وذكرت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن دائرة السيسي تلقت نصائح من جهاز الأمن الوطني باستغلال مجلس الشيوخ في هذا الغرض "التجريبي" و"التنفيسي" في آن. ولفتت إلى أن بعض قياديي الجهاز أعدوا تقارير رفعوها للمستشار الأمني للسيسي، اللواء أحمد جمال الدين، ومدير الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، ووكيل الاستخبارات نجل رئيس الجمهورية محمود السيسي، يقترحون فيها طرقاً لخلق مساحة معارضة مستأنسة، ومُدجنة، في مجلس الشيوخ، الذي لا قيمة له البتة دستورياً أو تشريعياً.
وتخلو المواد المنظمة لمجلس الشيوخ في الدستور المعدل من منحه أي سلطات مؤثرة، فهي تسند إليه "دراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بتوسيد دعائم الديمقراطية ودعم السلام الاجتماعي والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي وتوسيع مجالاته". وتعد هذه المهمات من ضمن مجموعة من الألفاظ العمومية والإنشائية الفارغة، التي سبق تضمينها في دساتير سابقة، بلا أي مردود على حياة المواطن المصري. كما تنص المواد على أن يؤخذ رأي المجلس في الاقتراحات الخاصة بتعديل الدستور، ومشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومعاهدات الصلح، ما يعني أن صلاحياته تتوقف عند حدود إبداء الرأي لا أكثر.
ولا دليل أبلغ على تهميش صلاحيات هذا المجلس الجديد مما نصّت عليه المادة 249 من أن يؤخذ رأيه في "مشاريع القوانين ومشاريع القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، وما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من مواضيع تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشؤون العربية أو الخارجية". وتوضح هذه المادة أن صلاحيات "الشيوخ" ستكون أقلّ من مجلس الشورى في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، لأن دستور 1971، المعدّل في العام 1980، كان يجعل عرض القوانين المكملة للدستور على مجلس الشورى إلزامياً، لكن الدستور الجديد يجعل هذا العرض اختيارياً.
كما تضمنت توصية الأمن الوطني تحديداً لأسماء بعض السياسيين والأحزاب التي يمكن التعاون معها، والتي قد يجد الأمر قبولاً لديها. وبحسب المصادر، فإن بعض الأسماء المقترحة سبق أن عارضت النظام في بعض المحطات المهمة التي مرّ بها عهد السيسي، كقضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، والتعديلات الدستورية، وموقف إقصاء جميع المنافسين الحقيقيين في انتخابات الرئاسة الأخيرة.
وربطت المصادر بين هذه التوصية السرّية، والدراسة التي تجري حالياً في هذا الشأن داخل قصر الاتحادية، وبين عودة الظهور الإعلامي لعددٍ من الشخصيات المحسوبة على ما يوصف في أروقة النظام بـ"المعارضة العاقلة"، كالدكتور محمد غنيم، والدكتور أسامة الغزالي حرب، اللذين استضافهما الإعلامي الموالي للنظام عمرو أديب أخيراً، وترك لهما مساحة غير مسبوقة منذ سنوات لنقد سياسات النظام، وتقديم مقترحات سياسية كانت مرفوضة بالكامل سابقاً.
وذكرت المصادر أن هناك بعض الخطوط الحمراء التي حددتها توصية الأمن الوطني، ليس فقط كتعبيرٍ عن قلقها من الآثار السلبية لتجربة "المعارضة المستأنسة" على تماسك النظام، بل أيضاً لتسهيل ترويج هذه الفكرة في دائرة السيسي. ومن هذه الخطوط، عدم التعاون مع نواب تكتل 25-30 الحاليين في مجلس النواب، والذين كان دخولهم البرلمان قبل أربع سنوات جزءاً من خطة استخبارية لتطعيم البرلمان بشخصيات شابة، ثم انخرط بعضهم في معارضة السياسات خارج الإطار المتفق عليه، كأحمد الطنطاوي وضياء داود وهيثم الحريري. يضاف إلى ذلك، منع التواصل، ورفض تواصل الشخصيات المختارة، مع الأحزاب اليسارية والليبرالية التي أنشئت بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، وبقيت عصية على تحكّم النظام، على الرغم من ضعفها في الشارع، كحزبي "الدستور" و"التحالف الشعبي الاشتراكي"، فضلاً عن الشخصيات السياسية والحقوقية المعارضة مبدئياً للنظام على خلفية أيديولوجية.
وأشارت المصادر إلى أن هناك مسألة يعود قرارها للسيسي وحده، وبناء على اعتبارات سياسية واقتصادية أخرى، وهي ما إذا كانت انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب ستجرى متزامنة بعد انتهاء الدورة البرلمانية الحالية الصيف المقبل، أم أن انتخابات "الشيوخ" قد تجرى في ظلّ قيام مجلس النواب الحالي.
وسبق أن أوضحت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" في مايو/ أيار الماضي، أن احتمالات إجراء انتخابات مزدوجة للنواب والشيوخ معاً "قائمة" وفقاً لتوصيات من وزارة المالية لتخفيض نصيب الاستحقاقات الانتخابية من الموازنة العامة المقبلة، وكذلك لتلافي الآثار المالية السلبية لاستفتاء التعديلات الدستورية الأخير. لكن هذه المصادر استبعدت إجراء الانتخابات المحلية خلال العامين 2019 و2020، وهي التي لم يتم تعديل تنظيمها المنصوص عليه في دستور 2014، وهي مؤجلة منذ ذلك الحين ولم يصدر قانون ينظمها.
وكشفت المصادر البرلمانية والأمنية أيضاً وجود مشاكل عدة لم تحسم حتى الآن طريقة التعامل مع الأفكار السابقة. أبرز هذه المشاكل ما إذا كانت دائرة السيسي ستسمح بدخول تلك الشخصيات المختارة لمجلس الشيوخ ضمن نسبة الثلثين التي سيتم انتخابها، أم ضمن نسبة الثلث التي سيتم تعيينها بقرار جمهوري. ومن الأسئلة التي لا تزال عالقة أيضاً، ما إذا كان سيسمح لتلك الشخصيات بتكوين قوائم انتخابية أو الانضمام لقوائم، في حال الأخذ بنظام القوائم المغلقة المطلقة، بشكل كامل أو جزئي، كما حدث في انتخابات مجلس النواب الماضية. والجدير ذكره في هذا الإطار، أن بعض الشخصيات المؤثرة في النظام تفضّل دخول ثلث النواب بالنظام الفردي، وأن تقتصر القائمة على الثلث فقط، حتى تتيح فرصة التنافس لأكبر عدد ممكن من رجال الأعمال وأعوان النظام والأجهزة المختلفة السيادية والأمنية في المحافظات تحديداً، خصوصاً أنه ليس من السهل أن تستوعب القوائم جميع الشخصيات الذين يريد النظام الاستفادة منهم في محيطهم أو مكافأتهم.
وسبق لمصادر سياسية أن أوضحت لـ"العربي الجديد" أن الرأي المتداول بين الاستخبارات والأمن الوطني، الخاص بالاختيار المباشر بواسطة النظام، ودعم قائمة موحدة بعينها، ربما تؤدي لخسارة النظام خدمات أذرع تنفيذية له في مناطق مختلفة، خصوصاً في الصعيد والوجه البحري. أما الرؤية الثانية، التي تطرح احتمالية التنافس داخل عباءة النظام، فهي مفيدة في بعض الجوانب، لكن قد يترتب عليها دخول عناصر تنتمي إلى نظام مبارك أو مقربة من فلوله الذين ما زالوا يريدون أداء دور سياسي، بعد حرمانهم المتعمد في السنوات الست الماضية. ويأتي ذلك علماً أن تجربة إدارة انتخابات الرئاسة الأخيرة شهدت صراعاً على الأرض لإثبات الجدارة في جذب الناخبين وتوزيع الرشى الانتخابية، وهو ما ينذر بمعركة انتخابية شرسة بين رجال الأعمال المحليين والعائلات والقبائل، ترى بعض دوائر النظام أنها ستورط الأجهزة الأمنية وستحرجها.
ومنذ اقتراح إنشائه، ومن المتداول في الأوساط السياسية المصرية، أن السبب الأساسي لتدشين مجلس الشيوخ هو مكافأة ومجاملة أكبر قدر من الأشخاص الذين يقدمون خدمات للنظام، لاستمرار استمالتهم والسيطرة عليهم، في محاولة لإعادة إنتاج تجربة مجلس الشورى في عهد مبارك.
ويعكس ذلك رغبة النظام في تهميش دور هذا المجلس وإبقائه مجرد "مستودع للمجاملات" على الرغم من أن ميزانيته لن تقل بأي حال عن 600 مليون جنيه (نحو 36 مليون دولار) سنوياً، بحسب مصدر حكومي مطلع، بالنظر للميزانية الحالية لمجلس النواب وهي مليار و400 مليون جنيه، وعدد أعضائه الذي لن يقل عن 180 بموجب الدستور، بالإضافة لنحو 300 موظف كانوا قد انتقلوا من مجلس الشورى إلى مجلس النواب، وفي الغالب سيعودون مرة أخرى لمباشرة أعمالهم السابقة.