ورغم تطمينات المبعوث الأممي غسان سلامة أمس لمجلس الأمن الدولي باستمرار صمود الهدنة الموقعة بين مليشيات طرابلس ومليشيات ترهونة المجاورة، إلا أن تزايد مواقف وتصريحات قادة المليشيات تنبئ بقرب حدوث تطور كبير قد يهدد بوقوع انفجار على شكل مواجهة بين حكومة الوفاق ومليشياتها.
فبعد ساعات من إعلان "كتائب طرابلس"، التي وحدت نفسها تحت مسمى "قوة حماية طرابلس"، خروجها من تحت شرعية الحكومة، معتبرة أن ما يصدر عن وضعها بالعاصمة "عيثاً ممنهجاً"، خرج القيادي البارز في الكتائب، عاطف بالرقيق، مهدداً بشكل صريح وزير الداخلية، فتحي باشاغا، بالقول خلال تصريح لتلفزيون محلي ليل أمس الجمعة، إن الأخير "لا خيار لديه سوى الخضوع لقوة حماية طرابلس"، لا بل وزع بالرقيق، مهام مليشيات قوة حماية طرابلس، مفصلاً في حديثه بالقول "عليه (يقصد باشاغا) أن يمنح لقوة الردع الخاصة مكافحة الإرهاب، ولقوة التدخل السريع ملف البحث الجنائي، ولكتائب ثوار طرابلس ملف الهجرة غير الشرعية"، مكرراً مرات عدة خلال حديثه أنه "لا خيار لديه (لباشاغا) غير ذلك".
وتصاعدت لهجة المناكفة بين الحكومة ومليشياتها، بعدما أصدر وزير الداخلية بحكومة الوفاق، وهو الشخصية الحكومية المعنية أكثر من غيرها بالمليشيات، بياناً رفض فيه سعي المليشيات لـ"فرض سلطة الأمر الواقع"، وذلك خلال أولى ساعات القتال الذي احتدم الأربعاء الماضي بين "قوة حماية طرابلس" و"اللواء السابع" جنوب شرق العاصمة.
وفي بيانه، لم يضفِ الوزير أي صفة شرعية على مليشيات "قوة حماية طرابلس"، مكتفياً بوصفها بـ"المجموعات المسلحة"، مقابل تلميحات خلال البيان تشير الى محاولة دفاعه عن مليشيات "اللواء السابع"، الطرف الآخر في القتال، بأنها قدمت لطرابلس بتكليف من الوزارة لحماية محيط مطار طرابلس القديم، في إشارة واضحة منه لتبني الوزارة لوجود مليشيات "اللواء السابع" في طرابلس التي منحها صفة حكومية كونها قوة تابعة لمديرية أمن ترهونة، وهي القوة ذاتها التي أعلنت حكومة "الوفاق"، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنها لا تتبع الحكومة، ولا تتمتع بأي شرعية.
ولم يتوقف انقلاب موازين الشرعية في الحكومة عند هذا الحد، بل أعقبه تصريح وموقف أكثر وضوحاً، ظهر الخميس، حيث أعلنت مليشيات "قوة حماية طرابلس" عن عدم خضوعها لسلطة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، متجاوزة في خطابها وزارة الداخلية، وقالت إنها لن تعتبر قراراته شرعية إلا بعد اجتماع كامل أعضائه.
وزادت "قوة حماية طرابلس" حدة لهجتها، مساء أمس الجمعة، عندما أعلنت عن سيطرتها الكاملة على جنوب شرق طرابلس، وطرد مليشيات "اللواء السابع"، بالتأكيد على"عدم اعترافها بقرارات فتحي باشاغا" وجردته من صفة وزير. وفي لهجة أكثر وضوحاً، قالت إن "سياسة الأمر الواقع هي من كلفت فتحي باشاغا وزيراً للداخلية"، وطالبته بترك طرابلس والذهاب الى مدينته مصراته لـ"تطهيرها من الإرهاب".
وفي خضم ذلك، كان المبعوث الأممي غسان سلامة يحاول، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن، إرسال تطمينات بقدرة بعثته على قيادة الأمور في طرابلس، مؤكداً أن البعثة قدمت الكثير من الدعم الفني لوزارة الداخلية لفرض برنامج الترتيبات الأمنية بالعاصمة، لكنه لم يستطع إخفاء ضعف الوزارة والحكومة برمتها، عندما أشار الى استمرار نفوذ المليشيات، وعدم وجود قوات نظامية للوزارة.
صراع الوزير والمليشيات ليس حديثاً، فمنذ تولي باشاغا، الرجل الذي وصف بالأقدر على تفكيك المليشيات بصفته قيادياً سابقاً وبارزاً في حلف "فجر ليبيا"، منصبه، قرر العمل على "إخضاع التشكيلات المسلحة لسلطة الحكومة"، لكنه وقع فريستها على ما يبدو، عندما لم يجد من يشرف على تنفيذ ترتيباته الأمنية سوى المليشيات نفسها، فاستعان بأبرز قادتها، أي هيثم التاجوري، قائد كتائب "ثوار طرابلس"، الذي انتشرت صوره بشكل واسع، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو يقف في أحد طرقات طرابلس مشرفاً على تسيير دوريات وأفراد كانوا يحملون شعار وزارة الداخلية.
وفي أول تصريحاته المعادية للمليشيات، أعلن باشاغا، خلال مؤتمر صحافي أعقب الاعتداء الإرهابي على مقر وزارة الخارجية، نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فشل خطة الترتيبات الأمنية، بسبب سيطرة المليشيات ورفضها الخضوع لبرامجها الساعية لإدماجها في مؤسسات الوزارة الأمنية والشرطية، معترفاً أن وزارته "لا تملك شيئاً"، و"مخازنها صفر من السلاح" مقابل تسليح وإعداد عالٍ للمليشيات، التي صرح بأن بعضها يخضع لأوامر استخبارات دولة عربية لم يسمها.
وكان أول علامات تفجر الأوضاع بين الوزير والمليشيات، بيان مفاجئ للمليشيات منتصف ديسمبر الماضي، أعلنت خلاله رفضها لتقدم أي قوات باتجاه العاصمة طرابلس.
وقالت مصادر وقتها إن المليشيات كانت تشير إلى تكليف الوزير لقوات "اللواء السابع" بالتواجد في مقر مطار طرابلس القديم، في سعي منه لخلق توازن قوى بين مليشيات طرابلس، وهو ما أكدته المواجهات المسلحة التي شهدها جنوب شرق طرابلس من يوم الأربعاء الماضي وحتى مساء أمس الجمعة بين مليشيات "قوة حماية طرابلس" و"اللواء السابع" في المناطق المجاورة لمقر المطار.
وعرفت العاصمة طرابلس منذ العام 2011، عشرات المليشيات، التي تحولت في ولائها خلال مسار الأحداث بعد الثورة بين أكثر من حكومة، وتحت أكثر من مسمى. وجمعها منذ نهاية عام 2014 مسمى "فجر ليبيا"، لكنها منذ تمكن دخول حكومة الوفاق في مارس 2016، سارعت لإعلان ولائها لحكومة الوفاق، حاملة شعارات وزاراتها، لاسيما وزارتي الدفاع والداخلية. ومنذ منتصف 2017، بدت مليشيات "الردع الخاصة"، و"الأمن المركزي"، و"التدخل السريع"، و"ثوار طرابلس"، و"النواصي"، أبرز هذه الكتائب المسيطرة على طرابلس تحت لواء وزارة الداخلية.
وفي منتصف أكتوبر الماضي، برز حلف مسلح جديد، حمل مسمى "قوة حماية طرابلس" ليضم المليشيات الأربع الأساسية، مجتذباً إليه مليشيات أخرى:
- قوة الردع الخاصة
أقوى كتائب طرابلس، ينتمي قائدها عبد الروؤف كاره وأغلب مسلحيها للتيار السلفي، وتحوم حولها شبهات التواصل مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
- كتيبة ثوار طرابلس
ثاني أكبر قوة بطرابلس، وتسيطر على أغلب أجزاء جنوب وجنوب شرق العاصمة طرابلس، ويقودها الملازم هيثم التاجوري، المعروف بتقلب ولاءاته، وآخرها تقاربه الكبير مع استخبارات دولة الإمارات.
- كتيبة الامن المركزي والتدخل السريع
ومناطق سيطرتها في حي أبوسليم ومناطق وسط العاصمة. يقودها مدني ذو خلفيات سلفية، هو عبد الغني الككلي، وتعتبر القوة الثالثة في طرابلس.
- كتيبة الضمان
وهي من أكبر مليشيات منطقة تاجوراء شرق العاصمة، تطورت من مليشيات أسرية لآل دريدر لتضم أغلب مسلحي تاجوراء.
- كتيبة باب تاجوراء
مقرها منطقة باب تاجوراء، وسط العاصمة، ويغلب عليها الانتماء للتيار السلفي، واشتهرت بملاحقاتها لاوكار المخدرات وأصحاب السوابق الجنائية، وكثيراً ما واجهت معارضة أهلية من قبل أهالي منطقة باب تاجوراء وسط العاصمة.
- كتيبة رحبة الدروع
وتشتهر بمليشيا البقرة، لقب قائدها بشير خلف الله، وهي على خلاف مستمر مع مليشيا الردع الخاصة، وبسبب ذلك كثيراً ما تعلن ميولها لأي فصيل مسلح يحاول الدخول لطرابلس، كتأييدها لحرب اللواء السابع في أكتوبر الماضي، لكنها تحظى بدعم واسع من أهالي تاجوراء.
- الكتيبة 301
وتسيطر على جنوب غرب طرابلس، وأغلب مسلحيها ينتمون لمصراتة، وقائدها شاب مدني يدعى عبد السلام الزوبي، اتهمت بدعمها لـ"لواء الصمود" الذي شارك حرب "اللواء السابع" في طرابلس في أكتوبر الماضي.
- كتيبة النواصي
يقودها مصطفى قدور، ذو الانتماء السلفي المتشدد، وتعتبر رابع أقوى مليشيات العاصمة، وتتمركز في نقاط عدة، شمال العاصمة ووسطها.