ظهر أمس الأحد أول مؤشرات تطبيق اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، مع إعلان التحالف السعودي-الإماراتي أن القوات الموجودة في مدينة عدن ستكون تحت قيادة سعودية، بعدما كانت أبوظبي تقودها. وكانت الإمارات تتصدر واجهة نفوذ التحالف في عدن منذ سنوات، ودعمت تمرداً انفصالياً لإسقاط الحكومة في أغسطس/آب الماضي. لكن القوات السعودية عززت حضورها في عدن خلال الأسابيع الأخيرة، وتسلمت العديد من المنشآت من الإماراتيين، في إطار تحضيرات إعلان اتفاق الرياض، برعاية السعودية. وفي ظل تباين المواقف بين الترحيب والتحفظ على الاتفاق، تجمع غالبية المتابعين على أن التنفيذ هو محطة الاختبار الأهم للنوايا، فيما برزت اعتراضات من داخل الحكومة على الاتفاق، أبرزها من وزير الداخلية أحمد الميسري الذي رفض أي اتفاق مع "المجلس الانتقالي الجنوبي".
وقبيل الإعلان رسمياً عن اتفاق الرياض الذي كان من المتوقع أن يتم توقيعه أمس، على الرغم من تسريب بنوده قبل أيام، كان التحالف يعلن في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية، أمس، "إعادة تموضع قوات التحالف في عدن لتكون بقيادة المملكة وإعادة انتشارها وفق متطلبات العمليات الحالية". وأشادت قيادة قوات التحالف "بكل الجهود التي بذلتها القوات كافة، وفي مقدمتها القوات الإماراتية، وأسهمت في نجاح الخطط المعدة لتنفيذ المهام العملياتية بكل كفاءة واقتدار".
وكانت مصادر يمنية كشفت عن المسوَّدة شبه النهائية لاتفاق الرياض بين الحكومة و"المجلس الانتقالي". وينص الاتفاق على تشكيل حكومة كفاءات سياسية لا تتعدى 24 وزيراً بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات، مع منح الجنوبيين 50 في المائة من الحقائب الوزارية، على أن يكون ذلك خلال مدة لا تتجاوز 45 يوماً من توقيع الاتفاق. كما يتضمن أن يباشر رئيس الوزراء الحالي معين عبد الملك عمله في عدن، خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام من توقيع اتفاق لتشغيل كافة مؤسسات الدولة لخدمة "المواطن اليمني"، والعمل على صرف المرتبات والمستحقات لجميع منسوبي قطاعات الدولة. وينص الاتفاق على أن يشارك "المجلس الانتقالي" في وفد الحكومة لمشاورات الحل السياسي النهائي لإنهاء "انقلاب المليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني". كما يشمل عسكرياً، إعادة تنظيم القوات العسكرية والأمنية تحت قيادتي وزارتي الدفاع والداخلية، ونقل جميع القوات العسكرية التابعة للحكومة والتشكيلات التابعة لـ"المجلس الانتقالي"، في عدن، إلى معسكرات خارج المدينة، خلال 30 يوماً من توقيع الاتفاق، ويُستثنى من ذلك اللواء الأول حرس خاص، الذي يحمي الرئيس عبد ربه منصور هادي، وكذلك قوة لحماية قيادات "المجلس الانتقالي" في عدن، تحت إشراف التحالف.
ويفتح الإعلان عن التوصل إلى اتفاق الرياض، المجال لاسترجاع أبرز محطات الأزمة بين "المجلس الانتقالي" والشرعية اليمنية، وصعود الانفصاليين المدعومين من الإمارات على مدى السنوات الماضية، والذي وصل إلى أوجّه من خلال التصعيد الأمني الذي شهدته محافظتا عدن وأبين في أغسطس/ آب الماضي.
من "الحراك الجنوبي" إلى دعم الإمارات
عند الحديث عن الأزمة في الجنوب اليمني، تبرز سنوات ما عُرف بـ"الحراك الجنوبي"، كأبرز محطة يمكن الإشارة إليها مؤسسةٍ لعدد من المكوّنات الفاعلة جنوباً. و"الحراك الجنوبي" هو الاسم الذي أُطلق على مختلف الفعاليات التي دشّنها معارضون جنوبيون للحكومة اليمنية في عام 2007، رافعين مطالب حقوقية تطورت إلى دعوات علنية إلى الانفصال.
وبدأت ثاني المحطات اعتباراً من النصف الثاني لعام 2015، حين تدخلت الإمارات متصدرةً دور "التحالف" مع السعودية جنوباً، بدءاً من الإشراف على سير المعارك بين ما عُرف بـ"المقاومة الجنوبية" و"قوات الشرعية"، من جهة، وبين جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحلفائها من جهة أخرى، وصولاً إلى تسلّم أبوظبي ملف الأمن ونفوذ "التحالف" في المناطق اليمنية غير الخاضعة للحوثيين جنوباً.
خلاف أبوظبي والشرعية
في ديسمبر/ كانون الأول 2015، عيّن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، عيدروس الزبيدي محافظاً لمدينة عدن، واللواء شلال علي شايع مديراً لأمنها، والرجلان يتحدران من محافظة الضالع، وهما من القيادات المعروفة في الحراك المطالب بالانفصال، ليتحوّلا إلى ذراع أبوظبي في المدينة الجنوبية، بعدما شرعت الأخيرة بتنفيذ جملة عناوين لأجندةٍ خاصة، موجّهة ضد الحكومة، وفي سبيل تعزيز تحقيق مجموعة أهداف خاصة بها، منها السيطرة على الموانئ اليمنية.
في تلك الأثناء، ظلّ الخلاف يتصاعد بين الشرعية اليمنية والإماراتيين، الذين تحوّلوا إلى ما يشبه سلطة "الوصاية" وعملوا على إعاقة عودة هادي ومسؤولي الحكومة إلى المدينة التي توصف بـ"العاصمة المؤقتة" لليمن. وكان الخلاف مع أبوظبي أحد دوافع قرار الرئيس اليمني في إبريل/ نيسان 2016، لإطاحة نائبه ورئيس الحكومة خالد بحاح من منصبيه، بعدما كان الأخير معروفاً بقربه من الإماراتيين.
ظهور "المجلس الانتقالي"
بعد عام، وتحديداً في إبريل/ نيسان 2017، أصدر هادي جملة قرارات أطاحت محافظ عدن، عيدروس الزبيدي، من منصبه، كما أطاح القيادي السلفي المقرب من أبوظبي والنافذ في قوات "الحزام الأمني" هاني بن بريك، من منصبه كوزيرٍ للدولة.
في أعقاب ذلك، اتجهت أبوظبي وحلفاؤها الانفصاليون إلى الرد على هذه القرارات، بتنفيذ انقلاب على غرار ما فعله الحوثيون في صنعاء في عام 2014، وبدأ ذلك بالدعوة إلى تظاهرة خرجت في الرابع من مايو/ أيار 2017، وأُطلق عليها اسم "مليونية إعلان عدن التاريخي"، وجرى خلالها "تفويض" الزبيدي باتخاذ خطوات تصعيدية.
وفي هذا السياق، جاء الإعلان عن "المجلس الانتقالي الجنوبي" (مايو/ أيار 2017) وقدّم نفسه، منذ أيامه الأولى، كسلطةٍ موازية انفصالية لإدارة المحافظات الجنوبية وضمّ محافظين أطاحهم هادي من مناصبهم في وقت لاحق، إلا أن الوضع عاد إلى التهدئة مع تدخّل الرياض، ومغادرة الزبيدي ونائبه هاني بن بريك إلى أبوظبي للبقاء فيها لما يقرب الشهرين.
أحداث يناير 2018
مرّت الأزمة بين الحكومة اليمنية و"الانتقالي" بالعديد من المحطات التي تراوحت بين التصعيد والتهدئة، كانعكاسٍ لحسابات الرياض - أبوظبي، لكن الوضع وصل إلى الانفجار مع إعلان حلفاء الإمارات موجة تصعيد لإسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر في يناير/ كانون الثاني 2018، لتشهد عدن حرب شوارع بين قوات الحماية الرئاسية وبين الانفصاليين، قتل وأصيب خلالها العشرات.
توقفت مواجهات عدن بعد اندلاعها بأيام قليلة، وذلك بتدخّل السعودية من خلال إرسال لجنة عسكرية إلى المدينة، أشرفت على عملية وقف النار وإعادة بعض مقرات قوات "الحماية الرئاسية" التي سيطر عليها مسلحو "الانتقالي"، فارضةً التهدئة حالة من التعايش. على الرغم من ذلك، ظلّ الانفصاليون يحتفظون بقوات خاضعة لسيطرتهم في المدينة. أما الهدن، فقد مدّدت من عمرها تهدئةٌ إماراتية مع الشرعية في النصف الأخير من 2018، في أعقاب أزمة جزيرة سقطرى، والتي شكا اليمن على إثرها الممارسات الإماراتية إلى مجلس الأمن الدولي.
تصعيد 2019 وانسحاب الإمارات
اعتباراً من يونيو/ حزيران الماضي، أعلنت أبوظبي عن خطة لتقليص وجودها العسكري في اليمن، مع أنباء عن انسحابات لقوات إماراتية من عدد من المواقع التي توجد فيها في عدن والساحل الغربي للبلاد. ترافق ذلك مع تصعيد دشنته أذرعها العسكرية لإسقاط المحافظات، بما في ذلك التصعيد في سقطرى ومحاولة فرض سيطرة "النخبة الشبوانية" على مركز محافظة شبوة، ودعوات متكررة للتصعيد في حضرموت.
إكمال الانقلاب
مثّلت أحداث أغسطس/ آب الماضي ذروة الأزمة بين الحكومة اليمنية وحلفاء الإمارات، بعدما عملت أبوظبي على دعم انقلاب متكامل انتهى بسيطرة التشكيلات الانفصالية والمدعومة منها على مدينة عدن، بعد أيام من المواجهات، هاجم خلالها مسلحو "الانتقالي" القصر الرئاسي في منطقة المعاشيق، حيث المقر المؤقت للحكومة.
إثر هذه الأحداث، تحوّلت عدن إلى مدينة خارجة عن سيطرة الحكومة اليمنية على غرار صنعاء، ونتجت عنها مغادرة نائب رئيس الوزراء اليمني، وزير الداخلية، أحمد الميسري للمدينة، بعد تصريحات أشار فيها إلى مشاركة ما يقرب من 400 آلية عسكرية إماراتية في الانقلاب.
بعد سيطرتهم على عدن، توجّه حلفاء أبوظبي للسيطرة على محافظة أبين، في طريقهم إلى شبوة المحاذية، التي تحوّلت إلى محطة ميدانية فاصلة، بهزيمة القوات التابعة لـ"الانتقالي" والمعروفة بـ"النخبة الشبوانية"، بدعم من السعودية، لينتهي الوضع في شبوة إلى سيطرة كاملة للقوات الحكومية عليها، إلى جانب أجزاء من محافظة أبين.
وفي 29 أغسطس/ آب الماضي، ومع ذهاب التطورات في منحى معاكس لما تشتهيه الإمارات، بوصول القوات الحكومية إلى أطراف عدن، في مقابل تراجع متسارع لحلفاء أبوظبي، تدخّلت الأخيرة وقامت بقصف قوات الشرعية على أطراف عدن وأبين، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات.
حوار جدة واتفاق الرياض
دعت السعودية منذ العاشر من أغسطس/ آب الماضي إلى حوار بين الحكومة والأطراف التي نشب النزاع معها في عدن، استضافته مدينة جدة. ومطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، وصل وفد "الانتقالي" برئاسة عيدروس الزبيدي إلى المدينة السعودية، حيث رعى السعوديون مفاوضات غير مباشرة بين ممثلي "الانتقالي" ومسؤولين في الحكومة، من دون حصول أي لقاء مباشر.
منذ أكثر من أسبوع، انتقل "حوار جدة" إلى الرياض، لتخرج أخيراً أحدث مسودة للاتفاق قدمتها السعودية، ووافق عليها الطرفان. وفي ظل تباين المواقف بين الترحيب أو التحفظ على مستوى الأطراف المعنية، تجمع غالبية المتابعين على أن التنفيذ هو محطة الاختبار الأهم للنوايا.