وعلى الرغم من منع القانون مزاولة البرلمانيين لأي أعمال خلال فترة الخدمة النيابية، مثل الدراسة والتجارة والظهور الإعلامي بصفة مقدم برامج أو مذيع، إلا أن مصادر سياسية مقرّبة من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، كشفت لـ"العربي الجديد"، أن "الدورة البرلمانية السابقة شهدت قبول أكثر من 50 نائباً في الجامعات الأهلية ببغداد والنجف، بالإضافة إلى كليات خارج العراق، مثل جامعة طهران، والجامعة الإسلامية في لبنان، وكليات في العاصمة الأردنية عمّان، وتخرجوا من تلك الكليات خلال فترة وجودهم في البرلمان، وكانوا يترددون إلى الجامعات في أوقات متفاوتة، كأيام الاختبارات والبحوث، وبعضهم لم يحضر جلسات برلمانية مهمة بسبب الانشغال بالدراسة. أما أصحاب العلاقات القوية مع هذه الجامعات، فقد ذهبوا مرة أو مرتين إلى الجامعات ومن ثم حصلوا على الشهادة، وفي الوقت نفسه لم يحضروا إلى البرلمان بحجة الدراسة أيضاَ".
واعتبرت المصادر أن "الأحزاب الإسلامية، مثل بدر والمجلس الأعلى والفضيلة، دفعت بأعضائها خلال السنوات الأخيرة إلى إكمال دراساتهم بأموال الأحزاب نفسها، بالتنسيق مع جامعات في إيران، وحصلوا على شهادات عليا، وبتأثيرات خاصة تمّت معادلة شهاداتهم مع المعمول بها في العراق عبر وزارة التعليم العالي ببغداد. بالتالي بدوا وكأنهم تخرّجوا من جامعات العراق التي تتسم دراستها بالصعوبة وضرورة حضور الطلبة للمحاضرات وأداء الواجبات".
وبحسب موظف إداري في وزارة التعليم العراقية، فإن "للوزارة جدولاً بالجامعات التي تعترف بها، ويمكنها معادلة شهادات، وفي أكثر من مرة برزت محاولات لأحزاب معادلة شهادات من الخارج غير معترف بها، إلا أن الوزارة رفضت". وأضاف الموظف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "واحداً من الأحزاب (ذات السمة الطائفية السنية) في العراق كان قد أرسل عشرات الشهادات العليا (الماجستير والدكتوراه) للوزارة، بغرض الاطلاع عليها وتضمينها ضمن الشهادات المعترف بها، إلا أن موظفي الوزارة رفضوا الأمر، ما أدى إلى حدوث مشكلة كبيرة بين الوزارة والحزب السياسي المذكور، حتى اضطر أخيراً وزير التعليم آنذاك علي الأديب، إلى استثناء أعضاء الحزب الوافدين وتعديل شهاداتهم وتسيير الأمور".
ولفت الموظف إلى أن "المشكلة تكمن في أن الجامعات الأهلية في العراق تابعة بالأصل للأحزاب الدينية، وبالتالي فإن حصول أحد أعضاء الأحزاب على شهادة ليس بالأمر الصعب من دون دراسة أو مناقشات، وأحياناً تتم مناقشة الطالب الباحث بموضوع ما بطريقة صورية، ما أدى إلى وفرة في أعداد الحاصلين على الشهادات العليا للسياسيين وزعماء الأحزاب والأعضاء وأصدقائهم".
بدوره، أكد النائب السابق محمد اللكاش، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "فوضى الجامعات الأهلية في بغداد، والدوام المسائي والمعاهد التي صارت تعطي الشهادات العليا مقابل الأموال، سببت كارثة للطلبة الذين يتعبون حقاً من أجل نيل الشهادات". وأشار إلى أن "بعض النواب في الدورة النيابية السابقة تركوا العمل في مجلس النواب وتوجهوا إلى لبنان وإيران وعمان لإكمال الدراسة، لا سيما أن العديد من بينهم لم يحصل على شهادة البكالوريوس، وهذا الأمر مخالف للقوانين، خصوصاً أن السياسيين يحصلون على شهاداتهم عبر الوساطات والعلاقات الشخصية، وعبر المحسوبية والمنسوبية".
وتابع أن "رئاسة البرلمان ومجلس الوزراء عليهما الانتباه، ومنع البرلمانيين والوزراء ووكلائهم من إكمال دراساتهم كون القانون يمنعهم من ذلك، فضلاً عن توجيه عقوبات صارمة"، كاشفاً أن "الدورة السابقة شهدت قبول نحو 40 نائباً. وهو فعل يخالف النظام الداخلي لمجلس النواب، وأحد الأسباب التي كانت تمنع اكتمال النصاب القانوني للتصويت على القوانين المهمة، التي تخدم البلاد والعراقيين".
من جانبه، أشار الباحث محمد وذاح، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الكثير من السياسيين العراقيين لا يحملون شهادات عليا، بل إن بعضهم لم يكمل دراسته، والبعض الآخر حصل على شهادات من جامعات غير معترف بها من قبل وزارة التعليم العالي أو مضمّنة بتصنيف الجامعات العراقية، وغالباً ما تكون جامعات خارجية، ويتم الحصول على الشهادات عبر الأموال. ثم يحصلون على المناصب التي تدر عليهم الأموال والصفقات الفاسدة".
بدروه، أكد الخبير القانوني طارق حرب، أنه "وفقاً للمادة 49 من القانون العراقي، فقد مُنع النائب في البرلمان من الدراسة أو ممارسة أي عمل، بما في ذلك الدراسة والتجارة والمقاولات أو ممارسة عمل إعلامي، ولكن في العراق القوانين تُهمل، بدليل أنه في كل سنة تقبل الجامعات، تحديداً الأهلية منها، نواباً متقدمين للحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه. مع العلم أن كثيرين منهم يصعب عليهم كتابة خمس كلمات من دون أخطاء إملائية، وهناك جامعات تقبل النواب باستثناء الدرجات والمعدل والعمر، ويكملون البكالوريوس والماجستير والدكتوراه". ولفت إلى أن "الطامة الكبرى ليست في الجامعات الأهلية وإعطاء الشهادات للمسؤولين بالجملة، إنما بالشهادات الفخرية التي تمنحها جامعات عربية لهؤلاء السياسيين، التي تسببت بخروج العراق عن التقييم العلمي في المنظمات الدولية".