الانتخابات الإسرائيلية: الانقسامات والانفجار الكبير (2)

06 يناير 2019
انشقاق بينت وشاكيد يعزز تشظّي اليمين (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -
تُظهر الاستطلاعات الإسرائيلية التي تنشر تباعاً، حالة بلبلة في مواقف الإسرائيليين وفي قدرتهم على تحديد وجهتهم الانتخابية، على الرغم من عمليتي الانقسام الأخيرتين، قبل أيام، اللتين كان يُفترض بهما أن تحدثا انفجاراً كبيراً يقود إلى تغيير الخريطة الإسرائيلية وتوزيع المقاعد الحزبية في الكنيست الجديد في الانتخابات المقرر إجراؤها في التاسع من إبريل/نيسان المقبل.

فقد شهد السبت الأخير من ديسمبر/كانون الأول الماضي، الانقسام الأول، بإعلان نفتالي بينت وأيليت شاكيد قرارهما الانشقاق عن حزب "البيت اليهودي"، حزب التيار الصهيوني الديني، (حامل لواء الاستيطان في كل مكان في "أرض إسرائيل" من دون أي اهتمام لتقسيمات "اتفاق أوسلو" لمناطق الضفة الغربية المحتلة، بين مناطق أ، وب، وج، والدعوة لضم فعلي وفرض السيادة الإسرائيلية على أراضي المنطقة سي، التي تمتد على نحو 60 في المائة من أراضي الضفة الغربية المحتلة). وقرر بينت وشاكيد تشكيل حزب يمين علماني-ديني، تحت اسم "اليمين الجديد"، يخاطب ويستقطب جمهور اليمين الإسرائيلي من خارج الصهيونية الدينية، على اعتبار أن هذا يحقق معادلة "الكسور أكبر من العدد الصحيح"، ويضمن زيادة مقاعد في الكنيست لأحزاب اليمين المشاركة في ائتلاف نتنياهو المقبل، وعملياً سرقة هذه الأصوات من حزب "ييش عتيد" بقيادة يئير لبيد، والحزب الجديد "مناعة إسرائيل" الذي أسسه الجنرال بني غانتس.
لكن هذه الخطوة سرعان ما بدا، على الأقل وفقاً للمزاج الإسرائيلي الحالي، أنها لا تحقق الهدف المرجو منها. فمع أن شاكيد وبينت حصلا مسبقاً على مباركة زعيمي التيار الديني الصهيوني، الحاخام حاييم دروكمان (من رموز التيار الاستيطاني الديني وقادة حزب هتحيا التاريخي) والحاخام اليعازر ميلاميد، إلا أن الصدمة الأولى في "البيت اليهودي" دفعت الأخيرين إلى التنكّر للحزب الجديد، ودعوة جمهور الصهيونية الدينية إلى نبذ الحزب الجديد.

هذه الدعوة، مقرونةً بالحرب التي شنّها حزب "البيت اليهودي"، تبدو حتى الآن غير مجدية، إذ تشير الاستطلاعات الأخيرة، وآخرها استطلاع لـ"معاريف"، إلى أن حزب "اليمين الجديد" يحصل على 8 مقاعد، و"البيت اليهودي" على 4، بما يحقق جزئياً قاعدة الكسور أكبر من العدد الصحيح. لكن هذه النتائج لا تزال غير ثابتة، بل تهدد وفق السيناريوهات المتشائمة التي يروج لها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نفسه، بإضعاف وخفض العدد الكلي لنواب الكنيست من كتل اليمين، وتزيد من تشظي هذه الأحزاب، وبالتالي المخاطرة بعدم تخطي أحزاب راسخة في اليمين نسبة الحسم التي تبدأ من أربعة مقاعد للحزب الذي يتجاوزها، وبالتالي فإن الأحزاب التي تحصل حالياً على هذا العدد من المقاعد قد تكون معرضة لخطر السقوط في حال كانت نسبة التصويت في الانتخابات المقبلة، خصوصاً عند اليسار والعرب، أعلى من نسبتها في انتخابات العام 2015 التي بلغت 72.34 في المائة. وكانت نسبة التصويت عند العرب واليسار بالمجمل أقل من نسبتها عند مصوّتي اليمين، خصوصاً بفعل كلام نتنياهو العنصري يوم الانتخابات في 15 مارس/آذار 2015 بأن حكم اليمين في خطر، والعرب يتدفقون على صناديق الاقتراع.

الحدث الثاني في سياق معادلة الكسور والأعداد، يتصل بقرار زعيم حزب "العمل"، أفي غباي، فك تحالف حزبه مع حزب "الحركة" بقيادة تسيبي ليفني، أملاً بأن يخلصه ذلك من وجوب تحصين مواقع لأنصارها على حساب أعضاء "العمل"، إضافة إلى محاولة استعادة مجد "العمل" واستعادة شرائح ابتعدت عن الحزب واتجهت إما لحزب "ميريتس" اليساري، أو انتقلت لحزب يئير لبيد. وجاءت خطوة غباي في ظل انهيار حزبه وفق الاستطلاعات، وبالتالي محاولة إعادة شيء من البريق له، علّه يرتفع في الاستطلاعات ويحسن من أوراق المساومة أو المفاوضات لتحالف أوسع مع حزب بني غانتس، الذي يحصد حالياً في الاستطلاعات بين 13 و16 مقعداً.

لكن الاستطلاعات المتتالية تكرس حالة عدم اليقين والتخبّط في الشارع الإسرائيلي، بشكل يعزز القول بتشظي الهويات الفرعية داخل الهوية السياسية الأوسع، كما هو الحال في تشظي أحزاب اليمين إلى 8 أحزاب حالياً: "الليكود"، "كولانو"، "يسرائيل بيتينو"، "شاس"، "يهدوت هتوراة"، "البيت اليهودي"، "اليمين الجديد"، "غيشر" (الحزب الجديد لأورلي ليفي أبو كسيس)، إلى جانب حزبين على الأقل لم يجتازا نسبة الحسم في الانتخابات الأخيرة وهما: حزب إيلي يشاي، وحزب "عوتسماه يهوديت". وهذه القائمة لا تشمل حزب "ييش عتيد" بقيادة يئير لبيد الذي يصنف نفسه على أنه حزب وسط، والحزب الجديد لغانتس، الذي لم تتضح هويته السياسية بعد.

وفي اليسار لم يبق عملياً إلا أربعة أحزاب قائمة، بعد قرار انفصال "العمل" عن حزب "الحركة" بقيادة ليفني، وهي: "العمل"، "الحركة"، "ميريتس"، و"القائمة المشتركة"، التي هي في واقع الحال تحالف انتخابي لثلاثة أحزاب عربية هي "التجمّع الوطني الديمقراطي"، "الحركة الإسلامية الجنوبية" (أسسها الشيخ الراحل عبدالله نمر درويش)، و"الحركة العربية للتغيير" بقيادة أحمد طيبي، مع "الجبهة الديمقراطية" المكوّنة أصلاً من تحالف أبرم أواسط السبعينيات بين الحزب الشيوعي الإسرائيلي وحركات اجتماعية وسياسية مختلفة.
حالة الانقسامات هذه تستدعي إلقاء نظرة على الشخصين الأبرز في حركتي الانقسام في اليمين واليسار، نفتالي بينت المنشق عن "البيت اليهودي"، وتسيبي ليفني التي فسخ حزب "العمل" تحالفه مع حركتها.


نفتالي بينت

يُعتبر نفتالي بينت من أبرز رجال السياسة المؤثرين في إسرائيل في الحكومتين الأخيرتين، وقد جاء إلى الشأن العام في إسرائيل من عالم "الهايتك" (التكنولوجيا المتطورة)، بعد أن أسس شركة سايبر وعمل في قطاع "أمن المعلومات"، إثر خدمة عسكرية في سرية الأركان، وكان قائداً في وحدة الكوماندوس "ماجلان".
ظهر بينت أول مرة في المشهد الإسرائيلي عام 2005، عندما تمكّنت أيليت شاكيد، التي عملت في ذلك الوقت مديرة ديوان زعيم المعارضة آنذاك بنيامين نتنياهو، من تجنيده ليكون رئيساً للطاقم الانتخابي في الانتخابات التمهيدية لزعامة "الليكود" في أغسطس/آب 2007. لم يمض بينت ولا شاكيد كثيراً في ديوان نتنياهو، واستقالا عام 2008، بفعل خلاف مع زوجة نتنياهو، سارة.

ومع أن شاكيد علمانية وغير متدينة، إلا أنها انضمت وبينت إلى حزب "البيت اليهودي"، بعد أن كانا قد أسسا في العام 2012 حزباً جديداً للربط بين العلمانيين والمتدينين باسم "الإسرائيليين". وتنافس نفتالي بينت على زعامة الحزب التقليدية ممثلة بزبولون أورليف. أصر بينت على إدراج شاكيد في قائمة مرشحي الحزب مع أنها ليست من أتباع التيار الصهيوني الديني، وحقق الحزب تحت قيادتهما في الانتخابات العامة عام 2013، إنجازاً غير مسبوق للتيار الديني الصهيوني، بحصول حزب "البيت اليهودي" على 12 مقعداً. لكن حكومة نتنياهو الثالثة لم تصمد كثيراً، وقام نتنياهو بحلها والذهاب إلى انتخابات مبكرة في العام 2015، خرج فيها "البيت اليهودي" بقيادة بينت هذه المرة بثمانية مقاعد فقط، متهماً نتنياهو بأنه "سرق أصوات المستوطنين".

خلال عدوان "الجرف الصامد" على غزة عام 2014، استغل بينت علاقاته بحاخامات الجيش، واستقى منهم معلومات عما يدور في الجبهة، ليُحرج وزير الأمن وقادة الجيش بمعلوماته الدقيقة، خصوصاً تحذيره من حجم الخطر الحقيقي لأنفاق حركة "حماس"، مطالباً بضربها بقوة وإسقاط سلطة "حماس"، فيما كرست شاكيد نشاطها لتغيير هيئة القضاة في المحاكم وتعيين قضاة من اليمين الإسرائيلي وفرض تصوّر اليمين المحافظ على جهاز القضاء.
أسس بينت مطالبه بتغيير الخط الاستراتيجي في مواجهة "حماس"، وأخيراً في مواجهة إيران، على خدمته العسكرية في سرية الأركان. لكن الصحف الإسرائيلية كشفت قبل نحو عامين، أن قصف مخيم للاجئين في قانا اللبنانية خلال العدوان الإسرائيلي "عناقيد الغضب" في 18 إبريل/نيسان من العام 1996 هدف إلى تمكين فرقة بينت العسكرية، من الخروج من كمين وقعت فيه وخاضت اشتباكات عنيفة خلاله مع عناصر من المقاومة اللبنانية. سقط في مجزرة قانا اللبنانية أكثر من 100 مدني احتموا في مقر للأمم المتحدة.

لم يُخف بينت طيلة العامين الأخيرين، حلمه بالوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة، وافتعل أزمة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد استقالة وزير الأمن أفيغدور ليبرمان في 14 منه، مطالباً بحقيبة الأمن. لكنه سرعان ما تراجع عن تهديده بالانسحاب من الحكومة تحت ضغط حاخامات التيار الصهيوني الديني، ويرى مراقبون أن هذه الضغوط دفعته هو وشاكيد إلى الخروج بمغامرة تشكيل حزب جديد، "اليمين الجديد".

تسيبي ليفني
ولدت لأسرة من قادة الحركة الصهيونية التنقيحية بقيادة زئيف جابوتينسكي، وكان والدها إيتان ليفني قائداً في التنظيم الإرهابي الصهيوني "الإيتسيل"، ثم بعد النكبة عضواً في الكنيست عن حزب "الليكود". انضمت تسيبي ليفني المولودة عام 1958، إلى "الموساد" بعد خدمتها العسكرية ودراستها الجامعية، وكانت مسؤولة عن شقة سرية لـ"الموساد" في باريس.
انضمت للحياة السياسية في إسرائيل عام 1999، وانتُخبت عضواً في الكنيست عن قائمة "الليكود" لأول مرة، وكانت أُدرجت في الموقع 18 على القائمة في حين حصل "الليكود" آنذاك على 19 مقعداً فقط. بعد فوز أريئيل شارون على إيهود براك في الانتخابات الأخيرة لرئاسة الحكومة عام 2001، تولت عدة حقائب وزارية، وكانت وسيطة بين شارون ونتنياهو أثناء تمرير قرار الانسحاب من غزة.

بعد انشقاق شارون وتأسيس حزب "كديما"، انشقت ليفني عن "الليكود"، وانضمت لـ"كديما"، وعملت بتوافق تام مع شارون، ثم لاحقاً مع إيهود أولمرت الذي عيّنها نائبة وقائمة بأعمال رئيس الحكومة. تمكّنت عام 2008 من الفوز برئاسة حزب "كديما" ثم تغلبت في الانتخابات النيابية عام 2009 على زعيم "الليكود" بنيامين نتنياهو، عندما فاز حزبها بـ28 مقعداً مقابل 27 مقعداً لـ"الليكود"، إلا أنها فشلت في تشكيل ائتلاف حكومي، مما مكّن خصمها نتنياهو من تشكيل حكومته الثانية. في العام 2009 صدر في بريطانيا أمر ومذكرة توقيف ضدها لمسؤوليتها عن جرائم الحرب في العدوان على غزة.

عادت ليفني لتنشق عن حزبها، "كديما"، في العام 2012 بعد أن تغلّب عليها شاؤول موفاز، وتشكّل حزبها الجديد "هتنوعاه"، وخاضت الانتخابات النيابية العامة، لتنضم بعدها مع حزبها إلى حكومة نتنياهو الثالثة في العام 2013، إلى أن قام الأخير بفصلها من منصب وزيرة القضاء في ديسمبر/كانون الأول 2014، فأعلنت بعد ذلك عن تحالف جديد مع حزب "العمل" بقيادة يتسحاق هرتسوغ، وأطلق على الكتلة المشتركة اسم "المعسكر الصهيوني". فازت كتلة "المعسكر الصهيوني" بـ24 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، لكن مسيرة ليفني السياسية باتت مهددة بعد قرار "العمل" فك الشراكة مع حركتها، وفي ظل التباين في قوتها الانتخابية بحسب الاستطلاعات بين عدم اجتياز نسبة الحسم وبين حصولها على 5 مقاعد.