منددة باغتيال حسن نصر الله (العربي الجديد)

سياسة

خرج المئات من الفلسطينيين والأردنيين، مساء السبت، بتظاهرتين، الأولى في رام الله والثانية في العاصمة عمّان، وذلك تنديداً باغتيال حسن نصر الله.