أعلن حزب "التقدم والاشتراكية"، وهو الحزب اليساري المقرّب من حزب العدالة والتنمية الإسلامي، عن قراره الانسحاب من حكومة سعد الدين العثماني، وذلك في خطوة هي أولى بوادر التعديل الوزاري الكبير المرتقب في الأيام القليلة المقبلة.
ولا يؤثر انسحاب هذا الحزب على الأغلبية البرلمانية المساندة لحكومة سعد الدين العثماني، إذ يحوز هذا الحزب اليساري على 13 نائباً فقط، بينما تتوفر الأحزاب الخمسة المتبقية في التحالف الحكومي على 232 نائباً برلمانياً، أي بزيادة كبيرة عن أغلبية 198 نائباً المطلوبة في مجلس النواب ذي 395 مقعداً.
ورغم أن هذا الحزب ظل يشارك في الحكومات منذ التحاقه إلى جانب أحزاب المعارضة التاريخية بـ"حكومة التناوب" التي تشكّلت عام 1998 في سياق التحضير لانتقال العرش من الملك الراحل الحسن الثاني الذي توفي صيف عام 1999، إلى الملك محمد السادس؛ إلا أن مشاركته في الحكومتين الأخيرتين تم في سياق تحالفه سياسياً مع حزب العدالة والتنمية الذي فاز بانتخابات 2011 و2016 التشريعيتين.
وجاء القرار في نهاية اجتماع دام عدة ساعات عقده المكتب السياسي للحزب، يوم الثلاثاء، وخلص إلى اتخاذ قرار الانسحاب من الحكومة بإجماع أعضائه، على أن يعرض القرار للمصادقة الرسمية في دورة طارئة للجنة المركزية للحزب يوم الجمعة المقبل.
وتعتبر هذه الخطوة بمثابة مرحلة جديدة في مسار إضعاف الموقع السياسي لحزب العدالة والتنمية، والذي بدأ بالحؤول دون تشكيل أمينه العام السابق عبد الإله بنكيران حكومته الثانية رغم فوزه بانتخابات 2016 التشريعية، إذ قاد رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، عملية منعه من تحصيل الأغلبية اللازمة لتنصيب الحكومة. وتواصل ذلك الإضعاف بخضوع الحزب للشروط التي وضعها خصومه ورفضتها هيئاته القيادية خلال فترة المفاوضات حول تشكيل الحكومة الحالية.
كذلك يشكّل خروج حزب التقدم والاشتراكية واحداً من المطالب التي ظلّ حزب التجمع الوطني للأحرار، بقيادة عزيز أخنوش، يلمّح إليها بشكل مستمر، من خلال تصريحات يقول فيها إنه أولى بحمل حقيبة الصحة، والتي توجد حالياً بحوزة حزب التقدم والاشتراكية.
وقالت مصادر متطابقة من داخل تحالف الأغلبية إن قرار انسحاب حزب التقدم والاشتراكية من الحكومة جاء نتيجة للهندسة الجديدة التي اقترحها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، والتي بنيت على تقليص عدد الوزراء، وهو ما كان سيؤدّي إلى الإبقاء على حقيبة وزارية واحدة في حوزة هذا الحزب اليساري، بينما يحوز حالياً حقيبتين، هما وزارة الصحة ووزارة الإسكان، علماً أنه خسر حقيبة كتابة الدولة للماء، والتي كانت تتولّى زمامها الوزيرة السابق شرفات أفيلال، والتي تم إعفاؤها بقرار ملكي وباقتراح من رئيس الحكومة، في صيف العام الماضي.
وجاء في تصريح عمّمه المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية مساء اليوم، إنه وبعد تداول معمق لموضوع التعديل الوزاري من مختلف جوانبه خلال اجتماعات عديدة طيلة الأسابيع الأخيرة، يرى "المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أن الوضع غير السوي للأغلبية الحالية مرشح لمزيد من التفاقم في أفق سنة 2021 كسنة انتخابية، مما سيحول دون أن تتمكن الحكومة من الاضطلاع بالمهام الجسام التي تنتظرها، ولا أن تتجاوب بالقدر اللازم مع التوجيهات الملكية المؤطرة لهذا التعديل".
وانتهى التصريح المطوّل بإعلان قيادة هذا الحزب الذي يحوز أصغر كتلة برلمانية ضمن التحالف الحكومي، لكنّ وزنه السياسي بالغ الأهمية نظراً لكونه ظلّ يعتبر الحليف السياسي الوحيد لحزب العدالة والتنمية الإسلامي في مقابل تكتّل الأحزاب الأربعة الأخرى خلف وزير الفلاحة عزيز أخنوش؛ إلى الإعلان "بأسف شديد"، حسب لغة التصريح، قرار عدم الاستمرار في الحكومة الحالية، "على أساس أن يظل، من أي موقع كان، حزباً وطنياً وتقدمياً يعمل من أجل الإصلاح والديمقراطية ويناضل من أجل تغيير أوضاع بلادنا وشعبنا نحو الأحسن، معبئاً في ذلك وراء صاحب الجلالة".
التصريح الذي نشره المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أوضح أن قرار مشاركة حزب التقدم والاشتراكية في الحكومتين، السابقة والحالية، واللتين قادهما حزب العدالة والتنمية الإسلامي، جاء "في سياق تاريخي مفصلي في مسار وطننا وشعبنا، استدعى أن يكون الحزب قوة فاعلة في مرحلة ما بعد الخطاب الملكي ليوم 09 مارس واعتماد دستور 2011 وما فتحه من آفاق بناء دولة المؤسسات القائمة على العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة".
وأضاف التصريح أن حزب التقدم والاشتراكية ظل طيلة الفترة الأخيرة "يؤكد حاجة البلاد إلى نفس ديمقراطي جديد من أجل استئناف مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفتح آفاق جديدة تمكن من المضي قدماً في بناء المغرب الحداثي والمتقدم القائم على العدالة الاجتماعية والتضامن".
وأضاف الحزب أنه سجّل "بأسف" أن الأغلبية الحكومية الحالية، ومنذ تأسيسها إلى اليوم، "وضعت نفسها رهينة منطق تدبير حكومي مفتقد لأي نَفَس سياسي حقيقي يمكن من قيادة المرحلة، والتعاطي الفعال مع الملفات والقضايا المطروحة، وخيم على العلاقات بين مكوناتها الصراع والتجاذب والسلبي وممارسات سياسوية مرفوضة، حيث تم إعطاء الأولوية للتسابق الانتخابوي في أفق سنة 2021، وهدر الزمن السياسي الراهن مع ما ينتج عن ذلك من تذمر وإحباط لدى فئات واسعة من جماهير شعبنا".